«الهروب من الظلمة» وتمكين الشباب من استئصال منظّم لدمار داعش والتعصب

بعد مآسي الحروب والقتل التكفيري
بغداد ـ حسين الساهي:

عندما يذكر اسم العراق او وادي الرافدين، يستذكر المتلقي شرعة حمورابي، واختراع الكتابة وقبلها العجلة، وقبلهما الزراعة…فوادي الرافدين في ذهن الإنسانية يعني تحضر البشر، شان التحضر في وادي النيل وهضبة فارس والسند ووديان انهار الصين الكبرى السبعة.
لكن المتلقي نفسه اليوم تنطبع في ذهنه مآسي الحروب والقتل التكفيري ومعاناة الأطفال والنساء وبقية العراقيين، بفعل فتن الطائفية والتعصب القومي والأنعزالي وهجمة داعش الظلامية.
لكن النخب العراقية مدعومة بإرادة دولية من المانحين تسعى إلى دعم الجهد الوطني لإستعادة السلم الآهلي والتعايش المجتمعي بالتخلص من مسببات الأزمة، التي في مقدمتها التطرف المتأتي من الجهل بقيمة السلم المجتمعي في خلق فرص حياة لائقة للجميع. وهي المهمة التي تتكفل بها مؤسسات رسمية وشعبية متعددة، في مقدمتها رئاستي الجمهورية والوزراء والعديد من منظمات المجتمع المدني الفاعلة.
وتأخذ بعض مؤسسات المجتمع المدني، على عاتقها مهمة معالجة و»استشفاء» حالات مرضية ناجمة عن محن الحروب والنزاعات التي عاشها العراقيون وترسباتها خلال قرابة الأربعين سنة المنصرمة، منذ الحرب العراقية الإيرانية…
فـ»الهروب من الظلمة» برنامج يعنى بالحالات النفسية التي يعاني منها أطفال وشباب وشابات وبقية المواطنين، يتولاها 36 طبيباً عاماً في 36 مركزاً صحياً، موزعة كما يلي: دهوك 12 مركزاً صحياً، بغداد 8 مراكز، النجف 8 ، بابل 8. ويساند عمل كل طبيب باحثان نفسيان.
وضمن خطة «الهروب من الظلمة» الذي يرعاه مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأميركية وتنفذه مؤسسة AMAR الخيرية الدولية، تدريب مدراء المدارس ومعلم مساعد لكل منهم على تقديم المعونة النفسية الأولية من خلال دروس تعنى بتسليط الضوء على المشاكل النفسية التي يصطدم بها التلاميذ والطلاب وبقية الشباب.
وعملياً لاقى هذا البرنامج استحساناً واسعاً ليس من خلال إشادات وشهادات قيمة فقط، مثلما تطرق له أ. د. حسين علاوي مستشار وزير الداخلية، إنما من خلال الأقبال الواسع على البرنامج من قبل شرائح اجتماعية متنوعة. يذكر ان برنامجاً إذاعياً يبث اسبوعياً من إذاعة الناس لمدة ساعة لتسليط الضوء على سبل العلاج الأولي للمشاكل النفسية.
والمؤكد هو ان الحالات النفسية هي نتيجة لأسباب متعددة، في مقدمتها العنف الأسري الذي يولد العنف المجتمعي (التطرف والتعصب) الناجمة جميعاً عن الجهل والتخلف والحرمان، بفعل البطالة والفقر وعدم مواكبة مسيرة التقدم في القرية الكبيرة (العالم) في زمن العولمة. وAMAR التي تدير 6 مراكز صحية، 5 منها في إقليم كردستان العراق تعنى بالنازحين من هجمة داعش الظلامية، تعي المعاناة الكبيرة لمن هُجر من سكنه وسُلخ من حياته الطبيعية، فبجانب الدعم النفسي الأولي والتخصصي في مراكز بحركة في أربيل، وخانكه ومامليان وآسيان وقيماواه في دهوك، حيث قرابة 120 الف نازح ومستفيد من خدمات المراكز، تحرص AMAR على مواصلة برامج خاصة لتمكين الشابات والشباب وبقية نزلاء المخيمات على تعلم مهن ولغات وتطوير الذائقة الإنسانية من خلال دورات لتعليم الخياطة، والحلاقة وتصفيف الشعر والتجميل، والحاسوب وصيانته، واللغة الانجليزية، ومحو الأمية، والموسيقى.
وقد كانت مناسبة اشاعت في مخيم خانكه الابتسامات العريضة، برغم احزان النزوح وفراق الديار والحرارة المرتفعة، عند تخرج وجبة جديدة من تمكين النازحين ضمت 50 خريجاً، بدت الثقة واضحة على وجوههم وهم يتلقون شهادات التخرج، وعيونهم تلمع بتفاؤل لا يخلو من بقع حذر كامنة، وكأن كل من الخريجات والخريجين يقول: «نعم حياتنا صعبة بعد ان دمرت احياؤنا حيثما تمددت داعش الظلامية، لكننا مجهزون بخبرات مضافة لنحقق حياة افضل».
انها محاولة منظمة لـ «الهروب من الظلمة» بالتوعية النفسية والتمكين في الحصول على مهنة تضمن مورد رزق حلال بكرامة من يعمل فيضيف في المجتمع قيمة جديدة بفكره وعرقه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة