فاضل علي عثمان البدران
يعود تاريخ تصدير النفط العراقي عن طريق البحر الابيض المتوسط إلى عام 1934 عندما حملت أول شحنة من نفط كركوك من ميناء حيفا الفلسطينية في 22 آذار من خلال انبوب حيفا، ومن ميناء طرابلس اللبنانية في 14 تموز من خلال الخط السوري، وإلى عام 1951 عن طريق الخليج العربي لنفط البصرة من ميناء الفاو، ومن ثم من الميناء العميق في خور العمية عام 1962 ، وميناء البصرة النفطي عام 1975 ، وتولى قسم التسويق
الذي استحدث في الدائرة الاقتصادية في شركة النفط الوطنية التعاقد واعداد وثائق التصدير، في الاول من حزيران وبعد قرار التأميم استحدثت المديرية العامة لتسويق النفط لتتولى عمليات تسويق النفط الخام والمنتجات النفطية.
وبرغم هذا التاريخ الطويل لعمليات تصدير النفط الخام العراقي الا انه لم يتم اجراء دراسات تحليلية واقتصادية عميقة حول عمليات التسويق والتصدير للنفط الخام والمنتجات النفطية مقارنة بالدراسات التي اجريت في المجالات الاخرى كالاستكشاف وتطوير الحقول والصناعة التحويلية وجوالت التراخيص، وللأسف الشديد لم يجر الاهتمام بكمية النفط المصدرة شهريا والعوائد والايرادات المتحققة منها، وبالتالي نفتقر إلى الخطط طويلة الامد والنظرة المستقبلية الهادفة إلى تطوير وسائل واليات التسويق وتنوع نشاطاته وايجاد أسواق جديدة خاصة وان تسويق النفط الان يرتبط مباشرة بالاسواق المالية العالمية.
وينصب الان جل اهتمام السياسات المعتمدة للحكومة العراقية على تأمين الحصول على الموارد المالية كي تستطيع من خلالها تلبية احتياجات المجتمع العراقي الانية من التعليم والصحة والاكتفاء الغذائي والخدمات الاساسية ومتطلبات الامن والدفاع وغيرها من المصاريف التشغيلية وبعض الجوانب الاقتصادية.
ان الحصار الاقتصادي على العراق والذي دام 13 سنة كان له اثارا سلبية جسيمة على صناعة النفط العراقية وبالتالي على تسويق النفط العراقي الذي خسر أسواقه الاعتيادية التي بناها منذ عام 1972 ، حيث ان الدراسات الاقتصادية اثبتت ان العراق قد خسر من جراء هذا الحصار وما تلاه من احتلال عام 2003 موارد كبيرة كان يمكن في وقتها ان تسهم في بناء اقتصاده وتفادي الاضرار التي احدثتها الحروب العبثية التي خاضها منذ عام 1980.
ان اهمية تسويق النفط العراقي المتصاعد تنطلق من ضرورات تأمين الموارد اللازمة للبلد من خلال تأمين سقوف إنتاجية تصاعدية سنويا تتناسب مع تزايد حجم الطلب على النفط وتحجيم التأثير السلبي لتذبذب أسعار النفط العالمية واستثمار الموقع الجغرافي المتميز للعراق الذي يمكنه من تزويد دول اسيا وافريقيا وأوروبا باحتياجاتها من النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية وتحقيق أفضل مردودات مالية للعراق من تصدير نفطه باعتبارها تمثل المرتكز الاساسي في تأمين ايرادات الميزانيات السنوية.
كما ان كلفة إنتاج النفط الخام في العراق تعد بأنها معقولة مقارنة بكلف الانتاج في الحقول النائية والبحرية والانتاج غير الطبيعي من النفط الصخري وغير ذلك.
مصالح جمعية
ان العراق يعتمد كغيره من الدول المصدرة على تصاعد وتائر النشاط الاقتصاد العالمي وتصاعد احتياجه لمصادر الطاقة من الدول المنتجة وان العراق في مقدمة هذه الدول سواء بحجم احتياطيه الكبير الذي يمتلكه من النفط والغاز او بحجم امكانيات تطوير طاقاته الانتاجية، ولهذا تأتي اهمية تسويق النفط العراقي وضرورة متابعة وتحديث اساليب التسويق ومتابعة تجارة النفط المتطورة.
كما تأتي اهمية كمية ونوعية النفوط المهيأة للتصدير ومواصفاتها وطرق واساليب التصدير وتنوع المنافذ على رأس قائمة العوامل التي تؤثر على تسويق النفط العراقي آنيا ومستقبال حيث من الضروري جدا الاهتمام بالبنى الارتكازية لقطاع النفط استكشاف وإنتاج ونقل وخزن ومرافئ تصدير وضمان ديمومة عملها وصيانتها لضمان ديمومة معدلات التصدير والتسويق اضافة إلى اساليب تطوير علاقات العراق السياسية والاقتصادية مع الدول المستهلكة للنفط بما يخدم مصلحة العراق الاقتصادية.
كما ان بناء وتطوير كوادر تسويقية ملمة بتجارة النفط العالمية وبناء خبرات قانونية ومالية وتجارية وفنية وبحرية واعتماد الاساليب والتقنيات الحديثة والمتطورة في العمل واساليب الاتصال الحديثة ينبغي ان تأخذ مكانتها من الاهتمام.
ان الاساس في تكوين الايرادات العامة للدولة وميزانيتها السنوية هو من خلال النهوض بواقع القطاع النفطي وبناه التحتية والارتقاء بأساليب عمله ومعالجة ما يحد من عملية تنمية وتطوير هذا القطاع سواء كانت تشريعية تتعلق بضرورة اقرار قانون النفط والغاز وتنظيم توزيع موارد الدولة وهيكلة القطاع وغيرها من القوانين المهمة المعطلة ام تلك المتعلقة بالجوانب الفنية التي تتصل بتطوير الحقول النفطية ورفع الطاقات الانتاجية بشكل متوازن مع تطوير الطاقات التصديرية وبناء خطوط الانابيب ومعالجة المتضرر منها وتوسيع وانشاء الخزانات النفطية وتطوير الموانيء العراقية وتنويع منافذ التصدير الاخرى وتحقيق المرونة العالية، إلى جانب تفعيل مصادر الدخل الاخرى والنهوض بواقع مؤسسات القطاع العام ودعم وتشجيع القطاع الخاص وتنمية دوره سواء في القطاع النفطي او في بقية القطاعات الاخرى وتشجيع الاستثمار وخلق البيئة المناسبة والامنة له وتحقيق تنمية اقتصادية وزراعية وسياحية وبما يسهم بالنتيجة في تحقيق الهدف الاساس في تنويع مصادر الايراد للدولة وتخفيف العبء الكبير الذي يتحمله القطاع النفطي ويشكل دائما عامال ضاغطا عليه تحد من قدرته في تلبية متطلبات النهوض به وفي رسم سياسته المستقبلية المستقلة.
نجاح.. وكوبونات
منذ تأسيس مديرية تسويق النفط (SOMO )عام 1972 فإن عمليات تسويق النفط العراقي اعتبرت على مر الزمان من انجح ما قامت به الحكومة العراقية حيث عملت بمهنية ومصداقية ودقة في الالتزام والشفافية في المؤسسة جهودا العمل وقدمت هذه وخدمات ممتازة لرفد الاقتصاد العراقي بمردودات مالية كبيرة جدا، وينبغي اعادة النظر في اساليب ووسائل عملها وتطوير نشاطاتها لمواكبة التقدم الهائل الذي حدث في قطاع النفط العالمي وارتباطه بالاسواق المالية وضرورة متابعة هذه التطورات وتأثيرها على عمليات تسويق النفط العراقي.
لقد حققت وبامتياز عمليات تسويق النفط العراقي نجاحا في كسر الحصار بعد التأميم عام 1972 وتسويق النفط بالرغم من حصار الشركات النفطية الكبرى، وتبعها بعد ذلك النجاح في تسويق النفط بأكمله عام 1979 عندما وصل الانتاج إلى اعلى مستوياته وتراكم ما يزيد عن 40 مليار دولار في البنك المركزي العراقي كاحتياطي نقدي، كما ساهم تسويق النفط بين الاعوام 1986 – 1990 بتسديد ديون العراق وتنفيذ مشاريعه.
وفي الفترة من عام 1996 وحتى عام 2003 استخدم النفط من قبل الحكومة كوسيلة لتكوين لوبي لمحاولة للحصول على تأييد سياسي ضد الحصار والمقاطعة الاقتصادية المفروضة عليه الا ان هذه الوسيلة قد شوهت عقود النفط الموقعة في تلك الفترة حيث سميت بـ (الكوبونات) بالرغم من ان ما حصلت عليه الحكومة العراقية خارج قرارات الامم المتحدة الجائرة مبالغ زهيدة التي تتجاوز 220 مليون دولار خلال السنوات الخمس، بينما دفع مبلغ يزيد على 30 مليون دولار إلى اللجنة التي شكلتها الامم المتحدة وسميت بلجنة فولكر بعد عام 2003 لتدقيق تلك العقــود وتم مقاضاة بعض المشترين امام المحاكم.
وفي مجال المنتجات النفطية كان العراق يستورد كميات كبيرة من منتجاته النفطية، بيد انه وبعد تدشين مصفى بيجي وتشغيله عام 1982 بدء العراق بإنتاج كميات كبيرة من المنتجات النفطية وتمكن من تصدير كميات من بعض المنتجات النفطية الفائضة عن الحاجة حتى دخول العراق في حرب الخليج عام 1990.
تراجع أسعار النفط
لقد مر التسويق في فترة صعبة بعد عام 2003 ولسنوات عديد حيث فقد الكثير من كوادره من الرعيل الاول بين التقاعد والهجرة وغيرها من الاسباب ولم يكن هناك برامج لتأهيل جيل جديد ليحل محل الجيل القديم، الا ان حالة السوق النفطية والنشاط الاقتصادي العالمي ساعد شركة التسويق من بيع النفط الخام المهيأ للتصدير واستعادة أسواقه القديمة والدخول في أسواق جديدة.
برغم التطور الذي تشهده الصناعة النفطية وتصاعد وتائر الانتاج الا ان هذا الاهتمام لم يرافقه الاهتمام اللازم لوضع خطة تسويقية طويلة الامد تنسجم مع الهدف الذي ينشده العراق في تصدير الـ 6 مليون برميل يوميا وما يتطلبه ذلك من صيانة وتطوير وبناء خطوط الانابيب وطاقات الخزن ومرافق التصدير وتحقيق المرونة التصديرية اللازمة عبر تعدد موانئ التصدير وفتح أسواق جديدة او الدخول في مجال تجارة النفط الخام العالمية ووضع الخطط لبناء مصفى كبير للتصدير او بناء مصافي مشتركة في الدول المستهلكة للنفط او الدخول في اتفاقيات طويلة الامد مع حكومات بعض الدول او بناء طاقة إنتاجية احتياطية الستعمالها في حالات الطوارئ في أسواق النفط العالمية والتوسع في نشاطات تسويق النفط او معرفة الاسواق المالية والسوق الورقي، ولازلنا نعتمد على المؤسسات العالمية (كأوبك) ومنظمة الطاقة الدولية كروافد اساسية للمعلومات ومعرفة حالة سوق النفط العالمي ومازالت عملية بيع النفط الخام على حالتها منذ بداية هذا القرن، يضاف لذلك
ان وضع العراق في منظمة الاقطار المصدرة للنفط بقى هامشيا منذ عام 1990 بالرغم من كونه يمتلك خامس اكبر احتياطي عالمي وثاني مصدر للنفط في أوبك.
منذ منتصف عام 2014 حين بدأت أسعار النفط في الهبوط الفجائي إلى مستويات متدنية مقاربة بأسعار النفط في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي ودخول العراق في حرب ضروس مع الارهاب وانغماسه في مناكفات سياسية وامنية واقتصادية داخلية اضفت بظاللها السلبية الحادة على القطاع النفطي واصابته بالشللية وبالتالي فإن قطاع النفط في العراق ظل ومنذ عام 1980 وحتى الان يعاني من توالي الازمات عليه وبقي يحبو ويسير بوتائر بطيئة للنهوض من كبوته، عدا ما تحقق في مجال تصاعد إنتاج النفط الخام في ضوء عقود جولات التراخيص.
لقد ارتكب العراق خطأ جسيما حين وضع ستراتيجيته الاقتصادية بعيدة المدى على اساس زيادة معدلات تصدير النفط بمسارات سريعة وان أسعار النفط ستكون اعلى من 100 دولار للبرميل من دون الاخذ بنظر الاعتبار المسارات السعرية التاريخية والهزات المتكررة في السوق النفطي لعدة اسباب ولهذا دخل العراق منذ منتصف عام 2014 في ازمة اقتصادية من الصعب ايجاد حلول لها في الوقت القريب.
سياسة التسويق المقبلة
من المفروض ان تتجه سياسة تسويق النفط بالتعاون مع المؤسسات والدول الاخرى إلى تنويع الاقتصاديات النفطية نحو التعاون في مجال تصنيع المنتجات النفطية والبتروكيمياوية والخدمات الاكثر تطورا خاصة وان السوق المالي العراقي يعتبر متخلفا ونسبة البطالة عالية جدا مقارنة مع الدول الاخرى وما زال النفط يمثل الركن الارتكازي في النشاط الاقتصادي العراقي وتمثل ايراداته 90 %من مصادر الحصول على العملة الاجنبية. ومع الاسف الشديد فإن الاقتصاد الريعي للعراق ما زال سائدا منذ التسعينيات من القرن الماضي
وحتى الان، كما ان سعر صرف الدينار العراقي ما زال مرتبطا بصورة رئيسة بالدولار وبالتالي مرتبطا بصورة مباشرة بالعائدات النفطية التي يحصل عليها العراق شهريا وعلى سعر النفط عالميا. لقد وجد اقتصاديا بأن الدول التي تعتمد على مصدر واحد للايرادات يكون نموها نوعا ما بطيئا.
ان ايرادات النفط الكبيرة التي تحققت للعراق خالل السنوات الاخيرة لم توظف لبناء اقتصاد متنوع بل هدرت كافة الموارد بين فساد اداري ومالي وتخلف في بناء مشاريع إنتاجية صناعية او زراعية هامشية، وبقى اساسا على سعر النفط الخام وان التحجج بالحالة الامنية والمناكفات السياسية لم تكن سببا رئيسا في تخلف الاقتصاد في دولة تبلغ ميزانيتها التشغيلية اكثر من 70 % والتي تمثل ميزانيتها الرأسمالية اي مؤشرات لنمو الاقتصاد وتطوير التعليم والصحة في المجتمع والذي يمكن مقارنته التطور والانتعاش الاقتصادي بالدول الغربية او حتى بعض دول الخليج او حتى دول جنوب امريكا، يضاف إلى ذلك هبوط أسعار النفط بدرجة كبيرة في منتصف عام 2014 حيث بدأ العراق يعاني من ازمة مالية حادة وبالرغم من تصاعد عمليات إنتاج النفط الخام وتصديره. ومن المتوقع عدم عودة الاسعار لما كانت عليه قبل تلك الفترة وفي أفضل الاحوال ربما ستكون في السنوات القادمة تتراوح بين 60 – 50 دولار للبرميل.
ومن هنا ينبغي التركيز على الفترة المقبلة التي ستتميز بما يلي:
1 .المنافسة الشديدة التي ستواجه ايجاد أسواق للنفط الخام العراقي مع بقية دول أوبك الكبرى المصدرة للنفط والدول خارج أوبك.
2 .تذبذب أسعار النفط الخام.
3 .تباطؤ النشاط الاقتصادي في الدول الكبرى المستهلكة للنفط.
4 .الطاقة البديلة والمتجددة وإنتاج النفط والغاز بطرق واساليب غير اعتيادية.
5 .تقدم التكنولوجيا وانخفاض كلف الاستثمار.
وبالتالي فإن على العراق ان يلجأ إلى طرق جديدة لتسويق نفطه ودراسة اساليب الاستثمار واستعمال الأسواق المالية للمساعدة في تنشيط مجالات تسويق النفط العراقي وهذا ما سيتم بحثه في هذه الدراسة.
ان أولى اسس نجاح تسويق النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية هو المرونة وتعدد منافذ التصدير بحيث يكون لدى العراق القدرة في المناورة والقدرة على التغلب على اية صعوبة قد يواجهها وكذلك متابعة حركة السوق والاسعار فهناك نقاط اختناق كثيرة في تسويق النفط الخام العراقي لها تأثيرها كاحتمالات غلق مضيق هرمز في حالة حدوث حرب او حصول حوادث طارئه او غيرها.
ان عدم وجود منافذ تصديرية بديله حاليا سوى من خالل تطوير الخط العراقي التركي والذي هو ايضا اصبح يعاني من الكثير من المشاكل والخالفات او من خالل ايجاد حلول للبنى التحتية لألنابيب وحل مشكلة الخط العراقي السعودي قانونيا، ومحاولة ايجاد أسواق طويلة الامد في الدول الكبرى المستهلكة للنفط وانهاء مشاريع خطوط الانابيب الرئيسة داخل العراق، وخط انابيب التصدير من خالل الاردن وبناء ميناء جديد في العقبة والاتفاق على اسلوب التعاقد مع المملكة الاردنية حيث كان العراق يزود الاردن بالنفط الخام 50 % مجانا والباقي بأسعار مخفضة خالل الثمانينيات والتسعينيات في القرن الماضي وبأسعار مخفضة بالشاحنات بعد عام 2003 وحتى توقفها خالل منتصف عام 2014 بسبب الظروف الامنية في مسار الشاحنات الحوضية في غرب العراق، كذلك ايجاد الحلول المناسبة لحل الاشكالات بين الحكومة المركزية والاقليم والمحافظات بنظرة متوازنة بعيدة عن الافق الطائفي والعنصري في مناطق العراق المختلفة وتأثيرها على النشاط النفطي.
*خبير نفطي عراقي/ موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين