شبل الهاشمي
تناولنا سابقا في الجزء الاول من استراتيجيات داعش لما بعد الحرب و آليات عمله وإعداده لخطط ادارة العمليات الارهابية من الناحية العسكرية لمرحلة ما بعد انتهاء الحملة العالمية ضده حيث تحدثنا فيها عن استراتيجية الاظهار التدريجي التي اعتمدها التنظيم ابان احتلاله لمساحات كبيرة من العراق وسوريا ومن ثم انتقاله في مرحلة لاحقة الى استراتيجية الجبهات البديلة بعد زيادة الضغط العسكري على عناصره:
وهذا ما دفعه الى فتح عدد من الجبهات في صلاح الدين والانبار وكركوك بغية التخفيف عن تلك المناطق والتي يبدو انها لم تنجح في تشتيت الجهد العسكري او اندفاع القطعات الحربية في عمليات التحرير وهذا ما ادركه قادة التنظيم في الفترة الاخيرة مما دفعهم الى الاتجاه نحو تغيير الخطط الحربية الى استراتيجيات يعتقد انها قد تربك المشهد الامني في المحافظات التي سيطر عليها سابقا في محاولة منه لاستعادة المشهد الدموي مرة اخرى ولو في جزء بسيط من تلك المساحات.
لذلك ولتنفيذ هذه الخطط عمد قادة التنظيم الى تسريب بعض من قادته الميدانيين الى المناطق المحررة بغية المحافظة عليهم من جهة ومن جهة اخرى تهيئتهم الى المرحلة المقبلة في قيادة التنظيم ولكن ضمن خطط جديدة ومطورة .
ويبدو ان انشغال القوات الامنية بعمليات التحرير وافتقاد الاجهزة الاستخبارية الى الخبرات الكافية لوضع خطط استراتيجية تعمل على تحجيم خطط التنظيم ومحاولاته في ادامة زخم بقاءه واستمراريته قد ساهم في نجاح التنظيم في تلك الاستراتيجيات المطورة والتي سنتناولها في هذا الجزء .
استراتيجية (النصرة) في عمل الولايات
داب تنظيم داعش ومنذ تأسيسه الى جانب بقية فصائل التنظيمات الاسلاموية المتطرفة على تحديد المساحات الجغرافية لعمل عناصره و بأسلوب منظم بغية تنظيم العمل العسكري والامني ومنع عملية الاحتكاك في اثناء عمل المفارز العسكرية والامنية مع بعضها في أثناء تنفيذ العمليات الإرهابية في تلك المناطق .
سابقا ومنذ تولي ابو عمر البغدادي قيادة التنظيم وصولا الى عام 2014 لم يكن يسمح على سبيل المثال لعناصر تابعة لولاية الجنوب والتي تمتد حدودها كولاية لتلامس حدود ولاية بغداد بالعمل ضمن نطاق تلك الولاية الا بأمر من القيادة المركزية للتنظيم وبعد التنسيق المسبق مع القادة العسكريين لتلك الولاية وقد نجحت تلك الطريقة الى حد ما في ارباك المشهد الامني العراقي مما افقد القوات الامنية العراقية قدرة المبادرة والتحكم في مناطق واسعة امتدت الى تخوم العاصمة بغداد .
وعلى وفق الية العمل الجديدة والتي بدأت بوادرها بالظهور منذ مدة فان قادة التنظيم تلجأ الى دعم الولايات التي تشهد انتكاسة في عملها الامني والعسكري او شحة في العمليات الارهابية نتيجة للعمليات اللاستخبارية المضادة التي تستهدف قادة وعناصر تلك الولاية من خلال الاعتماد المباشر على الولايات المجاورة لها في تقديم الدعم اللوجستي وقد يتعدى ذلك الى تنفيذ عمليات بالانابة عن الولايات الخاملة للحفاظ على زخم العمليات الارهابية فيها لاسباب عدة اهمها :
• اعطاء رسالة ان العمل ما زال مستمرا وان جهود كل الاجهزة الامنية في تفكيك تلك الولاية قد باءت بالفشل .
• الايحاء لما تبقى من عناصره انه ما زال قويا وفاعلا .
ففي ولاية مثل “ولاية بغداد” و التي شهدت اكبر قدر ممكن من العمليات الاستخبارية المضادة نرى ان القيادة المركزية لداعش عمدت الى تسخير الجهد العسكري والامني لولايات ديالى والجنوب وشمال بغداد والانبار نصرةً لتلك الولاية ولتحقيق الاهداف التي سبق وان اشرنا اليها سابقا ولم يستقر الحال على وفق ما ذكرنا عند القيام ببعض التفجيرات الروتينية التي شهدتها العاصمة بغداد بل تعدى ذلك الى القيام بعمليات ارهابية كبرى اسهمت فيها اكثر من ولاية سواء بتقديم الدعم اللوجستي او المساهمة بنحو مباشر بالعجلات المفخخة او بالانتحاريين .
استراتيجية (الادارات البديلة)
يتفق اغلب خبراء مكافحة الارهاب ان تنظيم داعش شأنه شأن بقية التنظيمات التي تنتهج الفكر السلفي “الجهادي” هو تنظيم يعتمد على روتينية العمل العسكري مع الابقاء على هامش من المرونة للقادة الميدانيين في التصرف.
المقصود هنا بالروتينية في العمل هو الابقاء على النهج المتبع في ادارة المناطق المسيطر عليها فلابد ان يكون هناك ما يسمى بالولاية والتي يتراسها الوالي والذي يجب ان يكون ذو خبرة جهادية عالية وان يحظى بتأييد وتزكية مجلس الشورى اضافة الى تقسيم تلك الولاية الى قواطع و التي يتراسها ما يسمى بأمير القاطع و في كل ذلك لا بد من تواجد كل تلك الادارات ضمن الرقعة الجغرافية للمنطقة ولا يسمح بمغادرتها الا بموافقة القيادة العليا وهذا ما داب عليه التنظيم في ادارته لمناطق نفوذه حتى عام 2014 .
لكن بعد ارتفاع وتيرة استهداف التنظيم من قبل القوات الامنية العراقية و قوات التحالف الدولي وخسارة التنظيم لعدد كبير من قادته عمد الى اتباع استراتيجية جديدة حصل على صلاحية بموجبها قادة تلك الولايات ادارة ولاياتهم من اماكن اخرى سواء كان من الناحية العسكرية او الامنية او الادارية.
وكانت عملية ارهابية تبناها التنظيم في منطقة البياع ـ بغداد وتناولت وسائل الاعلام خبر استهداف القوات الجوية العراقية مقر تابع لتنظيم داعش في منطقة البو كمال السورية . العملية اتسمت بالتخطيط وتهيئة المستلزمات مما يشير الى ان التنظيم قد باشر فعلا و منذ فترة بتنفيذ الاستراتيجية اعلاه في ادارته لعملياته الارهابية في المناطق التي خسرها او التي تشهد كثافة في الاجراءات الامنية والتي يستحيل عليه ادارتها بصورة مباشرة .
وقد يتبادر الى الذهن لماذا قد يلجأ التنظيم الى تلك الاستراتيجية ؟
اقول هنا ان هذه المرحلة ما هي الا تحضير لمرحلة قادمة يعد لها التنظيم ضمن استراتيجية اكثر فاعلية يمكن ان نطلق عليهــــا تسمية استراتيجية ضرب الاجنحة للاقتطاع والتي تعتمد على المبادئ الأساسية التالية:
• العمل على استهداف الأطراف و التركيز عليها في تكثيف العمليات العسكرية والهجمات الارهابية لما تحتويه من نقاط ضعف (بشرية و اجتماعية و اقتصادية و أمنية) .
• ان إستنزاف الأطراف كمرحلة أولى في إطار تلك الاستراتيجية قد يلجأ التنظيم الى التصعيد إلى مستوى اقتطاع اجزاء من مناطق نائية يصعب الوصول اليها للسيطرة عليها و التمركز فيها و تحويلها إلى إمارة أو ولاية .
• ان اضعاف الأطراف سيؤثر حتما من الناحية الأمنية و السيكولوجية و العملياتية على المركز (العاصمة) اضافة الى التأثير المباشر على المنظومة الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية وقد سبق وان تبنى التنظيم هذه الاستراتيجية و طبقها في محافظات (الانبار نينوى ، ديالى و صلاح الدين) قبل عام 2014 ونجح في ذلك ثم طورها إلى مرحلة الاقتطاع الى ان سيطر بصورة كاملة على تلك المحافظات كما طبقها في مناطق عدة من سوريا .
وتشير الخطوط العريضة للاستراتيجية المذكورة عن إمكانية قيام التنظيم بتوظيف اربعة مناطق لتطبيقها هي :-
• مناطق جنوب تركيا: و خاصة المنطقة الحدودية مع العراق وسوريا لتوفر مقومات عدة يمكن لعناصر التنظيم الاستفادة منها وتسخيرها لادامة عمله (جبال ، غابات ، وديان ، سكان لديهم الاستعداد للتعاون مع تلك العناصر بسبب تدني الوعي و المستوى الثقافي) .
• الصحراء الغربية: أو ما دأب الباحثين في شؤون الجماعات المتطرفة في العراق على تسميتها “بصحراء الامارة “حيث تعتبر ساحة تموضع للسلاح والعناصر المقاتلة اضافة الى نوع التركيبة السكانية في تلك المناطق .
• منطقة تلال حمرين : والتي تعد من المناطق المناسبة جدا لاتخاذها مواضع للتجمع والتدريب وخزن الاسلحة بسبب وعورتها وكبر مساحتها اضافة الى امتدادها الجغرافي الذي يصل الى الحدود السورية .
هذه الورقة تختتم بحثها في الاستراتيجيات العسكرية المتوقعة لتنظيم داعش ان يتبعها في اطار تهيئته لمرحلة ما بعد الحرب.
* متخصص في مكافحة الارهاب والتنظيمات المتطرفة.