المؤتمر العلمي الثاني لوزارة الموارد المائية
(1ـ3)
بدعوة من السيد وزير الموارد المائية الدكتور حسن الجنابي شارك الدكتور مهدي الحافظ والدكتور عبد اللطيف جمال رشيد مع عدد من الضيوف في المؤتمر العلمي الثاني الذي انعقد في محافظة ميسان. 26-7-2017
وقدمت في المؤتمر العديد من البحوث والدراسات التي تناولت معالجات الاشكالات التي توجه الموارد المائية في العراق
الصباح الجديد تنشر ورقة العمل التي قدمها النائب المستقل الدكتور مهدي الحافظ , وكلمة الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد المستشار الاقدم لرئيس الجمهورية
ورقة العمل التي قدمها
الدكتور مهدي الحافظ
القسم الاول
يسرني غاية السرور ، ان اشارك في هذا اللقاء الاقتصادي المهم المكرس لبحث معضلات واحتمالات تطور الموارد المائية في العراق في المؤتمر العلمي الثاني هذا
واود في البداية ان اتقدم بالتحية والتقدير للسيد وزير الموارد المائية الدكتور حسن الجنابي وجميع المشاركين والمدعوين لهذا اللقاء المميز .
فالعراق اليوم يقف صامدا بوجه جميع التحديات واعطى المثل على الصمود والكفاح المتواصل لتحرير الاراضي المحتلة ودحر الارهاب وفتح طريق جديد للتنمية والتحرير الكامل . فالموارد المائية هي محور الطاقة والحياة في العراق وكانت ومازالت محط الامال الوطنية لتحقيق الاهداف المرجوة في هذا القطاع الانمائي المهم.
دعوني اولا ان اتناول عددا من القضايا والمحاور الاقتصادية ذات الاهمية الجوهرية لمستقبل العراق وتطوره الاقتصادي وذات التأثير المباشر على نمو وازدهار هذا القطاع الحيوي في العراق .
طابع الاقتصاد العراقي
كما كان من قبل ، مايزال الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا مشوها وغير متوازن .
النفط هو الاساس بفضل الاحتياطي الكبير الذي يمتلكه البلد .( اكثر من 153 مليار برميل ) بحيث يحتل ثالث موقع في الخارطة العالمية لاحتياطات النفط بعد السعودية وكندا . ثم يأتي الغاز وهو مادة رائجة هذه الايام ويحتل العراق عاشر أو ثاني عشر موقع في الخارطة العالمية للغاز.
والى جانب ذلك ، لاتوجد رؤية اقتصادية ولا سياسة اقتصادية وطنية ثابتة تغطي العراق ككل . بحيث باتت خطط التنمية المعلنة لاتلزم الدولة ككل ، بل هي مؤشرات نظرية لاتبشر بما هو مطلوب في هذه الفترة على صعيد التنمية الحقة . ثم هنالك ظاهرة خطيرة اخرى ، هي ضعف الادارة العامة للدولة او ما يسمى بضعف الحوكمة الاقتصادية . قبل اربعة عشر سنة ، عند التغيير الكبير في 2003 ، كان الرأي السائد هو ان يعاد هيكلة الاقتصاد ويعطى القطاع الخاص والاستثمار الاولوية في سلم السياسات الاقتصادية . الا ان النتائج للاسف لم تكن كذلك . واليوم مطلوب منا ان نعالج جذريا الهيكل الاقتصادي بحيث يعاد النظر بهيمنة القطاع العام وتمكين القطاع الخاص من ان يلعب دورا رياديا في جميع القطاعات ومنها القطاع المالي والنقدي والمصرفي . وهنا نشير الى ان اعادة هيكلة بعض المؤسسات غير المنتجة والتابعة للقطاع العام سيحرر الموازنة من عبء كبير يبلغ اكثر من ثلاث مليارات دولار . كما ان الترهل « التضخم « في جهاز الدولة جعل العراق اول دولة من حيث نسبة الموظفين الى مجموع السكان وهي حالة تضعف الاستثمار الانتاجي في الدولة فيوجد الان نحو سبعة ملايين موظف ومتقاعد الامر الذي يجعل الاتكال على نفقات الدولة بما فيهم العائلات نحو ثمانية وعشرين مليون شخصا في بلد سكانه يبلغ نحو ( 36 ) مليون نسمة ، مع الافتراض بأن كل موظف يعيل نحو اربعة اشخاص كمتوسط .
ان انتشار الفساد والبطالة وضعف الانتاجية والرقابة هي عواقب ملحوظة في الحياة الاقتصادية وتحتاج الى علاج جذري . فلايمكن لقطاع واسع من المواطنين ولاسيما الشباب ان يستمروا اسرى للحاجة والبطالة والفقر .
ان ريعية الاقتصاد والخضوع لهيمنة النفط كانت وما زالت عقبة في طريق تطوير الاقتصاد الوطني على اساس التنويع والتوازن . فالزراعة والصناعة والسياحة مجالات مهمة يجب الاهتمام بها واعطائها موقعا كبيرا في خلق الناتج المحلي الاجمالي وتخليصها من حالة التخلف الكبير.
لعل الاستمرار في الخضوع للنفط ، سيؤدي الى اتساع ما يسمى بـ « نقمة الموارد « او « تناقص الكثرة « الامر الذي يلقي مسؤولية كبيرة على الدولة لتدارك هذه الحالة مستفيدة من تجارب البلدان الاخرى التي شهدت حالات مماثلة .
والواقع ان مجموعة من الاجراءات يجب ان تناقش ومنها ازالة القيود على عملية الاستثمار وتحسين كفاءة وانتاجية القطاعات ولاسيما الكهرباء والخدمات ونشر الشفافية في استعمال الموارد واعادة توزيع الثروة على اسس سليمة وتقوية العمل المؤسسي للدولة ونبذ التحكمات الطائفية ، وصياغة سياسة اقتصادية وطنية فعالة .
يقال الان عن العراق بأنه يسير في خط تنموي ملتوي . ومطلوب ان يعاد النظر بمقومات ووجهة التنمية المقبلة ، بحيث يتم الانتقال من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد انمائي متوازن ومتنوع .
التنمية المتوازنة
قبل عدة سنوات ، صدرت دراسة عميقة للبرنامج الانمائي للامم المتحدة تبحث في التداعيات الاقتصادية الناجمة عما يسمى « بالربيع العربي « . وتخلص الى الدعوة للانتقال من « الاقتصاد السياسي للدولة الريعية « الى النموذج التنموي الجديد الهادف للعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الانسانية والاقتصاد بقيادة القطاع الخاص .
اذ جرى التأكيد على الحاجة لكسر الحلقة المفرغة المميزة للانظمة السائدة في العالم العربي ومنها العراق والمعتمدة على الانصياع للدولة وتمكينها من التصرف بشؤون المجتمع والاقتصاد بحدود كبيرة مما خلق حالة ملحوظة ومهيمنة من تزاوج « السلطة « و « الثروة « . وما يصاحبها غالبا من ممارسات سيئة فيما يتعلق بهدر المال العام والفساد والمحسوبية وخلق تفاوت مريع في الاحوال المعيشية للناس.
ان النجاح الكبير في المجال السياسي وميلاد سلطات سياسية جديدة ليس كافيا مالم يقترن ذلك بتحول اقتصادي سليم يصون المكاسب الديموقراطية ويدفع المجتمع الى مزيد من الانجازات ، لذلك يجري الاهتمام بخلق نمط جديد من التعاقد الاجتماعي ( Social contract ) يتجاوب والحاجات التنموية المقترحة ويتمثل بما يسمى بـ « المسائلة المتبادلة « بين الدولة والمجتمع . وهي تدور اساسا حول الالتزامات المتقابلة بين المواطنين من ناحية والسلطات الحاكمة من ناحية اخرى .
فالأنظمة الحديثة تنهض على قاعدة النظام الضرائبي كالتزام مباشر من افراد المجتمع مقابل التزام من جانب السلطة في توفير واحترام الحريات والاسس الشرعية لنظام الحكم وتداول السلطة بصورة ديموقراطية .
لقد اصبح هذا الموضوع مثيرا للاهتمام بحيث يشغل اليوم مساحة واسعة من الجدل والمناقشات في ندوات محلية واجنبية . والسبب يعود ليس فقط للجانب الاقتصادي والاجتماعي على اهميته الفائقة ، بل وكذلك الى الارتباك والعجز الذي ميزا السيرة الانمائية للعراق فضلا عن الارتباك الملحوظ في الرؤية الاقتصادية الرسمية .
ليس غريبا ان تثار هذه المعضلة الان بل ان التباطؤ المستمر في معالجتها تحول الى عبأً ثقيل على اداء الدولة ككل وكشف بوضوح حالة الاتكال الكامل على مورد ريعي واحد معرض للنضوب ، وهو النفط . فالنفط الان هو خبز الحياة لغالبية المواطنين والقطاعات الاقتصادية ومؤسسات الدولة ورجال الاعمال . هذه حالة محدودة الوجود ، الا في عدد معين من الدول الريعية ذات الموارد الاخرى الضئيلة.
دور القطاع الخاص
والواقع كان السؤال البارز دوما في معالجة الحالة الاقتصادية في العراق ، كيف يمكننا توصيف حالة القطاع الخاص في العراق ، من حيث دوره في عملية النمو وموقعه في الهيكل الاقتصادي وحصته من الناتج المحلي وغير ذلك من السمات الجوهرية للتنمية الوطنية . ذلك ان اداء القطاع الخاص في المجالات هذه ، يشكل عاملا حاسما في تقييم مكانته الاقتصادية .
ويمكن ادراج عدد من الخواص هنا لتأكيد طابعه الراهن في التنمية الوطنية .
1. لقد اصبح القطاع الخاص مقاولا ( للقطاع العام للدولة ) ، شأنه في ذلك شأن المقاولين الاخرين ، المحليين والاجانب . اي انه يتوخى الربح من الدولة ( من عوائد النفط ) لقاء خدمات معينة ينجزها وفق اتفاقات وعقود مع المؤسسات الرسمية .
2. ان تحليل فاعليات القطاع الخاص تكشف عن انه سيستمر في الانشطة ذات الربح السريع وترتكز على العمل الفردي ، اي يتصف بكثافة العمل وقلة رأس المال .
3. يشغل القطاع الخاص موقعا تابعا وهامشيا الان بسبب اعتماده على الانفاق الحكومي مما يحدٌ من ظاهرة المنافسة تجاه السلع والخدمات المستوردة . وهذه الظاهرة ملحوظة بوضوح في الاسواق المحلية العراقية على نطاق واسع .
4. يواجه القطاع الخاص ورجال الاعمال العراقيون معوقات ضخمة سواء بسبب بيروقراطية الاجهزة الحكومية او استمرار قوانين وتشريعات قديمة ومعرقلة يتجاوز عددها الالاف . وهي بحاجة الى اعادة نظر واصلاح جذري.
تقرير البنك الدولي
اضافة الى ذلك يجدر ان نشير الى تقرير البنك الدولي حول الحالة المالية في العراق فقد توجهت « وزارة المالية « و « البنك المركزي العراقي « بطلب الى البنك الدولي لاجراء كشف كامل عن الحالة المالية والنقدية في العراق . وتحقق ذلك وصدر تقرير مهم للغاية في عام 2011، يعالج هذه الحالة ويدعو الى مجموعة من التوصيات والاستنتاجات . وجرت مناقشة هذه النتائج في ضوء التقرير الرسمي الصادر عن « البنك الدولي « ويحمل توقيعي وزير المالية ومحافظ البنك المركزي تحت عنوان: Financial sector Review .
ان اهمية هذا التقرير تكمن ليس فقط في جوانبه التحليلية العميقة لمحاور الحالة السائدة في العراق ، سواء كانت في القطاع المصرفي ( الحكومي والاهلي ) ولا في عرض المعوقات والمعضلات التي تقف في وجه اي تطور ايجابي ، بل ايضا في بلورة مجموعة مهمة من الاستنتاجات والتوصيات الداعية لتجاوز الازمات الموجودة ووضع البلاد على بوابة التقدم المنشود .
ومن هذه الاستنتاجات البارزة ، اعتبار اوضاع القطاع المصرفي الثغرة الاكبر في الحالة المالية والنقدية . وكذلك الدعوة الى اعادة هيكلة مصرفي « الرافدين « و « الرشيد « اللذين يستحوذان على اكثر من ( 90 ) بالمئة من الودائع المصرفية الحكومية. وهي مسألة ليست جديدة ، بل جرى بحثها عدة مرات على صعيد الهيئات المسؤولة ابتداء من « مجلس الحكم « في 2003 – 2004 والوزارات المتعاقبة والى المذكرة المشتركة لوزارة المالية والبنك المركزي الصادرة في 2006 .
ان التباعد الملحوظ بين المصارف الحكومية ( وهي ستة مصارف ) والمصارف الاهلية التي تجاوز عددها الاربعين تقريبا ويشرف عليها البنك المركزي يدعو الى التفكير الجاد والبحث الموضوعي .
فالمصارف الاهلية كانت وما زالت محدودة الاهمية من حيث الحجم المالي والاداء اليومي ، غير انها تمثل اتجاها كبيرا لدعم القطاع الخاص وتوفير الجو المطلوب للاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية او حرية المنافسة والتطور الواعد لبناء تجربة اقتصادية جديدة في العراق ، هذا المبدأ الذي يتكرر باستمرار في ادبيات الحكومة والهيئات الاقتصادية المختلفة . لهذا تجد ان تقرير « البنك الدولي « ينتقد هذا التفاوت في رعاية المصارف ويدعو الى مساندة المصارف الاهلية وتوفير بيئة متشابهة لكلا المجموعتين على صعيد الامتيازات والرقابة الرسمية بل يبني امالا كبيرة على الدور المحتمل والمتقدم للمصارف الاهلية وتمكينها من المشاركة الفعالة في قيادة الاقتصاد الوطني.
ان العودة لتقرير « البنك الدولي « ، هو امر تفرضه الحاجة الاقتصادية للبلاد كما انه استجابة سليمة للالتزام الذي تمثل بموقف وزارة المالية والبنك المركزي والذي انعكس في توقيعهما المشترك على التقرير ذاته . والواقع ان معالجة حالات الاختلال والارتباك في القطاع المالي والنقدي تتطلب درجة عالية من الهدوء والموضوعية والشعور بالمسؤولية الوطنية والافادة النزيهة من التجارب الاقتصادية للبلدان الاخرى ضمن آفق عصري متطور وهادف لتعزيز موارد العراق المالية واستثمارها بشكل صحيح ومثمر .
اهمية التمويل الخارجي:
العلاقة مع IMF
من الضروري ان نلقي ضوء على التزامات الحكومة العراقية ازاء صندوق النقد الدولي IMF . فبسبب زيادة الانفاق العسكري ومواجهة « داعش « الذي سيطر على حوال ثلث الاراضي العراقية كذلك الانخفاض المريع لاسعار النفط برزت الحاجة الى تنظيم العلاقة مع المؤسسات المالية العالمية ولاسيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعدد من المؤسسات الدولية الاقليمية . فصدر من الحكومة العراقية اتفاق رسمي تضمن « خطاب نوايا « ومذكرة سياسات اقتصادية ومالية ، للحكومة العراقية. وسميت هذه الفترة بالمرحلة الانمائية في السياق العام للعلاقات المالية الخارجية .
ان اهم ماتضمنته مذكرة السياسات مايلي :
1. توصيف الحالة المالية في عامي 2015 والصورة المحتملة لعام 2016 .
2. اصلاح السياسة النقدية والادارة المالية العامة وضبط الرقابة على النشاط المصرفي .
وكان من نتائج ذلك مراجعة نقاط الضعف في مؤسسات الدولة والبحث عن حل لمشكلة غياب الامن والاستقرار وتثبيت مبدأ المصالحة وتكافؤ الفرص بين المواطنين .
لقد برزت مؤخرا الحاجة للموارد الخارجية واهميتها في دعم الحالة الاقتصادية في العراق . وانعكست في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي WB . ففي كانون الاول 2016 جرى الاتفاق بين الحكومة العراقية وصندوق النقد الدولي على مايسمى بـ ترتيبات نقدية جديدة SBA وتتضمن حزمة من القروض الميسرة Soft Loans للعراق وتبلغ 5,3 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات . وقد دفع منها للعراق 618 مليون دولار كقسط اول .
اما البنك الدولي فقد عرض حزمة مساعدات Aid Pachage بمقدار 1,48 مليار. ومنها 372 مليون من المملكة المتحدة و 72 مليون من كندا .
ان التمويل الخارجي كان له دور ايضا في تغطية عجز الموازنة لعام 2017 مما يؤكد اهميته الاقتصادية للبلاد . فهذا النوع من التمويل ينشأ عن دوافع مالية صرفة ، ويلبي حاجة وطنية دون شك.