مازالت القوات المشتركة تبحث عن بقايا التنظيم في الأقبية والخنادق
متابعة الصباح الجديد:
يقف أبو غازي يدخن سيجارة أمام ما كان يوما منزله في المدينة القديمة بالموصل وسط سكون لا يقطعه سوى وقع أقدام بضعة جنود يقومون بدورية في المكان وصوت قطع الصفيح الملتوية والستائر الممزقة وهي تصفق بفعل هبات الريح.
قال الرجل وهو ينظر لصفوف متراصة من الأبنية المنهارة وقد تناثرت محتوياتها في الشوارع “ينبغي هدمه كله والبدء من جديد. لا مجال لإعادة إعماره الآن وهو بهذا الشكل”.
وعلى بعد مئات الأمتار من المنزل أطلقت الشرطة النار على مقاتل من تنظيم داعش بعدما خرج يطلق النار من نفق تحت الأرض بشارع المكاوي.
وروى عمال إنقاذ وسكان في غرب الموصل قصصا مشابهة في الأيام القليلة الماضية.
وقال متحدث عسكري إن غرب الموصل لا تزال منطقة عسكرية مع استمرار عمليات بحث عن مشتبه بهم وألغام وعبوات ناسفة مضيفا أن المنطقة غير آمنة لعودة السكان في الوقت الراهن.
لكن في دورة الحماميل داخل مصنع صغير لخزانات المياه والغاز قال رائد عبد العزيز إنه شجع جيرانه على العودة رغم الخطر الحقيقي القائم بعد أسابيع من إعلان الحكومة انتصارها على تنظيم داعش.
وقبل أسبوع قال علي وهو أحد أقارب عبد العزيز إنه شاهد مسلحا من التنظيم يخرج من تحت منزل ويحاول إصابة مدنيين قبل أن يمسكوا به ويسلموه إلى الشرطة الاتحادية.
لكن عبد العزيز الذي بدأ مصنعه في العمل بعد أسبوعين من عودته للموصل مع أسرته يقول “نتمنى من الناس خاصة في هذه المنطقة العودة إلى أعمالهم وقد بدأت الحياة تعود تدريجيا”.
أفواج على الجسر
مثل أبو غازي ورائد عبد العزيز عاد عشرات ممن شردتهم الحرب إلى غرب الموصل التي شهدت بعضا من أعنف القتال في حملة دامت تسعة أشهر لطرد التنظيم من معقله الرئيسي بالعراق ثاني أكبر مدن البلاد.
وعلى الجسر الشمالي وهو واحد من نقطتي عبور متبقيتين بين شرق وغرب الموصل سار مئات المواطنين باتجاه شطر المدينة الغربي وهم يقتادون ماشيتهم ويحملون حقائب وأدوات منزلية. وعبر آخرون الجسر المؤقت في حافلات مزدحمة.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق في إفادة في جنيف يوم الثلاثاء إن نحو 230 ألف شخص لا يأملون في العودة إلى ديارهم في غرب الموصل “في أي وقت قريب” إذ أن منازلهم دمرت بالكامل.
وكان عدد السكان المدينة قبل الحرب يزيد على مليوني نسمة.
وقبل أسبوع عاد زياد الشياشي لفتح مقهاه في غرب الموصل بعد فراره من منزله القريب من متجره في مارس آذار.
وداخل المقهى حيث علقت أكواب شاي مصنوعة من الخزف على الجدران “ما زالت الفوضى تعم كل شيء. ليس لدينا شيء .. لا ماء ولا كهرباء نحن نحتاج للضروريات”.
وأبدى الرجل امتنانه لقيام بعض الناس بشراء الشاي ومنهم جاره عبد الفتاح الذي كان يجلس بجوار مجموعة من الرجال خارج المقهى.
وقال عبد الفتاح (60 عاما) “نريد عودة الحياة إلى هنا ليس من أجلنا نحن الكبار بل من أجل الأطفال والأجيال القادمة. وحتى ذلك الحين نجلس هنا نحتسي الشاي ونحن صابرين”.
تذكير لاذع
وحتى في الموت تظل أشباح المقاتلين تلازم سكان الموصل. فلا تزال جثث بعض المقاتلين ملقاة في مناطق متفرقة حول المدينة القديمة في تذكرة مؤلمة بالشهور العشرة الأخيرة.
وقال نجم عبد الرزاق “كل ما نتمناه أن يبعدوها من هنا” موضحا أنه على عكس جثث المدنيين فإن الشرطة والجيش يرفضان السماح بذلك.
وقال جندي ردا على سؤال عن سبب ترك الجثث لتتعفن في درجة حرارة تصل إلى 47 درجة مئوية “لماذا نكرمهم ونزيل جثثهم؟ دعها تتعفن في شوارع الموصل بعد ما فعلوه هنا”.
ورغم أن ما يشغل بال العائدين هو رائحة الجثث المتعفنة وخطر انتشار الأمراض إلا أنهم يفضلون انتشال جثث جيرانهم أولا.
وعلى مقربة من مقهى الشياشي ظهرت عبارة كتبت باللون الأزرق على عدد من المنازل المنهارة تقول “هنا ترقد جثث الأسر تحت الركام”.