سياسة ترامب تجاه أفغانستان والخليج

(1ـ2)
سايمون هندرسون

في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 آب/أغسطس حول السياسة العامة لم يرد أي ذكر للشرق الأوسط – ولا حتى ايران التي لها حدود مشتركة مع افغانستان. ويثير هذا الإغفال الفضول نظراً إلى أن صحيفة “نيويرك تايمز” قد أفادت في وقت سابق من هذا الشهر أن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني كان يتحالف مع مقاتلي “حركة طالبان”، وهو أمر مستغرب نظراً إلى الانقسام الشيعي-السنّي، لإبقاء الحكومة المركزية في كابول مزعزعة. وعوضاً عن ذلك، كان تركيز الإستراتيجية الجديدة، على النحو المبيّن في الخطاب ونقاط النقاش الرسمية، حول “جنوب آسيا”، حيث وُصفت باكستان بأنها “شريك مهم”، بعد تحذيرها لتغيير سلوكها، في حين تتميز الهند بكونها “شريك عظيم الفائدة”. وعلى الرغم من عدم تطرق الخطاب إلى بلدان الخليج كالسعودية والإمارات، كونها حلفاء باكستان منذ فترة طويلة، إلا أنه من المرجح أن تضطر إلى اتخاذ موقف واضح وصريح. ولا بدّ من إحباط ميل إيران إلى إلحاق الأذى.

التاريخ
على الرغم من أن الكثيرين يرجعون تاريخ انخراط الولايات المتحدة في أفغانستان إلى عام 2001، عندما تحركت “القوات الخاصة” ضد أسامة بن لادن بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر، إلّا أنّه خلال ثمانينيات القرن الماضي كانت واشنطن تقوم بتزويد الأسلحة لرجال العصابات الذين كانوا يقاتلون آنذاك نظام كابول المدعوم من قبل السوفييت. وفي عام 1989، خرجت القوات السوفيتية من أفغانستان وبعد ذلك انهارت حكومتها الصورية في عام 1992. وقد نجحت “حركة طالبان”، التي شكّلت عناصرها أساساً بعض الميليشيات المناهضة للسوفيت، في الاستيلاء على السلطة في عام 1996، وفرضت حكومة إسلامية متشددة حظرت على النساء العمل وأدخلت عقوبات مثل قطع اليدين والموت بالرجم. وكانت باكستان والسعودية والإمارات الدول الوحيدة التي اعترفت بحكومة “طالبان”، ولكن حتى هذه الدول قطعت العلاقات معها بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر. ومنذ ذلك الحين، موّلت الرياض عدة مشاريع ترتبط بإعادة الإعمار للحكومات المنتخبة المتعاقبة، في حين وفّرت دولة الإمارات مجموعة صغيرة من العسكريين، للعمل إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. وتعترف باكستان نظرياً بالحكومة الحالية في كابول، لكنها تدعم أيضاً، على الرغم من إنكارها، مجموعات من المقاتلين المسؤولين عن الهجمات الإرهابية التي تلحق الضرر بهذه الحكومة. وحول هذه النقطة، قال الرئيس ترامب: “لم يعد بإمكاننا السكوت على الملاذات الباكستانية الآمنة للجماعات الإرهابية، وحركة طالبان وجماعات أخرى …”
ويُنظر إلى دوافع تدخّل باكستان في افغانستان باعتبارها خصومة اقليمية مع الهند المجاورة التى خاضت حربين معها (في عامي 1965 و 1971) منذ أن تأسست الدولتان وسط إراقة دماء فى عام 1947، فضلاً عن العديد من المناوشات الحدودية الخطيرة. وتتركز التوترات على مدى السنوات العديدة الماضية في منطقة كشمير، حيث تتهم إسلام أباد نيودلهي بقمع السكان المحليين ذات الأغلبية المسلمة، في حين يُلقى اللوم على باكستان بتدريب إرهابيين مناهضين للهند ومدّهم بالعتاد. ومن المؤكد أن الهند كانت ستنظر إلى تعليقات الرئيس ترامب التي شددت على تطوير الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند على أنها تأكيد على مكانتها باعتبارها الدولة المهيمنة طبيعياً في جنوب آسيا. وليس هناك شك في أن من دواعي سرور نيودلهي الاعتراف “بإسهاماتها الهامة في تحقيق الديمقراطية والاستقرار والازدهار والأمن في أفغانستان”. ومن وجهة نظر باكستان، لا يمكن أن تكون هذه العبارات أكثر من أقوال غير مرحب بها.

الرد الباكستاني المحتمل
بالنسبة لباكستان، ربما كانت الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب بمثابة التحذير الأخير، كون اللغة المستخدمة لا تحمل لبساً: “تغيير المقاربة”، “إلغاء الوضع القائم”، “على [باكستان] اتخاذ إجراءات حاسمة”، “لا يمكن لأي شراكة أن تستمر مع تساهل بلد ما مع المسلحين والإرهابيين”، “ستتطلب الاستراتيجية من باكستان أن تثبت استعدادها لمساعدة الولايات المتحدة … “. فالحاجة إلى الحد من الأخطار النووية تبدو أكثر توازناً- حيث أن كلاً من الهند وباكستان تمتلك أسلحة نووية، وإن كان من الواضح أن الإشارة إلى التهديد الخطير المتمثل بإمكانية حصول الإرهابيين على مثل هذه الأسلحة كانت موجهةً إلى باكستان، حيث لا تزال هناك شكوك حول قدرة الجيش على تأمين ترسانتها. وشكّل انتشار تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وتصاميم الأسلحة النووية إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية حتى عام 2003، والذي يتحمل مسؤوليته العالم الباكستاني المتقاعد عبد القادر خان، نقطة مرجعية ضمنية بل واضحة.

* زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة