التداعيات على الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
2 – 2
تسبب تصويت البريطانيين في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في اكبر أزمة يشهدها الاتحاد في تاريخه القريب. وعلى الرغم من عدم وضوح التفصيلات بشأن مفاوضات الخروج ونتائجه الفعلية، ستحتل قضية مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي رأس جدول الاعمال في بروكسل ولندن، وكذلك لدى مواطني الاتحاد الأوروبي. وجاء هذا في وقت يصارع فيه الاتحاد بالفعل في جبهات عديدة، ربما تكون من بينها الازمة الاقتصادية في دوله الجنوبية. وصعود الأحزاب الشعبوية في العديد من الدول الأوروبية، وارتفاع عدد اللاجئين والمهاجرين من سوريا والمناطق التي مزقتها الحروب، والتطورات غير المستقرة في دول الجوار الأوروبي الشرقية والجنوبية ويضاف الى هذا كله سيطرة الاصوات المناوئة للاتحاد الأوروبي الان على خطابات الجماهير في العديد من وسائل الاعلام والمدونات على الانترنت. ويحلل هذا المقال الصعوبات الحالية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي ويبحث الى أي مدى سيشكل خروج بريطانيا-الذي يعد أوضح تجليات المزاج المعادي للبناء الأوروبي-مستقبل الاتحاد وبعد الفرضيات التي ذهبت الى ان اكبر مشكلات الاتحاد الأوروبي تكمن في سياسات حكوماته الوطنية (وليس في بروكسل نفسها)، ستكون القضية محل البحث هي ما اذا كانت الازمة الحالية ستؤدي-حقيقة-الى تقليص التعاون في اوروبا مستقبلا، او كما حدث بالفعل في اوقات سابقة اعادة تشكيل البناء الأوروبي. وأخيراً يحدد المقال الخطوط العريضة لبعض التداعيات المحتملة لبلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

د.جان كلوديوس فولكيل

يتعين على اعضاء المجلس الموافقة على اتفاق الخروج بأغلبية 72% من مجموع الدول الاعضاء (أي 20 دولة) يمثلون ما لا يقل عن 65 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي وهذا يعني انه على الدول الكبيرة والصغيرة الموافقة والا فلن يمكن الايفاء بالشرط الأول او الثاني من شروط الخروج وهذا يلقي بدوره ضغوطاً هائلة على حكومة المملكة المتحدة نظراً لأن بريطانيا ترغب في الغاء حرية حركة مواطني الاتحاد الأوروبي الى المملكة المتحدة لاسيما بولندا التي يعمل كثير من مواطنيها في المملكة واجمالاً يعمل نحو 2.1 مليون مواطن اوروبي في بريطانيا في الوقت الحاضر ونحو 900 الف يعيشون من دون عمل (غالبيتهم من الطلاب).
ويعيش غالبية هؤلاء المواطنين الأوروبيين في المملكة المتحدة منذ اكثر من خمس سنوات وستطال اثار الخروج كذلك 1.2 مليون مواطن بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي الاخرى وتحتاج الاتفاقية كذلك بمجرد التصديق عليها من قبل الحكومة البريطانية والمجلس الأوروبي موافقة البرلمان الأوروبي.
وفي حالة عدم التواصل الى اتفاق خلال العامين ستغادر المملكة المتحدة الاتحاد دون اطار محدد للتعاون ينظم العلاقة بين الاتحاد والمملكة وما سيكون بالتأكيد اكثر السيناريوهات خطورة بالنسبة للجانبين.
لذلك لابد ان يكون لدى الطرفين المصلحة للتوصل من خلال المفاوضات الى تسوية بناءة لكن بريطانيا-على وجه الخصوص-لايمكنها تقديم طلباتها دون اخذ مصالح بقية الدول الاعضاء في الاتحاد في الحسبان نظراً لانها في حاجة الى موافقتهم لاتمام عملية الخروج وتمتلك المملكة المتحدة اضافة الى ذلك امكانية الانسحاب من المفاوضات في اي وقت دون اطار زمني وايقاف مفاوضات الخروج وهو ماقد يحدث في حالة تغيير في الحكومة او اجراء استفتاء جديد واذا كانت النتائج المتوقعة من المفاوضات غير مرضية على نحو كاف.
ان اللحظة التي تغادر فيها بريطانيا الاتحاد الأوروبي لاتعني نهاية المفاوضات فربما كان هذا الوقت للبدء في تطويل مراحل الخروج مثل مباحثات العلاقة الجديدة بين الجانبين وهنا تبرز عدة صور من صور التعاون التي يجب وضعها في الحسبان مثل اتحاد الجمارك مع تركيا او اتفاقيات التعاون مع سويسرا والنرويج وإيسلندا والاتفاقية الشاملة للتجارة والاقتصاد مع كندا او التوصل لاتفاق جديد تماماً وسيستغرق هذا سنوات للتفاوض وربما سنوات اخرى للتصديق على ماتم التوصل اليه وفي حالة عدم التوصل الى اتفاق ستستمر العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفقاً لقوانين منظمة التجارة العملية.
وطبقاً لحسابات خبراء الاقتصاد سيؤدي ذلك الى خسائر سنوية تقدر بنحو 5200 جنيه استرليني لكل أسرة في المملكة المتحدة.
ومهما تكن النتيجة النهائية والعواقب الاقتصادية لذلك فإن المملكة المتحدة ستفقد بالتأكيد تأثيرها داخل الاتحاد الأوروبي وسيكون عليها ان تقبل قراراته من دون مناقشة وستفقد ايضاً تأثيرها على المستوى العالمي لان جزءاً كبيراً من اهميتها لا يأتي فقط من ماضيها المجيد ولكن أيضا من عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

الأثار الأوسع نطاقاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي:
لعل الشيء المثير للسخرية ان واحدة من المصالح الأساسية لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وهي الدخول في السوق الأوروبية المشتركة تحولت الى واحدة من الدوافع الرئيسة وراء الحملة المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد فحرية حركة الناس واحدة من الركائز الاربع الاساسية للسوق المشتركة للاتحاد الأوروبي والتي تتألف من حرية السلع ورؤس الاموال والخدمات والاشخاص وبصفة عامة كان لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي اثار ايجابية كبيرة على الاقتصاد البريطاني اذا كانت بريطانيا قد حققت أبطأ معدل نمو بين مجموعة الدول الصناعية السبع الغنية قبل الانضمام الى الاتحاد الأوروبي واسرع معدل نمو منذ الانضمام.
وكعضو كامل العضوية كانت بريطانيا قادرة على الوصول الى صناديق الدعم الهامة التابعة للاتحاد الأوروبي مثل الصناديق المخصصة للتعليم والبحوث والزراعة والتنمية الاقليمية وتواجه هذه المحفزات خطراً شديداً الان مالم تسفر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد عن نتيجة غير محتملة وهي بقاء المملكة المتحدة كعضو كامل العضوية في السوق المشتركة للاتحاد الأوروبي.
وهناك بعض الاثار السلبية الواضحة بالفعل على الاقتصاد البريطاني وقد تنبأت دراسة اجراها مؤسسة برتلسمان الالمانية (عام 2015) بان الاقتصاد البريطاني سيتكبد خسائر بقيمة 300 مليار يورو جراء الخروج من الاتحاد الأوروبي كما توقعت كلية لندن للاقتصاد قبل الاستفتاء خسائر مماثلة للانخفاض الذي حدث في الناتج المحلي الاجمالي في المملكة المتحدة خلال الازمة المالية العالمية عام 2008.
ولاتعتزم 25% من الشركات البريطانية تعيين موظفين جدد في الوقت الحاضر كما تدرس 5% من الشركات الغاء بعض الوظائف وقد بدأت الشركات الدولية في نقل اماكن عملها ومقارها من المملكة المتحدة الى دول الاتحاد الأوروبي او في الاقل تدرس هذا الامر بنحو جدي وبالمثل قد يرغب العديد من الاجانب في الاتحاد الأوروبي في مغادرة بريطانية علاوة على ان العمال البريطانيين ولاسيما ذو الكفاءات العالية مثل خبراء الكومبيوتر والمهندسين بدأوا في البحث عن فرص عمل خارج المملكة.
واذا كان هذا سيؤدي الى وضع ضغوط على اسواق العمل في البلدان الـ 27 الاعضاء في الاتحاد الأوروبي فانه يشكل ايضاً فرصة كبيرة لاقتصاد تلك الدول للمضي قدماً في التحديث والتطوير وبالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة فان الخسارة المتوقعة للعمال قد تؤدي الى ارتفاع تكاليف العمالة في حين يتوقع ان تنخفض الارباح.
وسف يؤدي الخروج في الاتحاد ايضاً الى وضع حاجز امام القطاع المالي الذي يساهم بنحو 8% من النتاج المحلي الاجمالي لبريطانيا ويعادل 11.5% من الميزانية العامة للملكة المتحدة.
واذا انتهى الامر بدخول قطاعات فقط من بريطانيا وليس الوصول بنحو كامل الى سوق الاتحاد الأوروبي فان القطاع المالي سيبقى على الارجح مستبعداً ولذا فان البنوك البريطانية ستبقى في القيام باعمال تجارية داخل الاتحاد الأوروبي وهذا هو الحال بالفعل بالنسبة لسويسرا وايضاً هناك من سبب لافتراض ان المملكة المتحدة سوف تجد صفقة افضل بطريقة او بأخرى.
وهناك ايضاً بعض التداعيات السياسية الخطيرة والتي تتجاوز حقيقية ان ديفيد كاميرون تنحى عن منصبه كرئيس للوزراء بسبب نتيجة هذا الاستفتاء. فقد اتسمت حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالاكاذيب والتضليل المعتمد، ولاسيما من جانب المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد ويقول البيان الشائن لمايكل جوف، أحد قادة حملة خروج بريطانيا من الاتحاد: «اعتقد ان الشعب البريطاني لديه مايكفي من الخبراء»، وهي عبارة عن تركز على العواطف، وليس الحقائق ربما تمثل هذه «السلاله الشريرة المناهضة للفكر» بداية لسياسة مابعد الحداثة، حيث تخضع الكفاءة إلى «جبروت الاكاذيب» لقد تم تنحية الحقائق التجريبية جانباً والاسوأ من ذلك انه قد حدث اثارة للمخاوف بنحو مسيء كما تعرضت الاقليات للسخرية. وعلى سبيل المثال صور الملصق الدعائي لخروج بريطانيا من الاتحاد والذي يحمل اسم نقطة فاصلة عدداً هائلاً من اللاجئين بنفس طريقة الدعاية التي كان يستخدمها النازيون مشيراً الى ان بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يعني ان بريطانيا ستغرق قريباً بحشود غوغائية من المهاجرين من غير ذوي البشرة البيضاء (شابيرو 2016) ونتيجة ذلك كانت الهجمات المعادية للاجانب في ارتفاع بنحو واضح منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد.
ويعني التصاعد في السياسة القائمة على العاطفة وضع حد للعقلانية ويبدو ان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اكد على الاتجاه الذي نلاحظه من عدة سنوات والذي يوجد الان في بلدان اخرى ليس فقط في اوروبا ولكن في جميع انحاء العالم بظهور قيادات شعبية مثل- رودريجو دوتيرتي في الفلبين ورجب طيب اوردغان في تركيا ودونالد ترامب في الولايات المتحدة وهي الامثلة الاخيرة والاكثر اثارة للانتباه ولايستمع انصار هؤلاء الاكثرية دراية وعلماً لكنهم يستمعون لأولئك الذين يصرخون بصوت اعلى وتعد هذه الخسارة النوعية للسياسة بكل تأكيد سبباً آخر للقلق من نجاح الحركات الشعبية في جميع انحاء العالم.
واثارت الموجة الشعبوية المحيطة بحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كراهية ضد الاجانب وعنصرية بنحو عام لم يسبق له مثيل في المملكة المتحدة وفي حين يتعرض العديد من الاجانب لاهانات لفظية واعتداءات جسدية الان فقد كان الشيء الاسواء بالتأكيد هو اغتيال النائبة المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي جو كوكس في بريستال غرب يوركشاير يوم 16 يونيو 2016 قبل اسبوع من الاستفتاء ورغم ان هذا قد اضفى بعض «الكياسة» على المناقشات العامة بشأن بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فان هذا الامر لم يدم طويلاً.
ولايوجد ادنى شك في ان الاتهامات الشديدة خلال الحملة قد سممت المناخ الاجتماعي في المملكة المتحدة وكما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية الاخرى ومنذ فوز ترامب ايضاً في الولايات زادت الاعمال العنصرية من حيث عدد الحالات وشدتها قبل صدور قرار خروج بريطانيا من الاتحاد ويبدون من غير المحتمل ان هذه الاتجاهات السلبية يمكن ان تتوقف بطريقة ما في المستقبل القريب (اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب 2016).
وجهت بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي ضربة قوية الى الاتحاد الأوروبي برمته قد تكون للافضل او للاسوأ وعلى الرغم من شكوكها المستمرة كانت المملكة المتحدة احدى الجهات الفاعلة والمحورية ضمن اطار الاتحاد الأوروبي وساهمت بنحو فعال في اتخاذ القرارات الداخلية للاتحاد وشغل الدبلوماسيون والخبراء البريطانيون الذين مارسو تأثيراً كبيراً على الاتحاد الأوروبي ايضاً العديد من المناصب المركزية في مفوضية الاتحاد الأوروبي وامانة المجلس وخدمة العمل الخارجي الأوروبي.
سيكون هذا جزءاً من الماضي بمجرد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ولذلك فان بريطانيا لن تفقد نفوذها السياسي مزيد من التطوير والتنمية للاتحاد الأوروبي فحسب لكن الاتحاد الأوروبي ايضاً سوف يفقد احد اكبر ثلاث دول من اعضائه واقوى قواته العسكرية والنووية وعضواً في مجلس الامن علاوة على خبرة وكفاءة الدبلوماسيين والخبراء البريطانيين الذين كانوا يشغلون مراكز مؤثرة داخل الاقتصاد.
ورغم ان هذه الانباء ليست بالتأكيد ايجابية بالنسبة للاتحاد الأوروبي يصبح السؤال المناسب الان هو: كيف سيكون تعامل الاعضاء الاخرين في الاتحاد الأوروبي مع خروج المملكة المتحدة ؟ قد يلجؤون لمدخلات جديدة في عملية التكامل والاندماج في اوروبا مع ربط الدول بعضها بعضاً بصورة اقرب بهدف ان يكون الاتحاد الأوروبي اكثر ترابطاً وفعالية وبالتالي كما سبق في كثير من الاحيان من قبل قد ينمو الاتحاد الأوروبي بصورة اقوى في اوقات الازمات.
ومع هذا ومع الوضع في الاعتبار الموجة الحالية من شعبية الجناح اليمني في العديد من الدول الاعضاء في الاتحاد بيدو من غير المحتمل ان تسعى الدول الاعضاء الـ 27 المتبقية من اجل تحقيق مزيد من التكامل فيما بينها فهناك العديد من الدول الاعضاء من بينها جمهورية التشيك والدنمارك والمجر وبولندا وسلوفاكيا والسويد تمر بحالة من التردد ان لم تكن رافضة لفكرة تحقيق مزيد من التوسع من الاتحاد الأوروبي وسيكون من شأن نجاح الخروج البريطاني من الاتحاد ان يتطلب تجديد توقيعاتها المتعلقة بشأن لشبونة نتيجة لذلك التغير المهم في نص الاتفاقية (أي وجود 27، دولاً بدلاً من 28 دولة داخل الاتحاد والغاء البنود المتعلقة بالمملكة المتحدة) وسوف يفسح ذلك المجال امام مطالب جديدة من الدول الاعضاء الباقية والتي تتحمل مخاطر مفادها ان الاتحاد الأوروبي سيبدأ في صراع يتعلق بهياكله الداخلية الاساسية مرة اخرى لفترة غير محددة.
وحتى الان تنتمي فرنسا وبالاخص المانيا الى تلك الدول التي حاولت ان تدفع فكرة التعاون الأوروبي الى الامام ومع ذلك قد يتحول ذلك الى صورة اكثر سلبية اذا تمكن حزب الجبهة الوطنية في فرنسا وحزب البديل من اجل المانيا في المانيا وهما حزبان يمينيان من تحقيق نتائج قوية في انتخابات 2017 وتشير مخاوف اخرى الى هولندا والدعم الشعبي المتوقع السياسي خيرت فليدرز زعم حزب الحرية اليميني في انتخابات مارس 2017 البرلمانية.
أثار الخروج على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هناك شيئان سوف يثيران قلقاً خاصاً الاول ان الاقتصاد البريطاني وكذلك اقتصاد الاتحاد الأوروبي بأكمله سوف يعاني من فترات عدم اليقين ومن بعض الاضطرابات المتوقعة.
وربما تبدو فرص الاستثمار في اوروبا وفي بريطانيا على وجه الخصوص اقل جذباً وقد أثار التراجع الحالي في قيمة الجنيه الاسترليني بالفعل موجة من الخسائر بالنسبة للمستثمرين الدوليين ومن شأن ذلك ان يجعل الاصول والمنتجات الواردة من المملكة المتحدة اقل ثمناً وهو ماقد يؤدي ايضاً الى زيادة الانشطة الاقتصادية لكن على اية حال تأتي مثل هذه الاضطرابات الاقتصادية في وقت تتراجع فيه عائدات النفط والغاز وهو ما اثر بالفعل على الانشطة المالية العالمية وكذلك الانشطة القادمة من دول الخليج.
وهنا ستحاول المملكة المتحدة على الارجح ان تبرم ان تبرم اتفاقات تجارية تفضيلية مع دول مجلس التعاون الخليجي من اجل تنشيط العلاقات التجارية المشتركة وعلى الرغم من ان المملكة المتحدة تساهم بنحو 2.7 فقط في حجم الانشطة التجارية الكلية لدول مجلس التعاون الخليجي فأن اثار ذلك ستكون ذات اهمية اقل بالنسبة لتلك الدول الخليجية فبينما ليس للاتحاد الأوروبي اتفاقات تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي هناك اتفاقات من هذا النوع بالفعل مع العديد من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا حول حوض البحر المتوسط (في صورة اتفاقات شراكة) وهنا يستوجب على المملكة المتحدة اعادة التفاوض حول فرض دوخلها لاسواق شمال افريقيا في حال فقدت انضمامها للسوق الأوروبية المشتركة (داش 2016).
والثاني هو ان الاتحاد الأوروبي سيكون مشغولاًَ بالحد من الاتجاهات الشعبية التي اثارت قرار الخروج البريطاني وابقائها في اقل درجاتها قدر المستطاع لتجنب ظهور مزيد من النزعات الداعية لتفكيك الاتحاد وسوف يؤدي على الارجح الى تركيز قوة على فمرة تخفيض اعداد المهاجرين الى دول الاتحاد الأوروبي.
وتعطى خطة العمل الخاصة بقمة فاليتا التي تم الاتفاق عليها في نوفمبر 2015 مع العديد من الحكومات الافريقية مؤشراً ايضاً لما تتوقعه حكومات شمال افريقيا من الاتحاد الأوروبي وهو: زيادة مخصصات الدعم المالي (لتلك الحكومات) مقابل اتخاذها اجراءات افضل للتحكم في حدودها.
وتتعرض تلك الاستراتيجية لمناقشات حادة فيما يتعلق بالاساس الذي بنيت عليه والمثير للشكوك (دعم انظمة مستبدة من اجل ابعاد اللاجئين والمهاجرين عن اوروبا وترك المهاجرين غير النظاميين في يد أنظمة لا تتمتع بسجلات مناسبة في حقوق الانسان) اضافة الى الفعالية النهائية لهذه الخطة (فهل يمكن بالفعل منع المهاجرين من الخروج او هل ستؤدي الاتفاقيات مع الحكومات الافريقية الى تحويل مسارات اللاجئين الى طريق اكثر طولاً واغلى ثمناً واكثر خطورة باتجاه اوروبا لمنعهم).
ان النتائج المشكوك فيها لمثل هذا التعاون ليست في صالح المهاجرين كما هو واضح ولكنها تنبع من الرغبة اليائسة في ابقاء الشعبية المتزايدة للهجرة في اقل مستوى لها في تلك البلاد ويصب ذلك في صالح حكومات العالم النامي التي لن تتلقى مبالغ كبيرة وحسب وانما ستصبح ايضاَ في موقف مريح من «ابتزاز اوروبا في المستقبل: اذا اردتم بقاء حدودنا مغلقة فعليكم بدفع المزيد» (فولكيل 2016) كما ان التهديدات المتواصلة من الرئيس التركي اردوغان بالغاء الاتفاقية المتعلقة بالهجرة مع الاتحاد الأوروبي تعطى بالفعل نموذجاً جيداً لذلك.

خاتمة:
كانت بريطانيا- وماتزال- تتمتع دائماً بنظرة اكثر براجماتية فيما يتعلق بعضويتها في الاتحاد الأوروبي وكانت فكرة تحقيق مصالح ملموسة تقع دائماً في محور اهتمامها فاذا كانت لاتبدو هذه العضوية ذات فائدة بما يكفي كانت النتيجة المنطقية هي الخروج من الاتحاد ويمثل هذا المبدأ تناقضاً صارخاً مع كل من فرنسا والمانيا ودول اخرى والتي تشكل عضوية الاتحاد ونجاحه بالنسبة لها مكوناً رئيسياً وقوياً وفقاً لمبدا السلام والتعاون فيما بعد الحروب الأوروبية.
وقد تؤدي مغادرة الاتحاد الأوروبي او حتى انهياره بالكامل الى اثارة مخاوف من ان القارة ربما تنجرف نحو اوقات اكثر انفلاتاً وهذا بدوره يعني ان رأي بريطانيا بشأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي قد يتغير مرة اخرى اذا كانت نتائج مفاوضات الخروج من الاتحاد لن تلبى ماكان يتطلع اليه ما يؤيد من الاتحاد من فوائد من هذا المنظور يمكننا ان نتوقع موقفاً صارماً من جانب الاتحاد الأوروبي في المفاوضات المقبلة بقيادة مايكل بارنير وزير الخارجية الفرنسية السابق والمفاوض الرئيسي للاتحاد الأوروبي في مباحثات خروج بريطانيا من الاتحاد ديفيد دافيس وزير الدولة البريطاني المكلف بشؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي ولايمكننا استبعاد فكرة ان اثارت الحكومة البريطانية المادة 50 فأن المفاوضات سوف تستغرق اكثر من عامين وبمجرد ان تصبح كل العواقب والنتائج واضحة تماماً ربما يكون هناك استفتاء اخر يجري في بريطانيا والذي حينها قد يقلب الوضع ويلغي الاستفتاء السابق.
وليس هذا امراً خيالياً تماماً فقد حدث مثل هذا الامر من قبل في ايرلندا عند التصويت على اتفاقية لشبونة- في استفتاءين (عقداً في 2008،و 2009) وفي الدنمارك عند التوقيع على اتفاقية ماستريخت ايضاً- في استفتاءين (عام 1992، و 1993).
وليس معنى هذا ان نقول ان الخروج البريطاني من الاتحاد الاوروبي مسألة غير واقعية تماماً لكن لايزال من المبكر ان نفترض ان ذلك سيحدث بالفعل ومع ذلك ستظل قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تسيطر على المناقشات الداخلية على كل المستويات في المفوضية الأوروبية ومجلس الوزراء الأوروبي والبرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي ومئات الاشخاص في اللجان والفرق العاملة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومن بينهم مبعوثو الاتحاد الأوروبي في جميع انحاء العالم.
يأتي ذلك في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي مشكلات اخرى يجب عليه التعامل معها بداية من الازمة الاقتصادية الحالية وخاصة مع الدول الواقعة جنوب الاتحاد الأوروبي وصعود الاتجاهات والاحزاب اليمينية في العديد من الدول الاعضاء في الاتحاد والصراعات القائمة في اوكرانيا وسوريا ومنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وصولاً الى مشكلة كيفية التعامل مع الاعداد الكبيرة من المهاجرين الى دول الاتحاد ومن هذا المنظور تضيف قضية خروج بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي مزيداً من الضرر للاتحاد الاوروبي خلال السنوات المقبلة سواء اصبحت حقيقة واقعة ام لا.

* محاضر بالمعهد الألماني لخدمات التبادل الاكاديمي(داد).
وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
عن مجلة الديمقراطية المصرية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة