الموصل والمهام الوطنية

د. وثاب السعدي
سياسي وقانوني عراقي
بعد ان مرت الاحتفالات بأكبر نصر على العصابات الإرهابية الاجرامية لداعش وحلفائها في الموصل وهو بلا شك مفتاح هزم داعش وجميع قوى الإرهاب المتوحش في المنطقة، علينا ان نتأمل مليا ظروف وتبعات هذه الأحداث المريرة.
في البداية من المهم والاساسي استذكار مجموعة من الامور التي يطرحها ابناء العراق ولا يجدون لها اجوبة حاسمة او اجماعا واسعا، برغم انهم يتفقون على شروطها الاساسية.
سقطت الموصل من دون أي قتال، ولم يدحر فيها الجيش العراقي، وانما نظمت هزيمته من قبل قيادته وقيادة الدولة. وانسحب الجيش بعد ذلك من الرمادي بأمر من قيادته (لأسباب تكتيكية).
وكان في ذلك اهانة بالغة للجيش العراقي لأنه في الذهن الشعبي عماد الوطن وعماد الوحدة الوطنية. واحتاجت عملية اعادة بناء الجيش على اسس مهنية واختيار قادة اكفاء وشجعان، بدلا من مجموعة اذيال السلطة المتخاذلين في السابق، وقتا طويلا، ترك خلالها ابناء المناطق المحتلة تحت نار الاحتلال. واحتاجت معركة تحرير الموصل، ثاني مدينة عراقية ومن أقدم مدنه، حيث انها كانت عاصمة للدولة الآشورية في القرن الثامن قبل الميلاد، وقتا طويلا وجهدا عظيما. وبرغم الجهد الكبير الذي بذله الجيش والقوات المسلحة وحرص قياداته على حماية المدنيين والحد الى اقصى الحدود من الضحايا المدنية الا ان مدينة الموصل هدمت الى حد كبير.
من الضروري جدا التأكيد، من دون مراوغة، على ان المسؤول الأول والأخير عن هذا الدمار وجميع الضحايا هي عصابات داعش الإرهابية التي نقلت المعركة الى داخل محلات الموصل واستعملت الأبنية والمواطنين الموصليين كسائر ضد الجيش العراقي.
وتمخض عن هذا القتال الشرس، وهو ما لا يجب ان ننساه مطلقا، استشهاد الاف المدنيين من أهالي الموصل، واستشهاد الاف المقاتلين الذين يمثلون عمق العراق ووحدته من العسكريين ورجال الشرطة والمتطوعين في صفوف الحشد الشعبي او العشائري.
في هذه المعارك محا الجيش العراقي عار تسليم الموصل للمجرمين. ولكن مسؤولية هذه الجريمة تبقى في قلب وذهن كل عراقي، وخصوصا من تلوعوا بسلطة داعش الغاشمة او ذوي الشهداء جميعهم.
اليوم وغدا من اللازم تنفيذ مشروع وطني تقدمي واضح المعالم لتصفية مخلفات احتلال الإرهاب الاعمى لثلث العراق وما تركه من جراح عميقة لدى مجموع الشعب العراقي وليس فقط لدى مواطني المناطق التي ابتليت بالاحتلال.
ويقينا فان هذا المشروع يجب ان يرتكز الى أربع ركائز :
1 – اعادة بناء هذه المناطق بأسرع وقت وبذل اقصى الجهود الرسمية والشعبية لإعادة الحياة الى طبيعتها وهو أعظم رد حاسم ونهائي ضد الارهاب.
2- بناء المؤسسات والدولة على اسس المواطنة ومقاييس الكفاءة والنزاهة والمسؤولية لغلق الابواب نهائيا امام مصادر تطعيم الارهاب ورفد الارهابيين.
3 – اجراء تحقيق مستقل شامل ومعمق لكل ظروف تسليم الاراضي المحتلة الى تنظيم داعش العدو.
الجميع يعلم علم اليقين ان الموصل سلمت الى داعش من دون أي قتال او حتى ضغط او تهديد. ولذا يرتدي هذا التحقيق أهمية كبرى، وكنتيجة لهذا التحقيق الصارم، احالة جميع المسؤولين عن تسليم اراضي عراقية الى مجموعة مسلحة عدوة، وما احاط وتبع ذلك من مصائب، كجريمة سبايكر وتل اعفر وغيرها من مواقع الجرائم، الى العدالة لإيقاع العقوبات المناسبة بهم.
4 – ندعو جميع الذين يهمهم انقاذ العراق وبناء الوطن على اسس سليمة بعيدة كل البعد عن جريمة المحاصصة الى تركيز جهودهم لبناء حركة جماهيرية واسعة كأشخاص او كأحزاب او تكتلات شعبية ترفض بعمق الطائفية والفساد والمحسوبية.
لنأخذ مصيرنا بأيدينا ونبني مستقبل هذا الوطن الذي هدمته مطامع المتحاصصين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة