قراءة في رواية «سجين الروح»
حسين نهابة
أشعل في نفسي الآثمة عنوان رواية لكاتبها «د. كلود عطية» عبادة أدبية حقيقية، ما كان ليشتتني منها أو يلمني، الاّ التسلل الى خبايا الأرواح المتمردة لبعض شخوصها الهائمة الذي سما بها المؤلف بقصد او بغير قصد، عبر غيث اسلوبه الأنيق. ولم امنع نفسي الأمارة باللهفة من ان انتشي وأصل الى هزيعها الاخير رغبة في استلهام ما تبقى من المفردات الناضرة. وأعوم بين السطور لأجدني عازماً على قرائتها ثانية والغرق بالعبادة الذي تلبستني في مطلعها.
لم تلازمني أحداث رواية، عاشت وسكنت بين تلافيف وثنايا روحي، مثلما فعلتُ مع «سجين الروح»، إذ حملتني إلى عالم أقبلت عليه بشبق لم يلبث إن انكفأ على ميزان أفقي وحياتي. حين ختمت بالشمع الأخضر هذه الرواية، وأنا اخط هذه السطور، أتذكرها وهي تعيش بعض أحداثها معي، فألوك سوقية بعض سلوك أبطالها، ثم أتراجع لأتذكر أن فاتنة الرواية لها قدسية، لا تتلمسها هي فقط بل تجدها تشعرك ببراءة وبإحساس وفتنة روح سرعان ما اصطدمت بصفير عواصف مرت بها. هي لا تعرف أين سيرميها الزمن، فالروح كانت وتظل تعيش مراحلها، طفلة، مراهقة، كبيرة، ثم تنكفيء على تقاليد دينية أو من سوق الدين في ظل شياطين على الأرض، عبر تعاليمه وفتـاواه. وهيهـات، فربما يكون هو احدهم حين ينتفخ ويتسرطن بالفكر ليعبث ويبغي بالأرض فسادا، وتُؤرقه فكرة أن يلتقـي ببعـض المتنوريـن الذين يحلقون كحمامة سلام فوق أرواحنا ونحن في الأرض قبـل أن نتوسـد ثراها. هذه الرواية خطفتني بكل ما املك، بيد أنها أعادت لي بعض كيان تفكيري وجعلتني أراجع نفسي كلما مررت بها وما يحيطني بكل جهات الحب المكتشفة عبر الجسد وأنفاس الحياة فهي حزن في الروح والجسد .
لي وليس لغيري اسكك فرحي بحزن الرواية التي قرأت، فلها وليس لغيرها توقفت، حين مسكت نفسي عن احداثها وختمت كل مقابض يدي على ان لا أستعير غيرها. فهي سخنة المشتى لأمرين يخشاهما الصرد وبرد يلسع الجسد في جمير الغيض والرمضاء والنار والرعد.
تلفعت بحبها واجملت لفظها بحرفين ثم ما فتأ ان زاد حرفاً على ورق وامسى (حبر). ما الجدوى، فلباب ظني يستجير من الحبر على الورق وهمام روحي اوقف كل جروحي على نتأ صغير تلمض بالأحياء ثم فاتني في المدن ومساحات الدول العتيدة العنيدة لألتقي بها وليس بغيرها ثم اكفر بذاتي وصمتي وحرقتي بما انا فيه.
نعـود الى ثنائيـات الروايـة ثانيـة لنلمـح في التصعيـد الميليودرامـي فيهـا مـا هو اشبـه بمشاهيـر الكتـاب العالمييـن الذين أخذت رواياتهـم لباب قارئيهـا عبر انعكـاس الزمان والمكـان والحـدث بما لا نستطيع توثيقها مثلما استطـاع كاتـب هـذه الروايـة ان يعكس في مرايا قلمه الرشيـق كل حيثيات الحياة الدقيقة لابطالهـا ورصدها. ثم ما لبث ان يحول مسارها الى الاستدراج الخيالي فياخذ بقارئها الى تمزيق عذريتها ليصبح هو احد ابطالها متمثلاً بـ (—-) من الشخوص ولينتقم او يـؤازر للوصول الى مدارج الروح التي هبطـت من دون ان تـدري, حيـث ستتداخل فـي هـذا الامـر ابعاد لشخصية القـاريء مـع ابعـاد ورؤى بعـض ابطالها ثم يفيق على احلام رماديـة بعثها الكاتب في بعض شخـوص ابطالـه مـن دون تحيـز.