دانيال غاردنر
أستاذ التاريخ في كلية سميث.
كل عام، يموت أكثر من أربعة ملايين شخص حول العالم قبل الأوان جراء تنفس الهواء الوسِخ. وفي الصين وحدها، يتجاوز عدد الوفيات التي تعزى إلى تلوث الهواء مليون شخص سنويا. هذا الرقم قد لا يكون مفاجأة. على أية حال، نشاهد بشكل روتيني في وسائل الإعلام صورا كثيرة من الضباب الدخاني السميك، الذي يغلف بكين وشانغهاى، وغيرها من المدن الصينية. ويقتل تلوث الهواء في أميركا أيضا، لكن لم يحصل على درجة الاهتمام نفسها.
وقدرت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لعام 2013 أن سوء نوعية الهواء يمثل 200 ألف حالة وفاة مبكرة في الولايات المتحدة كل عام، أي أكثر من العدد الذي يقتل نتيجة حوادث السير ومرض السكري (وقد أظهرت دراسات أخرى أن العدد أقل من ذلك، وهو أقرب إلى 100000). ومع ذلك، في الوقت الذي تتصدى فيه الصين اليوم لمشكلة تلوث الهواء، تتراجع الولايات المتحدة عن حماية نوعية الهواء باسم النمو الاقتصادي – وهي استراتيجية سيئة سيكون لها تأثير مدمر على صحة الإنسان.
ومنذ نشر دراسة «المدن الست» التي أجرتها جامعة هارفارد في عام 1993، أضحى العلماء ومسؤولو الصحة العامة على علم بالروابط بين الوفيات والجسيمات الدقيقة، (أو PM2.5 )الجسيمات المحمولة جوا التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون). عندما يستنشق الناس PM2.5، والمواد الصلبة المجهرية والقطرات السائلة من الغبار والأوساخ والمواد الكيميائية العضوية، والمعادن يمكن أن يسافر عميقا في الرئتين وحتى في مجرى الدم. وقد ربطت البحوث على مدى السنوات العشرين الماضية PM2.5 بمجموعة من النتائج الصحية السلبية، بما في ذلك الربو والتهاب الشعب الهوائية الحاد وسرطان الرئة والنوبات القلبية وأمراض القلب التنفسي.
ونحن نعلم أيضا أن معظم PM2.5 يأتي من: محطات توليد الطاقة، والصناعات الثقيلة، والسيارات. في أثناء احتراق الوقود الأحفوري، ينبعث ثاني أكسيد الكربون، الغازات الدفيئة الأكثر انتشارا في العالم، في الهواء، إلى جانب جزيئات من المواد الصلبة والغازات المحترقة بشكل غير كامل (أساسا ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين) تتفاعل كيميائيا في الغلاف الجوي لتشكيل جسيمات دقيقة .
ومع معرفة الملوثات القاتلة ومصادرها، أصدرت وكالة حماية البيئة الاميركية، بموجب قانون الهواء النظيف لعام 1990، معايير جديدة لخفض مستويات PM2.5. وتقدر وكالة حماية البيئة أن التركيز الوطني للجسيمات انخفض بين عامي 1990 و 2015 بنسبة 37 في المائة، وأنه في عام 2010، أمكن تفادي ما يقرب من 000 160 حالة وفاة مبكرة نتيجة للأنظمة. باختصار، على الرغم من عدد كبير من الوفيات التي ما تزال مرتبطة بالهواء القذر، كانت الولايات المتحدة، حتى هذا العام، تسير في الاتجاه الصحيح.
لكن قد وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الآن بإنشاء «رخاء لا يصدق» من خلال التخلص من الأنظمة التي تهدف إلى الحد من الانبعاثات السامة من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، أو خفض معايير كفاءة الوقود للسيارات أو إزالتها، وتفكيك وكالة حماية البيئة. وتعهد أيضا بإلغاء الحدود المفروضة على التكسير، وفتح المزيد من الأراضي العامة لتعدين الفحم، وتوسيع إنتاج النفط والغاز في المحيطين الشمالي والجنوبي.
فلنفترض، لحظة، أن مثل هذه التدابير ستؤدي فعلا إلى تحقيق الرخاء للبلد بأسره، وليس فقط لصناعة الوقود الأحفوري. ما هو الثمن الذي يمكن للولايات المتحدة دفعه كبلد؟ كم عدد الوفيات المبكرة في السنة التي يمكن وصفها كثيرة جدا؟
وهناك بدائل لا تتطلب تبادلا صفريا بين النمو الاقتصادي وصحة الإنسان. ومن المفارقات، يوجد مكان واحد للبحث عن الإلهام ألا وهو الصين.
وقد يبدو صعود الصين كانموذج يُحتذي به سخيفا. على كل حال، مستويات PM2.5 هي أعلى بكثير مما كانت عليه في الولايات المتحدة، وتضاعف استهلاك الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم، بشكل مهول. بيد أن صناع السياسة الصينيين اتخذوا خطوات ملموسة لتحرير البلاد من اعتمادها على الوقود الاحفوري وخلق اقتصاد موجه نحو المستقبل مدعوم بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء – الأمر الذى يضع الصين فى طليعة الاقتصاد العالمى.
اليوم، الصين هي أكبر مستثمر في العالم في مجال الطاقة المتجددة، حيث بلغت النفقات في عام 2015 مجموع 103 مليارات دولار، أي أكثر من ضعف الإنفاق الأميركي الذي هو 44 مليار دولار. ومن بين 8.1 مليون وظيفة فى مجال الطاقة المتجددة عالميا، هناك 3.5 مليون وظيفة فى الصين، فى حين أن هناك أقل من مليون وظيفة فى الولايات المتحدة. واقتناعا منها بأن الطاقة النظيفة جيدة للبيئة والاقتصاد، فقد التزمت الصين بمبلغ 367 مليار دولار حتى عام 2020 لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وهو مستوى من الاستثمارات يتوقع أن يولد 13 مليون وظيفة.
كما تتطلع الصين إلى ما وراء حدودها من خلال تصدير الخبرات التي اكتسبتها في مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الداعمة. في عام 2016، استثمرت الصين عشرات المليارات من مشاريع الطاقة المتجددة في أستراليا وألمانيا والبرازيل والشيلي ومصر وباكستان وفيتنام وإندونيسيا وغيرها.
وبالمثل، للتغلب على الملوثات من السيارات، شرعت الحكومة الصينية بإعطاء السيارات الكهربائية أولوية عالية، حيث حددت خمسة ملايين مركبة كهدف على طرق البلاد بحلول عام 2020. ولتعزيز المبيعات، يُعفى المشترون من المبيعات وضرائب الإنتاج ( 000 6 دولار أمريكي) 000 10 دولار للسيارة الواحدة). ويُتوقع في نهاية المطاف استبدال السيارات التقليدية على الصعيد العالمي، بتقديم إعانات سخية للصناعات التحويلية المحلية.
وفي الوقت نفسه، تحاول إدارة ترامب إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال الرهان على إنعاش صناعة الوقود الأحفوري القاتلة. ووصف ترامب الانتقال إلى السيارات الكهربائية كعامل يقتل فرص الشغل، بل دعا إلى إنهاء الدعم الاتحادي لتشجع التنمية المحلية والتصنيع والشراء، مثل مبلغ 7500 دولار المستخلص من الضرائب الاتحادية لفائدة للمستهلكين.
وقد ترك اعتماد الصين على الوقود الأحفوري أثرا بيئيا سيئا عميقا، ولكن قادتها عازمون على التصدي له. وتساهم الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، في حفر قبرها. ومع وفاة 200،000 أميركي قبل الأوان كل عام، يجب عدم السماح للغطرسة الاقتصادية بإغفال البحث عن حلول – أينما وُجدت.
الهواء النقي: ما يمكن للصين تعليمه لأميركا
التعليقات مغلقة