بغية اعتماد الشفافية في إدارة شؤون الحكم
اعلام المركز
دأب المركز العراقي للتنمية الاعلامية على دعوة الشخصيات الرئيسة في مضمار مكافحة الفساد، للحيلولة دون تفاقمه حرصا منه على ايجاد الحلول الناجعة للقضاء على هذه الآفة الخطيرة من اجل السير قدما في تحقيق الرفاه للبلد وعدم النكوص في تحجيم اتونه المستشري الذي طالما دعت القيادة العراقية الى مكافحته مرارا وتكرارا ، بل وعده في مستوى خطورة الارهاب.
جاء ذلك خلال الندوة الاستثنائية التي نظمها المركز العراقي للتنمية الاعلامية بالتعاون مع مؤسسة (AMAR) الخيرية الدولية لمناقشة « سبل الوقاية من الفساد» بمشاركة نخبة كبيرة من المثقفين والسياسيين والاكاديميين ورؤساء تحرير صحف ومراكز بحثية.
رئيس المركز د. عدنان السراج اكد في مستهل الجلسة ان من يحضر من النخب تحت سقف هذا المركز سيشكل سقفا له، فالمركز يعمل ضمن الاطار الوطني القادر على توفير مناخات مؤسساتية اعلامية، بغض النظر عن الانتماءات والولاءات والقوميات والمذاهب، لافتا الى انها المرة الاولى في تاريخ العراق الذي تجتمع فيه النخب بهدف توحيد الرؤى. متابعا .. المركز مع الدولة وضد الارهاب ومع تلبية نداء الدولة، وليس له اي توجهات حزبية او سلطوية، وما تلك الندوات واللقاءات مع المسؤولين واصحاب القرار والقيادات العسكرية والامنية والاقتصادية الا تعزيزا لترابط العلاقة مع مفاصل الدولة بكل مؤسساتها وقياداتها.
تذليل الظروف الصعبة
المدير التنفيذي لمؤسسة (AMAR) الخيرية الدولية د. علي ناصر قال في كلمته التعريفية عن المؤسسة انها انشئت في العام 1991 كأستجابة انسانية لنزوح عشرات الالاف بل مئات الالاف من العراقيين الى جمهورية ايران، حيث عملت مديرة المؤسسة – التي اسستها انذاك البارونة ايما نيكلسون عضو البرلمان الاوروبي – على تذليل الظروف الصعبة للعراقيين وتقديم الخدمات الانسانية والطبية وخدمات التعليم باللغة العربية بواسطة مدرسين عراقيين للاجئين في المخيمات، حتى يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس العراقية عند عودتهم.
مضيفا .. في اواخر شهر نيسان من العام 2003 دخلت المؤسسة الى العراق وبدأت العمل انذاك في اهوار جنوبي العراق ودآبت على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، ثم انتقلت الى بغداد حيث بدأ العمل ببناء العديد من المراكز الصحية وتجهيزها، ثم كان الانتقال الى اقليم كردستان العراق حيث عملت المؤسسة بشكل متميز في مواجهة مشكلة النزوح في العام 2014، وتقديم الخدمات الصحية للنازحين، وبعد التعاون مع المؤسسات الصحية في الاقليم تمكنا من بناء وتجهيز 6 مراكز صحية لخدمة النازحين في المخيمات، فضلا عن بناء وتجهيز وادارة مراكز للنساء وتشغيلهن وتمكينهن ، ناهيك عن عدة اعمال لن اخوض الغمار فيها لقصر الوقت.
وتابع المدير التنفيذي للمؤسسة الدولية القول: كما اوضح د. عدنان السراج موقف المركز العراقي للتنمية الاعلامية من الدولة، مؤسسة (AMAR) الخيرية هي ايضا منهجها واضح وهو العمل ضمن اطار الدولة ولا تخط المؤسسة خطا موازيا او متقاطعا مع سياسات الدولة بل على العكس من ذلك، كل البرامج التي تقوم بتنفيذها تقوم بشراكة حقيقية وفاعلة مع مؤسسات الدولة، وعلى سبيل المثال البرامج الصحية التي تنفذ هي بالشراكة الحقيقية مع وزارة الصحة، وكل الخطط التربوية هي مع وزارة التربية، فضلا عن التعاون مع بقية الوزارات كالعمل والشؤون الاجتماعية ووزارة حقوق الانسان، وتعاون كبير مع هيئة النزاهة في مجال التوعية .
اعادة بناء الحياة
وقدم المدير التنفيذي نبذة مختصرة عن سبب تسمية المؤسسة بهذا الاسم (AMAR) بناء على سؤال من احد الحاضرين، موضحا انه اشتق في العام 1991 من اسم طفل كان يجلب الحنطة من البصرة برفقة عائلته، فاصيب واحترق، وادخل بعدها الى الاراضي الايرانية حيث تزامن دخوله مع وجود البارونة ايما نيكلسون ، التي اكملت اوراقه واخذته الى لندن للعلاج وسميت انذاك ( اغاثة عمار) بعدها تطور العمل الى اكثر من اغاثة، حيث تم الاتفاق على تغيير الاسم من اسم شخص الى ماهو اوسع، متابعا بعد الخروج من هذه المرحلة والعمل في شتى انحاء البلد اصبح الاسم (AMAR) اي اعادة بناء الحياة.
رئيس الجلسة اشار الى الدور الذي تلعبه شبكة الاعلامي العراقي داعيا رئيس الشبكة د. علي الشلاه ليبين دور الاعلام في مكافحة الارهاب، والحديث عن غرفة العمليات التي ابتكرتها الشبكة في ادارة الحرب، بوصفها مؤسسة الدولة، ودعوتها الى كل المؤسسات الاعلامية للشراكة في ذلك، ناعتا الشبكة بمفخرة الاعلام بالتعاون مع خلية الاعلام الحربي لنقل الحقيقة من ارض الميدان الموازية في عملها بنقل الخبر الخارجي وكالات عربية واجنبية وهو ما نعده بالتطور الكبير.
حقوق الاخر والدولة
رئيس شبكة الاعلام العراقي د. علي الشلاه انبرى قائلا: الحديث مع النخب حديث معقد، لايمكن ان تعرف لهم بديهيات يعرفونها، ولا تستطيع ان تستعمل مصطلحات، انما يفترض ان تقدم لهم خلاصة الحقيقة…. وخلاصة الحقيقة في موضوعة الفساد في العراق اصبحت معقدة، كتعقد الموضوعة نفسها.
الشلاه عبر عن وجهة نظره التي يعتقد ان الكثيرين يشاركونه فيها بالقول: ان الفساد في العراق له خصوصية، فعند سقوط الدكتاتورية تقاعست الكثير من الكفاءات في ان يتولوا زمام المبادرة بتأسيس العراق الجديد، ما اضطر الدولة في بعض مفاصلها الى الاستعانة ببعض الكفاءات الحزبية التي امتلكت الجرأة للتصدي، وتأخر الكفاءات الحقيقية والاكاديميين والمثقفين تحديدا، الامر الذي ادى الى شيوع ظاهرة غير ناضجة لتولي ادارات مهمة في الدولة.
ونوه رئيس شبكة الاعلام العراقي بأن الفساد استشرى بطريقتين، الاولى عائدة الى ان هؤلاء انفسهم، ليس لديهم معرفة دقيقة لابالقانون ولا بتقاليد الدولة وادارتها، ولا بضرورة ان يكون هنالك احترام لمبادئ العمل الاداري للدولة…. متابعا حديثه .. اما المشكلة الثانية تتمثل بأن بعضهم جاء بشريعة التورية متوهمين انها تبرر لهم التجاوز احيانا، في حين ان الثوارالحقيقيين هم الاكثر التزاما بحقوق الاخر وحقوق الدولة والمواطنة.
ظاهرة يجب ان تعالج
واعرب الشلاه عن اسفه الى ما آل اليه الوضع بعد مضي كل تلك السنين حيث اصبح ذلك حقا مكتسبا، كونهم تولوا منذ البداية، والاخرون تراجعوا، ما صور لهم انهم الاشجع، وانهم تعرضوا للتصفية، وبالتالي سارت الامور بهذا الاتجاه واصبح الامر ليس حالة فردية هنا و هناك، انما اقترب من الظاهرة وهذا ما جعل العملية في غاية التعقيد، يرافق ذلك ثقافة اجتماعية يجب ان نعترف بها وتحدثت بها مع بعض النخب والتي يشاركني رؤيتي بها الكثيرون بحسب الشلاه، ان الكثير ممن يعمل في مؤسسات الدولة لا يستنكرون حالات المخالفة التي تحصل امام اعينهم بل جل الذين يستنكرون هم الذين ينزاحون جانبا… حتى لايروا مايحصل واذا تحدثوا عن الامر تحدثوا في المجالس الخاصة وان دعوتهم للشهادة او تقديم مايؤكد ذلك تراجعوا… مرة باعذار العائلة والخوف، واخرى بأنه لايقطع جزءا او يكسر رقبة… لذلك استفحل الامر وتحول الى ظاهرة يجب ان تعالج بجرأة اكبر.
والمح الشلاه الى انه في الوقت الذي صارت فيه هذه الظاهرة محل مناقشة واستنكار ورفعت اصوات مهمة من رموز البلد سواء الثقافية او الفكرية او السياسية للتوجه والتصدي لها… اصبح الارهاب فاعلا ورئيسيا في المعادلة، وشغلت الدولة مرة اخرى في مواجهة الارهاب وتأخر موضوع معالجة الفساد في حملة موسعة تشترك فيها كل مفاصل الدولة الى مابعد الانتهاء من مرحلة داعش.
جهد استثنائي مشترك
مختتما حديثه بالقول اسمحوا لي ان اقول ومن وجهة نظري الشخصية ان ظاهرة الفساد لاتستطيع حكومة او هيئة او قضاء مواجهته لوحدها مالم تكن هنالك ثورة شعبية حقيقية، وجهد استثنائي يشترك فيه الجميع لاينبغي الجلوس في وسائل الاعلام والتحدث عن هذه الظاهرة هذا وحده لايكفي.. من المفترض ان تنشئ ثقافة مجتمعية تخيف الساكت عن هذا الامر، وتبين له انه شريك شرعا وقانونا واخلاقيا ومجتمعيا بذلك الفعل.. وان يشار الى الاسماء الفاسدة، فمن يستطيع البدء من الهرم ليبدأ، ومن في متناوله البدء من اسفل الهرم يبدأ ايضا، واذا مابدأنا الامرين معا نكون قد نجحنا… البلد اليوم غير قادر على استيعاب هزة فساد اخرى اعتمادا على وضعه المالي واعتمادا على ماحصل في الماضي.
تكريس وتعزيز الجهود
السراج تأسف لعدم حضور الضيف رئيس هيئة النزاهة د. حسن الياسري واصفا اياه بالاخ والصديق املا ان يكون المانع خيرا في عدم الحضور… برغم انه حدد موعد المجئ لهذه الجلسة الزاخرة بكبريات الشخصيات التنفيذية والاعلامية والسياسية.
في الوقت ذاته شكر السراج الجهة الداعمة لهذا الملتقى المهم المتمثلة بمؤسسة (AMAR) الخيرية الدولية السباقة في عقد اللقاءات التي من شأنها تكريس وتعزيز الحلول السياسية في البلد.
ممثل رئيس هيئة النزاهة، مدير عام دائرة العلاقات مع المنظمات غير الحكومية في الهيئة محمود سامي الجبوري اوضح آليات وواجبات واهداف الهيئة، قائلا : نعمل على منع الفساد ومكافحته واعتماد الشفافية في ادارة شؤون الحكم على جميع المستويات، كما نعمل على متابعة قضايا الفساد التي لا يقوم محققو الهيئة التحقيق فيها عن طريق ممثل قانوني، يرافق ذلك عملنا على تعزيز ثقة الشعب بالحكومة عبر الزام المسؤولين منها بالكشف عن ذممهم المالية وما لهم من انشطة واستثمارات.
وتابع الجبوري «ان للهيئة صلاحيات التحقيق، وهي لاتملك حق اصدار الحكم بالادانة او البراءة، كونه امرا محصورا بيد القضاء، منوها.. ان تحقيق الاهداف المناطة بهم، يتطلب انشاء قضاء متخصص بالنزاهة في محافظات العراق كافة، فضلا عن تطبيق اوامر القبض الصادرة من قضاء النزاهة ويأتمر بأوامر الهيئة، كذلك وضع نص تشريعي جديد يتم بمقتضاه تنبيه من الحكومة والبرلمان يقضي بالزام مسؤولي الدولة كافة بالافصاح عن ذممهم المالية، مختتما حديثه بالقول: ان تلك المقترحات مستلة من رؤية رئيس الهيئة.
الفساد اخطر من داعش
استهل باب الحوار بمداخلة من الوكيل الاقدم لوزارة الثقافة جابر الجابري قائلا: لقاء مهم للنخب وشخصيات مسؤولة في الدولة والمجتمع وهذا التصدي من قبل المركز العراقي للتنمية الاعلامية وفريق عمله بهذه السلسلة من اللقاءات وهذه التلبية من قبل النخب تدل على حرص كبير وشعور وطني عال تجاه البلد في هذه المرحلة الحساسة والمهمة.
واضاف الجابري .. الفساد ليس ظاهرة حديثة لامن زمن الدكتاتورية ولا الاحتلال ولا حتى الديموقراطية بل انه متأصل بوجود الانسان… لذلك تصدت له الشرائع السماوية والقوانين منذ الانسان الاول ولعل العقوبة التي فرضها الاسلام تبين فداحة الامر وتدعو للحد منه كما تبين الآية الكريمة.. بسم الله الرحمن الرحيم (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم ) هذه العقوبة جدا قاسية شرعت كرادع للفساد متابعا .. نلاحظ ان البيان الاول الذي اطلقته المرجعية الدينية العليا الحرب ضد داعش، والبيان الثاني مباشرة مواجهة الفساد بل عدت الفساد اشد خطرا من داعش.
واكد الجابري ان العقل البشري يرفض ان تكون ظاهرة الفساد مستفحلة كونها مميتة وقاتلة للحياء والذوق الانساني، لذلك كل الثقافات والنظريات والاديان تنصب في هذا الاتجاه… متسائلا : هل ان المفتش العام الذي يمثل النزاهة في المؤسسات ودوائرها سيبقى هيئة مستقلة ام سيتحول الى اداة بيد الوزير ينفذ مصالحه وارادته ويأتمر بأوامره؟.
واشار الى انه وفي فعالية بغداد عاصمة الثقافة العربية رصد مبلغ 600 مليون دولار وهي سابقة في تاريخ العواصم العربية الثقافية بأجمعها، وضعت في ايدي وزارة الثقافة بمدرائها العامين ووكلائها ، في حين رصد لبيروت للمناسبة نفسها مبلغ مليون دولار فقط… مؤكدا ان رجل الدولة مؤتمن على المصالح والادارة والقيادة، لذلك يجب ان يحاسب باشد حساب ويعاقب باشد العقوبات… لان هذه الحالة المرضية تحولت الى وباء كامل في جسد الدولة وناقوس الخطر دق مايتطلب من النخب ان يشدوا ايديهم جميعا في مواجهة هذا الوباء المقيت.
احد الحاضرين بين ضرورة تعبئة الارادة الشعبية لدعم هذه التوجهات، والغاء اي عفو عام لمن تثبت سرقته للمال العام او حتى اهمل فيه مالم يتم استرجاع كل الضرر وكذلك الغرامات الملحقة به، لافتا الى انه ومن خلال ملاحظة تجربة الدول الديموقراطية والعالم نلاحظ عدم وجود سلطات قضائية متعددة متخصصة بالنزاهة، انما سلطة قضائية واحدة، ففي العراق هناك عدة اجهزة معنية بمحاربة الفساد… مكتب المفتش العام والرقابة المالية وغيرها.