الصورة القابضة على لحظة الاغتراب

(سلام على بغداد أنموذجا)
علوان السلمان

النص الشعري..اشتغال لغوي تتساوق في جمله العناصر المعبرة عن الجمال وكوامن الوجد عبر صور تمازج ما بين الخيالي والواقعي في سياق حسي مقترن بالحياة بذهنية متحفزة تشكل رؤيتها بنزوع انساني..
وبتفكيك النص الشعري(سلام على بغداد) الذي نسجت عوالمه الحالمة انامل الشاعر قيس مجيد علي الذي يندرج تحت اطار البنى الاسلوبية الفراهيدية مبنى ومعنى..مع استثمار الطاقة الصورية الشعرية على اساس فني وفكري يعتمد على ترابط كلي بين الوحدات الشعرية التي شكلت البناء النصي بخيط رفيع يحقق وحدته الموضوعية ويخلق الممكنات الجمالية..
سلامٌ على بغدادَ مهد طفولتي
سلام على اهلي وصحبي وجيرتي
سلام على الجسر الحديدِ ورمزِه
سلام على الفتيان يرجون عودتي
سلام على النهر الذي ظل ماؤه
الى الآن عذباً رغم بعدي وحيرتي
سلام على الشمس الرقيقةِ تنثني
على وجــه اطــفالٍ كــرامٍ اعــزةِ
سلام على تلك الليالي وسحرِها
وكأسٍ بكل الذكريات شريكتي /ص32
فالنص تهيمن عليه الذاكرة التي تزيح الرؤية البصرية لصالح الرؤية الذهنية بسلوك المنتج(الشاعر) المغامرة والاغتراب داخل عوالم النص الشعري ليضمن ساعيا نتائجهما المؤثرة باتقانه لتكوينهما الداخلي والخارجي(الذاتي والموضوعي)..مع قدرة في توظيف الطاقة اللغوية المتفجرة..الكاشفة عن قدرته في شحن الالفاظ بدلالات غير مألوفة من اجل التحليق في افق الصورة الشعرية عبر بنية نصية تعتمد التكثيف والايجاز والرمز واسلوب السرد الشعري..ابتداء من العنوان الايقونة الدلالية المانحة للنص هويته التي حدد دورها( ليو هوكleo hok) .في(الاستثارة والتنبيه والاختزال..)..كونه يشكل العتبة الرئيسة لجواز الدخول لاستقراء عوالم النص ومؤثثاته واستجلاء مكامنه..
سلام على الحب الذي عاش صحوةً
يغالب مني الــقلبَ في كــل لحــظةِ
فمن اين يا بغدادُ آتي بدجلةٍ
ومـن ايـن آتـي لاغــترابي بـقــدرةِ
فهذي عيونُ الناسِ ترنو لمَنْظَرِ
وعــيناي تبــكي باشــتياقٍ ولهــفةِ
فما من خيول الصبر تنفع مُبعَدا
ولا من مجيب الصوتِ يكسرُ وحدتي
أرى الناس أشباهَ الطيورِ ولا أرى
لطيــركِ فيه ما يُشــجع رغبتي/ص33 ـ ص34
فالشاعر يتخطى الحسيات الى أفق الرؤيا بمخاطبة الاستثناء(بغداد) بلغة التشظي فيحاول لملمة الجزئيات الخالقة لصورها عبر جمله المجازية..مع توظيف سايكولوجية التواصل الشعري في سياق حسي مقترن بالحياة بكل موجوداتها عبر ذهنية متحفزة تسعى لتقديم رؤية شعرية تلخص الواقع واشياءه ببوح وجداني ونزوع انساني مأزوم.. كونه يشتغل على استقراء العواطف ورصد التقارب الوجداني من خلال نصه بتلاحق صوره القابضة على لحظة الانفعال والشوق..مما يمكنه من الانفتاح على تقنيات السرد البصري الذي يتطلب حضور المكان الحاضن لفعله وانفعالاته..اضافة الى توظيف تقانة التكرار الاسلوب التوكيدي الذي يضفي على النص موسقة مضافة.. فضلا عن الاستغناء عن التفاصيل بتوظيف المجاز والرمز والاستعارة اللفظية المضفية على النص عمقاً فكرياً وجمالياً..
تباعدتِ بغدادُ الجميلة عنوةً
واني الى عينيك اسعى بمهجتي
لقد كان في شوقي لهيبٌ وما درى
بكل انتزاعِ الدمعِ يقتلُ بسمتي
فيا نازعاتِ البعدِ أين تسلسلي
وأين الذي يُفضي الى وجه مكتي
ألا أسعفي الحيرانَ ليلةَ خلوةٍ
فــقد مات حــزناً والــحياةُ بغفــلةِ /ص35
فالنص يمثل ذاكرة باعتماد الحوار الذاتي(المونولوجي) المتميز بانعكاسات اللحظة والذوبان في مشهدية دينامية بعضها ذهني يسهم في توليد الصور المحفزة للذاكرة ويحقق البناء المشهدي موضوعياً بتتابع مختزل يتميز بعمق المعنى والمبنى والدلالة عبر مسارات متنامية حاولت تأطير الحدث بأطر حكائية مع تعاقب الافعال وانسيابها واسترسالها وانثيالاتها..
وبذلك قدم الشاعر نصاً يعزز اللغة المجازية المتكئة على الصورة الفنية ذات الظلال المشبعة بالرمز المكاني والدلالة الموحية باجوائها المحركة للحواس الشعورية وائتلاف الجمل والتناغم الصوري والايقاعي الذي يأخذ نسقه من عاطفة الذات الغارقة في الوجد الحالم..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة