من أرشيف الأيتام
متابعة الصباح الجديد:
تعددت المؤسسات او الدور التي تحتضن فئة خاصة من المجتمع، لتكون بديلا عن العائلة الأصل للطفل اليتيم، وبرغم تواضع تلك الدور لكنها اسهمت بنحو كبير في مساعدة هذه الفئة، وحمايتها من قسوة الشارع والظروف التي يمكن ان يتعرض لها الأطفال في هذه الاعمار، ولكن كيف تم تأسيس تلك الدور الخاصة بالايتام، وكيف وصلت الى هذا العدد؟، لابد أن يكون هناك شخص نبيل، هو اول من بادر الى هذه الخطوة، او جهة معينة تبنت هذه القضية، بحث في هذا الموضوع الأستاذ خالد خلف داخل، في كتاب عراقيون بقسمه الثالث ويؤكد:» ان اول من فكر في تأسيس ملجأ ببغداد يأوي الايتام المقدمين هو عبد الحميد صالح بابان احد موظفي الطابو في بغداد وقد افضى بفكرته هذه الى بعض من اصدقائه فاستحسنوها وابدوا استعدادهم كمؤازرته في اخراج المشروع الى حيز العمل واسهموا مساهمة كبيرة على وضع النظام الاساسي لما اسموه الجمعية الخيرية الاسلامية وهم كل من عبد الله العبايجي، وعبد القادر التكرلي والنائب توفيق المختار الذي تولى منصب مدير ناحية لعدة جهات من مناطق العراق منها عنك وعانه والشطرة وتلعفر وانتخب نائباً عن بغداد سنة 1950 وجدد انتخابه في المجالس المتعاقبة حتى سنة 1958 وهؤلاء الثلاثة بابان والتكرلي والمختار تقدموا بطلب رسمي الى وزارة الداخلية لتأسيس الجمعية المذكورة وكان ذلك في 31/ آب/ 1921 وبعد ثلاثة اشهر من تقديم الطلب اجابت الوزارة بكتاب جاء فيه ان البلدية اخذت على عاتقها اسعاف الفقراء لذلك فالوزارة تنسب ان تكون اعمال هذه الجمعية مشتركة مع اعمال البلدية الخيرية وتحت اشرافها فلما وصلهم كتاب وزارة الداخلية تألموا واسقط ما في ايديهم من عمل نبيل فلم ييأسوا فاقترح عبد الله العبايجي على زملائه ان يستعينوا بالسياسي المخضرم سليمان فيضي لعلهم يجدون مخرجاً، فأجمعوا على زيارته في بيته وعند اللقاء معه طلبوا مساعدته في تحقيق هذا المشروع فلبى طلبهم حيث اتصل بالمسؤولين والمحامين حيث اقنعهم بالانتماء الى الجمعية وبالتبرع لصندوقها براتب شهري ضئيل فلبوا معجبين بالفكرة ودفعوا ما تقتضيه الحاجة يذكر سليمان فيضي في مذكراته فيقول شجعني هذا النجاح على توسيع الحركة فنشرت بيانا في الصحف ومنشوراً يدوياً وزعت منه الآلاف من النسخ في سائر انحاء العراق وما هي الا ايام قلائل حتى انهالت التبرعات من كل حدب وصوب وجاء بريد الالوية (المحافظات) بمئات الرسائل يطلب اصحابها الانتماء الى الجمعية ويقدمون اشتراكاتهم الشهرية الى صندوقها كما عاضدت الصحف المحلية الجمعية بنشر بياناتها وقوائم التبرعات لها ومن تلك الصحف صحيفة لسان العرب لصاحبها ابراهيم حلمي العمر وصحيفة الاستقلال لصاحبها عبد الغفور البدري وصحيفة العراق لرزوق غنام كما تقدمت الطوائف غير المسلحة لمؤازرة الجمعية الخيرية الاسلامية فوجه مطران اساقفة السريان في بغداد وحاخام اليهود ووجهوا نداءات الى طوائفهم يحضونهم على المساهمة في المشروع يذكر سليمان فيضي فيقول دعاني جلالة الملك فيصل الاول لمقابلته فاستفسر عن الجمعية ومدى النجاح الذي بلغته ووجه اللوم لإغفالي اطلاع جلالته على امر الجمعية في بداية تأسيسها وابدى جلالته رغبته الاكيدة في تبنيها ووضعها تحت رعايته وتبرع بألف ربية اعانه لتأسيسها واصدر امرأً بإنشاء مدرسة ايتام للذكور ومثلها للإناث كما امر براتب شهري قدره اربعمائة روبية تبرعاً لصندوقها واصدر امرأً الى موظفي البلاط للمساهمة فيها وامر كذلك بالايعاز الى جميع الوزراء ليحثوا موظفيهم على مساعداتها بنسب معينة من رواتبهم وقد اقتدى بالوزارة والموظفين سائقوا السيارات في الوزارات حتى الفراشين كانوا يجودون بأكثر مما تتحمله رواتبهم.
بعد جمع الاموال ثم استئجار دار واسعة في جانب الكرخ زودت بالأسرة والفرش ورحلات الصفوف وغيرها وتم ادخال عدد كبير من اليتامى ثم كسوتهم والاعتناء بهم ولما تم الحصول على الاجازة ضاق الميتم بطلابه فانضم الى الهيئة الادارية السابقة للجمعية بعض الشخصيات المعروفة آنذاك منهم عبد اللطيف المدلل والشيخ احمد الظاهر وقاسم العلوي وعبد الرزاق منير وفي ذات يوم زارت هذه اللجنة وبرئاسة سليمان فيضي سماحة حجة الاسلام الشيخ مهدي الخالصي في مدينة الكاظمية ومعهم عشرة من طلاب الميتم فسر لما رأوه من نظافتهم ونظامهم وحسن ادبهم فشكر الجمعية على جهودها ووعدهم على حث الناس على مساعداتهم ورحب بان يصبح نجله الشيخ محمد الخالصي عضو في هيئة ادارة الجمعية عينت الجمعية يوم 6/1/1922 موعداً لافتتاح الميتم غصت ساحة الدار وشرفتها بالمدعويين يتقدمهم فهمي المدرس رئيس الديوان الملكي مندوباً عن الملك فيصل الاول والسيد محمود النقيب بالنيابة عن والده رئيس الوزراء آنذاك وافتتحت الحفلة بتلاوة من القرآن الكريم من قبل قاسم البزركان الطالب بمدرسة التفيض ثم تعاقب الخطباء والشعراء في القاء خطبهم وانشاء قصائدهم منهم الشيخ محمد مهدي البصير وعطا أمين والشاعر معروف الرصافي وعبد الرحمن البنا وتوفيق المختار وسليمان فيضي وبعد ذلك تقدمت ابنة سليمان فيضي الى منصة الخطابة فتبرعت بسوارين من الذهب نزعتها من يديها قائلة اعطوها للأيتام فاقترح الحاضرون وتم وضع السوارين بالمزايدة وفتحت المزايدة بعشر روبيات واختتمت بمبلغ 4550 روبية وقد اشترك فيها مندوب الملك فيصل الاول الاستاذ فهمي المدرس فضم على مبلغ السوارين الف روبية نيابة عن الملك وقبل انتهاء الحفلة جرت انتخابات الهيئة الادارية ففاز سليمان فيضي والحاج محمد جعفر ابو التمن والشيخ احمد الظاهر والحاج نجم المدرس وعبد الرزاق منير والشيخ محمد الخالصي انتخب رئيس فخري وفي صباح اليوم التالي تناولت الصحف البغدادية هذا الحفل الكبير وما علم به افراد الشعب تهافتوا للعطاء بسخاء حتى دخلت طفلة دون العاشرة من عمرها الى مكتب الجمعية وقدمت روبية قائلة انها جمعتها من يوميتها.