ترامب يحيل مسألة سياسة ليبيا إلى أوروبا

في الوقت الذي تدفع الأمم المتحدة نحو عملية السلام
(1ـ 2)
بين فيشمان

في الوقت الذي يسعى فيه الممثل الخاص الخامس للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة إلى دفع عملية السلام في ليبيا قدماً، فإن العديد من الديناميات الدولية الجديدة ستؤثر على جهوده. ففي أواخر تموز/يوليو، على سبيل المثال، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكْرون، الذي يطمح بالاضطلاع بدور دبلوماسي رائد في مسألة ليبيا، قمةً جمعت رئيس الوزراء الليبي فايز السراج واللواء خليفة حفتر. وفي إيطاليا، ووسط موسم الانتخابات، تستحوذ الآن أزمة المهاجرين من ليبيا على كافة المسائل المرتبطة بالسياسة الخارجية والمحلية. وفي غضون ذلك، أثار الخلاف مع قطر في الخليج قلق عدد كبير من أبرز داعمي الفصائل الليبية المتناحرة. ويهدد تنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا» بالتجمع من جديد، خاصة وأن المقاتلين المغاربة يعودون إلى بلادهم من سوريا والعراق.
وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، لن يتمكن سلامة من التعويل على دعم واشنطن الفعال، على الرغم من أن الدبلوماسيين الأمريكيين لا يزالون منخرطين مع الجهات الفاعلة الليبية الرئيسية. وبالفعل، لم يعالج البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية الأميركية قضية ليبيا بطريقة هادفة. وقد لا تكون تنحية الولايات المتحدة لليبيا من سلّم أولوياتها بالمفاجئة نظراً للتحديات الأمنية الداخلية والوطنية الكثيرة التي تواجهها إدارة ترامب – ولكن إذا احتاج سلامة إلى الدعم في عملية الوساطة للتوصل إلى إبرام اتفاق دائم بين الفصائل الليبية، فلن يأتي ذلك بدون ثمن. وعلى أقل تقدير، بإمكان الولايات المتحدة أن تساعد في الحد من دور المفسدين، بما في ذلك دول وجماعات إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الليبيين يعتبرون الجهات الفاعلة الأوروبية والعربية الأساسية بمثابة محكّمين غير جديرين بالثقة. ويشكّل دعم سلامة والانخراط مباشرة على مستوى رفيع في ليبيا خلال الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، المقرر عقدها في منتصف أيلولِ/سبتمبر، أفضل وسيلة لإدارة ترامب للمساهمة في إرساء الاستقرار في ليبيا الذي تشتد الحاجة إليه اليوم في تلك البلاد.

ماكْرون يغتنم الفرصة
انعقدت القمة التي استضافها الرئيس الفرنسي، وجمعت رئيس الوزراء السراج واللواء حفتر الذي يقود “الجيش الوطني الليبي”، خارج باريس في 25 تموز/يوليو. وكان ماكْرون قد استعرض الاجتماع بعد استضافته للرئيس الأمريكى دونالد ترامب قبل ذلك باسبوعين، واعداً “بعدد من المبادرات الدبلوماسية التي لها آثار كبيرة”. ومع ذلك، باغتت خطة ماكْرون، وشَكْل الاجتماعات، والثناء الذي أغدقه على حفتر الذي رحب به ماكْرون بقبلات – كما نُشر على موقع الرئيس الفرنسي على نظام تويتر – الكثيرين من أعضاء المجتمع الدولي. وهذه هي المرة الأولى التى يتم فيها الترحيب بحفتر فى عاصمة غربية ومعاملته على قدم المساواة مع “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً والتي يرفض الانضمام اليها. وكان حفتر وسراج قد اجتمعا سابقاً في أبو ظبي في أيار/مايو، حيث نفى كل طرف سريعاً ما تم الاتفاق عليه. وبالمثل، فشل المصريون في التوسط في اتفاق بين الاثنين في شباط/فبراير. ويبقى المصريون مؤيدين قويّين لحفتر، ولم يبدوا حتى الآن التزاماً بحل سياسي شامل لقضية ليبيا.
وسيضطلع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الفرنسية الأخيرة، بدور أساسي في سياسة ليبيا. فخلال فترة ولايته في وزارة الدفاع، فقدت فرنسا ثلاثة جنود من “القوات الخاصة” في شرق ليبيا تردّد أنهم كانوا يعملون مع حفتر. وصرّح لودريان، الذي هو صقر في وجهات نظره السياسية فيما يتعلق بالجهود العسكرية الفرنسية فى شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، لصحيفة “لا ماتينال دو موند” قبل شهر من انعقاد قمة باريس، قائلاً: “إن حفتر هو جزء من الحل، مثله مثل رئيس الوزراء السراج”. وقد رفعت هذه العبارة من شأن اللواء حفتر من لعب “دور” في اتفاق سياسي إلى [زعيم] أصبح بأهمية رئيس “حكومة الوفاق الوطني” في تحقيق الاستقرار في ليبيا.
وفي أعقاب القمة، أصدر الفرنسيون بياناً يتألف من عشر نقاط كان قد اتفق عليها الطرفان. وكانت افتتاحيته مشجعة جاء فيها، “إن الحل السياسي هو الحل الوحيد حل للأزمة الليبية ويتطلب عملية مصالحة وطنية تضم جميع الليبيين”. غير أن حفتر ما لبث أن تراجع عن اتفاق مهم لتنفيذ وقف إطلاق النار، موضحاً أن هذا الوقف لن يسري على المعركة الدائرة ضد «المتطرفين»”، وهو المصطلح الذي يستخدمه لتحديد معظم منافسيه المحتملين.
وحتى أن النقطة التاسعة من البيان المشترك قد تكون أكثر تعقيداً، إذ تتعلق بالالتزام بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية “في اقرب وقت ممكن”. ومن غير المحتمل أن تحقق أي انتخابات استقراراً فعلياً – دون وجود خطة أمنية واتفاق سياسي أكثر جدوى. وعلى وجه الخصوص، يرى عدد كبير من المحللين أن الخلافات على شرعية الانتخابات البرلمانية الليبية في عامي 2012 و 2014 لم تؤد إلا إلى زيادة عدم الاستقرار – ولا سيما الانتخابات الأخيرة، مما ساعد على إشعال فتيل الحرب الأهلية في ليبيا. فضلاً عن ذلك، لم تجر انتخابات رئاسية مباشرة منذ سقوط القذافي، ويمكن أن تكون وسيلةً لحكم الزعيم القوي المتكرر، مما يعكس على الأرجح طموح حفتر. وعلى الرغم من أن “المفوضية الوطنية العليا للانتخابات”، بمساعدة من الأمم المتحدة، قادرة تقنياً على الإشراف على عملية الاقتراع، إلّا أن التحديات الرئيسية التي يواجهها سلامة أثناء محاولته استخدام بيان باريس كأساس لإحياء الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 ستنطوي على التعاقب. فهل يمكن إيجاد صيغة لإضفاء طابع الشرعية على “المجلس الرئاسي” في طرابلس، وإشراك “مجلس النواب” الذي يتخذ من الجانب الشرقي للبلاد مقراً له وإجراء حوار دستوري قبل إجراء الانتخابات؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة