السلمي واللاسلمي

اذا كانت المدنية والحضارة ميزة نوعية محددة للمجتمعات تميزهاعن البيئة المحيطة لمجتمعات اخرى تتخذ من الوحشية والبربرية منهجاً وسبيلا في حياتها فان المجتمعات المتحضرة تمنح وصفاً للدرجة العليا للتطور الثقافي الاجتماعي في اية دولة ومنذ عصر التنوير في القرن التاسع عشر اجتهد الكثير من المفكرين في وضع اسس التعامل الحضاري مع الاحداث وحاولوا رسم معالم خارطة طريق تجنب الامم والشعوب مظاهر القتل والدمار واستبدال الحروب كشكل من اشكال تقرير المصير بصفقات السلام والحوار والاتفاق السلمي وصولا الى التداول السلمي للسلطة وبقيت نصوص وكتابات هؤلاء المفكرين المتنورين والمصلحين ودعاة السلام منارات يستضيء بها دعاة الحرية والتحرر من بطش الانظمة المستبدة والفاسدة وفي المقابل حرصت الانظمة الديكتاتورية ودعاة التفرد والاستبداد على انتهاج الوحشية والرعب والتخويف في كبح جماح حركات التغيير في شتى دول العالم واتساقا مع هذين الاتجاهين تمحورت التحالفات العالمية وظهرت لنا مجوعات دولية متحالفة تبعا لايدلوجيا وثقافة نظام الحكم فيها ونشبت الحربان العالميتان الاولى والثانية من دون ان تكون للشعوب يد فيها او دور في قرار اعلان الحرب فقد اسهمت فلسفة انظمة الحكم انذاك في مصادرة اراء الشعوب وجرى الانجرار وراء شعارات التوظيف السياسي وتحريك الرأي العام في الاتجاهات التي يريدها القادة والحكام ومن هنا تبرز اهمية الانسلاخ من عصر الديكتاتوريات والانصهار في عصر الديمقراطية فمشاهد الانقلابات والتآمر والقتل والغدر بقيت طوال قرون طويلة تغذي شهوات الحكم ونزوات الطامعين في السلطة وبرغم مرور عهود طويلة على مغادرة انظمة الحكم الاستبدادية في اوروبا التي انتهت مع نهاية انظمة الحكم الشوعي في بلدان اوربا الشرقية وزوال الاتحاد السوفيتي كقطب عالمي داعم لهذه الانظمة الا ان مظاهر التكالب على العروش والكراسي مازالت ماثلة في دول الشرق الاوسط ومازال خطر الاقتتال بين الاسر الحاكمة والمجموعات السياسية المختلفة قائما وفي العراق يستذكر العراقيون في هذه الايام من شهر تموز ثلاثة انقلابات غيرت مسارات حياتهم وسيكون من السابق لاوانه القول ان التداول السلمي للسلطة قد اخذ مجراه مع الانعتاق من النظام الديكتاتوري والانصهار في الديمقراطية فمصطلح التداول السلمي هذا سمع وقرئ عنه كثير من العراقيين منذ سقوط النظام السابق من دون ان يتعايشوا معه على ارض الواقع فالتشبث بالمناصب والتآمر والتخويف والتخوين عناوين ماتزال عاملة في الاداء السياسي وهي اليوم لربما تمثل بديلا عن الانقلابات ومشاهد القتل والسحل لرجالات الحكم في شوارع بغداد في العهود السابقة.
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة