سونر چاغاپتاي و أويا أكتاس
في عصر الشعوبية، يتربع الرئيس رجب طيب أردوغان على عرش السلطة في تركيا. فبعد توليه هذه السلطة كرئيس وزراء تركيا في عام 2003، أصبح أردوغان رئيساً للجمهورية في عام 2014. وفي نيسان/إبريل، فاز باستفتاء ليصبح رئيساً يتمتع بصلاحيات تنفيذية، إذ يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
كما يشرح أحد كاتبيْ هذه المقالة في كتاب “السلطان الجديد” (The New Sultan)، أصبح أردوغان السياسي التركي الأكثر حصانة منذ أن أسّس أتاتورك الجمهورية التركية على صورته كدولة علمانية وغربية وأوروبية. فقد استخدم أتاتورك صلاحياته العسكرية القوية لإنجاز إصلاحات لإضفاء الطابع الأوروبي على تركيا. وكونه محرر تركيا ومُصلحها ومؤسسها في آن واحد، كان أتاتورك يتمتع بنفوذ حتمي على المواطنين الأتراك، وحتى على معارضيه مثل أردوغان، الذي جرت تهيئته كسياسي ضمن الحركة الإسلامية السياسية المناهضة للعلمانية في تركيا.
وبعد بقائه في السلطة لما يقرب من 15 عاماً، تمكن أردوغان من تعزيز سيطرته بما يكفي لمنافسة أتاتورك من حيث النفوذ. وكما استخدم أتاتورك موارد الدولة والتعليم والسياسة العامة لتشكيل تركيا على صورته العلمانية في عشرينات القرن الماضي، ينخرط أردوغان حالياً في الهندسة الاجتماعية التنازلية لتشكيل تركيا على صورة نقيضة، أي مجتمع إسلامي سياسياً ومحافظ اجتماعياً وشرق أوسطي من حيث الاتجاه.
تجدر الإشارة إلى أن بعض الإصلاحات المنجزة من قبل أتاتورك، مثل تحرير المرأة، كانت أساسية وتحوّلية، بينما كانت إصلاحات أخرى سطحية تهدف إلى إضفاء الطابع الأوروبي على الأتراك من الخارج. على سبيل المثال، إن “قانون القُبّعة” الذي تم إقراره في عام 1925، حظّر ارتداء الطربوش العثماني التقليدي وألزم جميع الرجال بارتداء قبعات ذات أسلوب أوروبي. من خلال رفض الطربوش العثماني، أراد أتاتورك الانفصال نهائياً عن ماضي تركيا العثماني والشرق أوسطي، موجهاً بذلك البلاد بشكل رمزي وسطحي نحو أوروبا.
وبين ليلة وضحاها، امتثلت النخب المحيطة بأتاتورك لذلك القانون، إذ أخذت ترتدي قبعات باناما والبولينغ. وسرعان ما قلّد شركاء أتاتورك المقربون أسلوبه الشخصي، وتحوّلت حكومته وفقاً لرؤيته.
ولكن في في المدن الصغيرة في المناطق النائية التركية، حيث لم تكن هناك متاجر قبعات، ارتدى المواطنون الخائفون قبعات من المعجون الورقي لتجنب اضطهادهم من قبل السلطات. وعلى الرغم من اعتماد الرجال الأتراك القبعات ذات الأسلوب الغربي في النهاية، إلّا أنّ عملية التحوّل كانت طويلة وشاقة. وقد عكست هذه الواقعة أوجه القصور في “نموذج أتاتورك” للهندسة الاجتماعية في تركيا.
وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمن، نرى أن أردوغان يحكم دولة شهدت تقدماً ملحوظاً يعود إلى حد كبير إلى إصلاحات أتاتورك. ففي عشرينات القرن الماضي كانت نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة 11 في المائة، بينما تبلغ حالياً 97 في المائة. وكدليل على التقدم الهائل الذي حققته تركيا لغاية اليوم، تولى أتاتورك زمام السلطة عبر الانتصارات العسكرية، بينما يدين أردوغان بمركزه للصلاحيات الديمقراطية التي يتمتع بها في حكمه.
ولكن بغض النظر عن هذا التقدم، لجأ أردوغان إلى “نموذج أتاتورك”، مستخدماً موارد الدولة لتشكيل تركيا على صورته، على الرغم من أنه لا يشاطر قيم أتاتورك، بطبيعة الحال. وفي خطوة من شأنها إبطال التقدم الذي أحرزه أتاتورك في مجال المساواة بين الجنسين، أعلن أردوغان أن “المساواة بين الرجل والمرأة مناهضة للطبيعة”. والأمر الأكثر إثارة للقلق، قامت مؤخراً وزارة التعليم في حكومة أردوغان بمراجعة المنهاج المدرسي لإلغاء التطور الذي شهدته تركيا وإدراج الجهاد. وفي حين لم يصدر أردوغان أي تشريعات مماثلة لـ “إصلاح القُبّعة”، يختبر المجتمع التركي تداعيات ثقل التوجه التركي المناهض لأتاتورك.
وبدءاً من انتخابات الرئاسة عام 2014، التي أصبح على أثرها أردوغان أول رئيس تركي منتخب من قبل الشعب، ارتدى اردوغان سترة زرقاء من الترتان للإدلاء بصوته في الانتخابات.
وقد جذبت سترته ما يكفي من الانتباه لاستلهام الهاشتاغ والعناوين التالية: “سترة الترتان التي يرتديها أردوغان انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وإذا بها تحقق النصر في الانتخابات!” وتكهن خبراء الأزياء ولغة الجسد أنه من خلال تفضيل أردوغان ارتداء سترة الترتان الزرقاء على الثياب الأكثر رسمية، فهو يعلن للجماهير، “أنا واحد منكم”.
ومع ذلك، تعكس هذه الخطوة المفترض أن ترمز إلى التواضع هيمنة أردوغان، إذ أن شركاءه المقربين في «حزب العدالة والتنمية» – من رؤساء الوزراء إلى أعضاء البرلمان – ارتدوا جميعهم بدلة مماثلة لبدلته، فتبنّوا بذلك أسلوب أردوغان تماماً كما تبنت حكومة أتاتورك أسلوب هذا الأخير. كما أن أحد المواقع الإلكترونية الساخرة الرائدة في تركيا قد نشر حتى قائمة لمرشحين محتملين لرئاسة الوزراء، يتقاسمون جميعاً سمة مشتركة، ألا وهي ارتداء سترة الترتان الزرقاء.
عندما تولى أردوغان رئاسة الوزراء في عام 2003، كان المنافس الشعبي لدولة تم تأسيسها بطريقة تنازلية في العشرينات. ولكن بعد بقائه في السلطة لعقد من الزمن، أخذ أردوغان على عاتقه الشخصي عملية تحويل تركيا وفق النهج التنازلي. وفي السياسات الشعبية التركية، يستوجب الوصول إلى السلطة السياسية الولاء لأردوغان، ما تُرجم مؤخراً باعتماد زي الرئيس.
*سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب الجديد: “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة”. *أويا روز أكتاس هي مساعدة أبحاث في زمالة “إيفون سيلفرمان” في المعهد.