ماثيو ليفيت
في ظل الهزيمة التي مني بها تنظيم «الدولة الإسلامية» في الموصل ووقوفه على شفير الانهيار في الرقة، يحاول حلف شمال الأطلسي تقييم الدور الذي يمكن أو يجب أن يضطلع به في مرحلة ما بعد الخلافة في معركة مكافحة الإرهاب القادمة. وأمام الحلف دور هام، لكن عليه أن يبقى متمسكاً بمهمته التقليدية ومهاراته. فحلف “الناتو” في جوهره تحالفٌ عسكري وليس وكالة لمكافحة الإرهاب.
لقد وفر الارتفاع الحاد في الحوادث الإرهابية الدولية في الغرب وموجة الاضطرابات الجارفة التي تهز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بيئةً متكاملة للتعليقات الصريحة التي قدمها الرئيس ترامب حول ضرورة بذل حلف “الناتو” المزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب. ففي أيار/مايو 2016، قال ترامب الذي كان مرشحاً للرئاسة آنذاك إن “الناتو” قد “عفا عليه الزمن”.
وما لبث أن أوضح قوله هذا مصرحاً: “الحلف عفا عليه الزمن لأنه لا يواجه قضايا الإرهاب”. ومنذ ذلك الحين، أكّد كبار المسؤولين الأمريكيين، ومؤخراً مستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر، أن إدارة ترامب تلتزم التزاماً مطلقاً بحلف “الناتو”. لكن، فيما يتجاوز الخطب الرنانة من واشنطن، تكمن الحقيقة أن حلف شمال الأطلسي – عبر تركيا – يقف على الخطوط الأمامية الجغرافية في المعركة ضد تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» وغيرهما من الجماعات الإرهابية.
وتجدر الملاحظة أن مهمة مكافحة الإرهاب ليست بجديدة على حلف “الناتو”، بعد أن استند إلى المادة 5 للمرة الأولى بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر وسرعان ما أطلق أكبر عملية قتالية في تاريخه في أفغانستان رداً على الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة. وقد طوّر الحلف خبرةً خاصة في مجال تدريب قوات الأمن المحلية في أفغانستان لمحاربة حركة “طالبان” وتنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» وتحقيق الاستقرار في البلاد.
وقد ركّزت مهمات تدريبية مماثلة نفذها حلف “الناتو” على قدرات مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً، من بينها في مصر والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس. ودعمت طائرات المراقبة التابعة لحلف الأطلسي التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفي قمة عقدها حلف “الناتو” في أيار/مايو، أعلن التحالف أنه سيصبح عضواً كامل العضوية في “الائتلاف العالمي لهزيمة تنظيم «داعش»”.
لكن نظراً لطبيعة التهديدات الإرهابية الراهنة، لا ينبغي أن يتفاجأ أي شخص من أن يكون الأمينان العامان السابق والحالي للحلف قد خلُصا مؤخراً إلى أن حلف “الناتو” قادر على اتخاذ المزيد من الخطوات لمكافحة الإرهاب ويجدر به القيام بذلك. ورغم هزيمة ما يسمى بدولة الخلافة في سوريا والعراق في ساحة المعركة على المدى القريب، إلّا أن آفاق الإرهاب تبدو قاتمة.
وفي الوقت الذي يخسر فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» الأراضي، قد يزداد خطر الإرهاب الذي يشكله في المنطقة (على الأقل في المدى القصير) – من خلال محافظاته وخلاياه الإرهابية – وفي الغرب وسط انحداره من الحوكمة إلى التمرد والإرهاب. فالمقاتلون الإرهابيون الأجانب العائدون يمثلون تهديداً تضاعفه ظاهرة التطرف العنيف الناشئ في الداخل التي تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها والتي بدورها قد تشمل مجموعة من التهديدات الإرهابية النابعة من مخططات ملهَمة أو مسهلة أو منفذة على أيدي أجانب.
وليس هناك ضوء في نهاية النفق فيما يتعلق بالمأساة السورية، التي أصبحت مؤسسةً جهادية منحت تنظيم «القاعدة» فرصةً جديدة، وهي جماعة تستعيد نشاطها أيضاً في شبه الجزيرة العربية وفي أفريقيا. أما إلى جنوب أوروبا، فتضم ليبيا مجموعةً متنوعة من التهديدات الأمنية التي لا تُظهر أي علامات على الإنحسار وتُهدد الاستقرار في جميع أنحاء شمال أفريقيا وفي منطقة الساحل، وحتى في أوروبا أيضاً – كما تعكس مؤشرات هجوم مانشستر.
ويسلّط تقرير “أوضاع واتجاهات الإرهاب لعام 2017” الصادر عن “يوروبول” الضوء على التهديدات التي تواجهها أوروبا جراء الاضطرابات الإقليمية خارج الاتحاد الأوروبي ، ومن بينها غرب البلقان والقوقاز وأفريقيا والشرق الأوسط، وفي تركيا العضو في حلف “الناتو”.
ويركّز التقرير الأخير بشأن “الاتجاهات العالمية” الصادر عن “مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكي” على اتجاهين رئيسيين سيؤثران تأثيراً كبيراً على الاتجاه المستقبلي للتهديد الإرهابي:
أولاً، “سيحدّد حل أو استمرار الصراعات العديدة الداخلية وبين الدول القائمة حالياً – والأكثر أهمية، الحرب الأهلية السورية، ولكن أيضاً الصراع في أفغانستان والعراق وليبيا ومنطقة الساحل والصومال واليمن وأماكن أخرى – مدى حدة أعمال العنف المستقبلية ورقعتها الجغرافية”.
وسيؤثّر ذلك على العامل الرئيسي المتمثل بانتشار المساحات غير المحكومة التي أدّت حتى الآن إلى خلق “بيئة مواتية للتطرف وتشجع على تجنيد آلاف المتطوعين المتلهفين للقتال”.
أما العامل الثاني، فيتمثل بكيفية التعاطي اليوم مع ظاهرة المقاتلين الأجانب والمهاجرين. فإن لم تتمّ معالجتها بشكل صحيح، ستصبح مواقع التجنيد لجماعات الغد الإرهابية.
فما هي الخطوات الإضافية التي يمكن أن يقوم بها حلف “الناتو” في مجال مكافحة الإرهاب؟ وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب، تأتي القيمة المضافة لحلف “الناتو” في مجال مكافحة الإرهاب من الأجزاء الثلاثة لاستراتيجيته الحالية، وهي: زيادة الوعي بشأن التهديدات، وتطوير قدرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز انخراط الشركاء.
ويُعتبر إنشاء “مركز التوجه الاستراتيجي-جنوباً” الجديد للحلف في نابولي تطوراً مرحباً به، وينبغي أن يساعد حلف “الناتو” على تحسين الوعي بالحالة الراهنة في الجانب الجنوبي للحلف وتوفير تحليل “مسح أفقي” طويل المدى وكذلك توصيات بشأن السياسة لكل من مركز “الناتو” الرئيسي و”القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا” و”مجلس شمال الأطلسي”.
ومن شأن هذا المسعى الاستفادة من الموارد لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية القائمة والمستقبلية على حد سواء. ويتعين على حلف شمال الأطلسي الاضطلاع بدور أكبر في مكافحة ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وأزمة المهاجرين، وهما مثالان على التحديات الراهنة. وكان منسّق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي قد دعا إلى تعزيز الروابط بين جنود “الناتو” و”يوروبول” من أجل مشاركة المقاييس الحيوية في الوقت المناسب وغيرها من المعلومات الاستخبارية التكتيكية التي تمّ جمعها في الميدان.
ويمكن لحلف “الناتو” أيضاً أن يبذل المزيد من الجهود في مجال الأمن البحري المتعلق بأزمة المهاجرين التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي، حسبما أضاف المنسق. غير أنه سيكون لـ”مركز التوجه الاستراتيجي-جنوباً” الأثر المحتمل الأكبر من أجل استباق المشاكل المستقبلية من خلال الشراكة بين ضباط ومحللي “الناتو” من جهة والأكاديميين وخبراء متخصصين في هذا المجال من جهة أخرى من أجل تركيز المشاركة الدولية (التدريب في المقام الأول) في المناطق التي من شأنها أن تستفيد من حماية مسبقة من عدم الاستقرار المتوقّع.
فعلى سبيل المثال، بإمكان حلف “الناتو” أن يركّز جهوده لمنع انتشار المنظمات المتطرفة العنيفة في دول مستقرة نسبياً ولكنها ضعيفة، مثل تونس. ولا بدّ من إيلاء هذا الأمر أولويةً استراتيجيةً على امتداد 10 إلى 20 عاماً.
*ماثيو ليفيت مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن.