محلة الشماسية للمسيحيين البغداديين بعد المدائن وقطيعة المنصور

طارق حرب
كان تواجد المسيحيين في مناطق كثيرة منذ القرن الميلادي الأول، وفي قرى كثيرة في بغداد الحالية، منذ ان دخلت المسيحية بلاد الرافدين، وظهرت الحاجة الى (الابرشيات) والمطران الذي يرأس الاساقفة والسلطة العليا في شخص الرئيس الاعلى الاب الجاثليق، والتي عرفت باسم كنيسة المشرق، واتخذ الجاثليق من مدينة المدائن او سلمان پاك عاصمة الدولة الساسانية في جنوبي بغداد، مركزا لكرسيه، وكانت تسمى ايضا كنيسة فارس، او كنيسة النسطورية، لانها تبنت المذهب المسيحي الذي نشره البطريرك «نسطور»، وكانت القرى الموجودة في الاراضي التي تولى المنصور بناء بغداد عليها، او بجانبها، كقرى درتا، وسونايا، وبراثا، والتي كانت ضمن السلطة الروحية الدينية للجاثليق المقيم في المدائن، التي كانت مركز الجثالقة، بطارقة كنيسة المشرق في المدائن، وكان اول جاثليق قدم الى بغداد بعد بنائها وسكنها هو طيثماوس الاول عام ١٦٣ هجرية اي قبل مضي مدة لا تزيد على ١٥ سنة من بنائها في زمن الخليفة المهدي بن ابي جعفر المنصور.
وحيث ان المسيحيين يسكنون شتى الارجاء التي قامت عليها بغداد، ولكن كانت هنالك منطقة يطلق عليها من دون سواها باسم قطيعة النصارى، وموقعها بين نهر الدجاج، ونهر طابق في الجنوب الغربي من بغداد، أي فوق الجزء الجنوبي من منطقة الشالجية الحالية، ممتدة الى الغرب، ويقال انها كانت هبة من المنصور لمسيحيي بغداد، او ان اسمها هذا بسبب تجمع المسيحيين فيها، وقد تكلموا في سبب تولي المنصور اقتطاعها للمسيحين، وهل كان تعويضا عن الاراضي التي أخذها المنصور منهم، او ان كان وراء ذلك اسباب سياسية وامنية.
واذا كانت منطقة مسيحيي بغداد في غرب بغداد اي الكرخ، فأنهم اتتقلوا شيئا فشيئا الى شرق بغداد اي الرصافة، وكانت محلة الشماسية في الشمال الشرقي من بغداد اكثر اماكن بغداد سكنا من المسيحيين، وهي في الجزء المقابل للحربية، او الكاظمية، وتمتد من النهر شرقا، بحيث تضم محلة هيبة خاتون، ومحلة راغبة خاتون، اي منطقة الصليخ، والشماسية الحالية، في منطقة فاصلة بين الاعظمية في شمالها، ودجلة غربها، والكسرة جنوبها، اما شرقا فتمتد الى مسافات بعيدة، وكان نهر الفضل الذي يتفرع من نهر الخالص، يروي الشماسية، ويصب في دجلة عند باب الشماسية، حتى سماه البعض نهر الشماسية، وكان فيها دير درمالس قرب دار احمد بن بويه، الملك البويهي في احسن موقع، كثير البساتين والأشجار، وهو كبير، آهل برهبانه، وقساوسته، والمتبتلين فيه، ويحتفلون بعيد هذا الدير في يوم الاحد من الصوم الكبير،
وكذلك يوجد في الشماسية دير سمالو على نهر المهدي، وحوله بساتين واشجار ونخل، وكان حسن العمارة آهل بمن يطرقه، وبمن فيه من رهبانه، وفيه عيد الفصح ببغداد، ولا يبقى مسيحي الا حضره وتقرب فيه، ولا من اهل الطرب واللهو من المسلمين، الا قصده للتنزه فيه، وهو احد متنزهات بغداد المشهورة وقال فيه الشاعر:
ولرب يوما في سمالو
فيه السرور وغيبت احزانه
فأمرت ساقينا وقلت له اسقنا
قد حان وقت شرابنا وأوانه
واسم الشماسية منسوب الى وظيفة الشماس، وهي وظيفة كنسية تشير الى مساعدة القسيس في الطقوس الدينية، او ان عددا من الشماسة شيدوا دورهم هناك، حتى اصبح الناس يشيرون الى هذه المحلة بهذا الاسم، وهذا الاسم يشير الى ان نسبة عالية من سكانها كانت مسيحية، ويظهر ان الدولة العباسية كلما أسرت بعض المسيحيين في حروبها كانت تنزلهم فى الشماسية، كما فعل الخليفة الرشيد عام ١٦٣ هج، اذ اسكن بعض الاسرى من اهل سمالو في الشماسية، وكما فعل قبله والده المهدي حيث انزل الروم في شرف باب الشماسية، وبنى لهم بيعة، وديرا، وكانت هذه المحلة مشهورة بهذا الاسم النصراني منذ صدر العهد العباسي، ولطيب هوائها ومجاورتهـا لنهر دجلة، دفعت معز الدولة لبناء دار منيف، بناءً على نصيحة الأطباء.
ومن اشهر طرقها طريق البردان الذي يقسمها الى قسمين، وحيث كانت الشماسية تتصل بشارع الميدان والى سوق الثلاثاء، وكان فيها سوق الوزير خالد البرمكي، وقصر ابنه المسمى قصر الطين، وقد استطاب البرامكة السكنى في الشماسية، وكانت فيها محلة سمالو، وقريبا منها دار الروم نسبة الى الاسرى الروم، وشيد فيها الجثالقة دورا كثيرة، فيها وحلّ فيها الكثير من البطارقة، واستمر العمران والسكنى في الشماسية حتى سقوط بغداد، اذ يذكر ابن الطقطقي في كتابه الفخري مداهمة الخراب للشماسية، وقد بدأ بعد الشماسية ومنذ قرون سابقة، وفي منطقة الرصافة أيضا، محلة عقد النصارى، التي ظهرت قبل خراب الشماسية بكثير، ولكن ظهورها بعد ظهور الشماسية .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة