ترامب يحيل مسألة سياسة ليبيا إلى أوروبا

في الوقت الذي تدفع الأمم المتحدة نحو عملية السلام
(2 ـ 2)
بين فيشمان

أزمة المهاجرين التي تواجهها إيطاليا
نظراً لقربها الجغرافي، وارتباطها الطاقوي وعلاقاتها التاريخية مع ليبيا، لطالما اعتبرت إيطاليا أن البلد الواقع في شمال أفريقيا هو محور سياستها الخارجية. وفي أعقاب مساعي ماكْرون العلنية ورفعه شأن حفتر، عبّر الإيطاليون عن ارتيابهم. وحين قام سلامة، الذي شارك في القمة الفرنسية، بزيارته الأولى إلى روما بعد قمة باريس، شدّد وزير الخارجية الإيطالي أنجلينو ألفانو قائلاً، “كان هناك الكثير من المفاوضات والكثير من المفاوضين حتى الآن. وعلى كل بلد أن يعوّل على خطوة [سلامة]”.
وتركز إيطاليا أيضاً على قضية الهجرة. ففي 2 آب/أغسطس، وافق البرلمان الإيطالي على خطة لنشر البحرية الإيطالية لمساعدة الليبيين في مكافحة المتاجرين بالبشر المسؤولين عن الهجرة غير القانونية. وقال وزير الدفاع الإيطالي روبرتا بينوتي إن بلاده “ستوفر الدعم اللوجستي والفني والعملياتي للسفن البحرية الليبية وتساعدها وتدعمها فى الأعمال المشتركة والمنسقة”. وقد أثارت البعثة الإيطالية بعض الاحتجاجات المحلية في ليبيا – وهو ليس بالأمر المستغرب نظراً إلى الطريقة التي دائماً ما ينظر فيها القوميون الليبيون إلى القوة الاستعمارية السابقة. غير أن السراج نفى لاحقاً المطالبة بالعملية الإيطالية، كما هدّد حفتر بإطلاق النار على السفن الحربية التي تنتهك سيادة ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، انتقدت المنظمات غير الحكومية الدولية الظروف المروّعة في مرافق الاحتجاز الليبية، التي لا تملك “حكومة الوفاق الوطني” النفوذ لتحسينها. وعلى الرغم من أن إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا إلى إيطاليا في 2017 يعادل المستويات المسجلة خلال هذه الفترة من العام الماضي – حوالي 100,000 مهاجر – إلّا أن الأسابيع الستة الماضية شهدت انخفاضاً ملحوظاً، ربما نتيجة لجهود اعتراض ليبية أكثر فعالية. وقد سجلت “المنظمة الدولية للهجرة” أكثر من2,400 حالة وفاة في البحر المتوسط هذا العام حتى الآن. ولا يزال التوصل إلى حل طويل الأجل لأزمة المهاجرين بعيد المنال بالنظر إلى المصاعب التي يفر منها المهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى، وعدم قدرة الليبيين على مراقبة حدودهم بفعالية.
أين السياسة الأمريكية؟
لا يزال يتعين على إدارة ترامب صياغة سياسة بشأن ليبيا، كما هو الحال مع العديد من القضايا الأخرى من الدرجة الثانية. ففي نيسان/أبريل، قال الرئيس الأمريكي “لا أرى أي دور للولايات المتحدة في ليبيا”، على الرغم من أنه شدّد على أن التخلص من تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يزال يحتل الأولوية. كما لم يتناول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مسألة ليبيا بشكل موضوعي. فبعد ثلاثة أيام من قمة باريس، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تأييداً فاتراً، مما يشير إلى أن البيت الأبيض لم ينسق مع الحكومة الفرنسية بشأن مبادرة ماكْرون. وجاء في البيان، “على الرغم من ان الشعب الليبي يجب ان يقود عملية تحقيق المصالحة السياسية في بلاده، إلّا أن المجتمع الدولي يلعب دوراً هاماً في دعم هذه الجهود”. وبالمثل، أشارت السفارة الأمريكية في ليبيا، التي تعمل من تونس، إلى أنه في 10 آب/أغسطس تواصل السفير بيتر بودي مع السراج وحفتر واجتمع مع كليهما خلال الأسبوع الذي سبق في تونس وعمّان على التوالي. وتجدر الاشارة الى ان السفارة الأمريكية قد أكدت أن قائد “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” اللواء توماس والدهاوسر لم يجتمع مع حفتر، وهذه محاولة لانكار الشائعات بان الجيش الأمريكي يعمل مع حفتر وقواته.
فرصة في أيلول/سبتمبر
يوفر الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك فرصة لدفع عملية السلام في ليبيا قدماً وتأكيد سياسة الولايات المتحدة الواضحة تجاه ليبيا. أولاً، يجب ألا يضمّ أي اجتماع متعدد الأطراف بشأن ليبيا اللواء حفتر ما لم يوافق بوضوح على وضع قواته تحت السيطرة المدنية. ويجب ألا تتمّ معاملته كرئيس دولة، كما حصل في باريس، من دون أن يتنازل عن شيء مهم في المقابل خلال المفاوضات. ثانياً، يجب أن يحضر وزير الخارجية تيلرسون – وليس نائباً له – أي اجتماع بشأن ليبيا ويوضح رؤية أمريكية لمستقبل البلاد. وما دامت واشنطن لا تعبّر عن سياسة محددة تجاه ليبيا، فسوف تفسر الفصائل الليبية المختلفة الصمت الأمريكي على نحو يعود بالفائدة على مصالحها الضيقة. وأخيراً، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تستضيف السراج في واشنطن وأن تركّز على تطبيق بعض المشاريع الأساسية التي لا تزال “حكومة الوفاق الوطني” عاجزة عن معالجتها، من بينها توفير إمدادات الكهرباء والمياه بصورة ثابتة والتخفيف من الأزمة المصرفية والسيولة. ومن شأن هذه الزيارة التي لم يقم بها السراج خلال فترة إدارة أوباما أن تعزّز موقف سلامة في ظل سعيه إلى إعداد صيغة ستساعد على إرساء الاستقرار في ليبيا.

* زميل مشارك في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة