القسم الأول
احمد موسى جياد
توفر البيانات العراقية عن صادرات النفط وايراداتها في النصف الاول من عام 2017 دليلا ماديا لتقييم اثار اتفاق اوبك الاول لخفض الانتاج على العراق وازمته المالية.
فقد شهدت اسعار صادرات النفط العراقية تراجعا واضحا خلال النصف الاول من العام حيث اقتربت اسعار شهر حزيران الى المؤشر المرجعي (بنجمارك) المعتمد في موازنة هذا العام والبالغ 42 دولارا للبرميل؛ كان العجز في عائدات صادرات النفط يعزا بدرجة كبيرة الى عدم امتثال حكومة اقليم كردستان وتأثيرها على حجم الصادرات من كركوك، مع الالتزامات المذكورة في قانون الموازنة لهذا العام، على الرغم من ان معظم هذا العجز تم تعويضه من صادرات الجنوب. ونظرا ان معظم التنبؤات تشير الى احتمالية انخفاض اسعارالنفط فان هذا قد يقود الى تعميق حجم العجز في النصف الثاني من العام.
يغطي هذا التقييم ولاغراض المقارنة تسعة اشهر مقسمة الى فترتين فرعيتين: الاولى هي المرحلة السابقة لبدء سريان قرار اوبك لتخفيض الانتاج، والتي تغطي الربع الاخير من عام 2016 ، والثانية تغطي كل الفترة الاولى لسريان تخفيض الانتاج وهي النصف الاول من هذا العام ؛ وتنقسم هذه الفترة الثانية ايضا الى فترتين فصليتين هما الربع الاول والثاني.
تتناول الورقة اولا اسعار النفط والصادرات النفطية، ثم تقوم بتقييم الاثار المترتبة على الميزانية، وتقدم في النهاية موجزاً لافاق اسعار النفط لبقية العام. وتعتمد الورقة على البيانات المستمدة من مصادر رسمية ومنها وزارة النفط.
اولا- اسعار النفط والصادرات النفطية
لقد ساد الكثير من التفاؤل في اعقاب اتفاق اوبك لخفض الانتاج الذي تم التوصل اليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 بانه سيؤدي الى تحسن اسعار النفط للتعويض عن خفض الانتاج؛ ولكن سرعان ما تبدد معظم ذلك التفاؤل (او الوهم) كما هو واضح من الرسم البياني رقم 1 ادناه.
لقد بلغ متوسط سعرالنفط المصدر من العراق (الخط الاحمر) خلال الاشهرالتسعة من اكتوبر 2016 الى حزيران /يونيو 2017 ادنى مستوى له عند 40.5 دولارات للبرميل خلال شهر نوفمبر 2016،الا انه ارتفع بعد اتفاق اوبك، بنسبة 14.5٪ خلال ديسمبر 2016
ولكن فقد هذا التحسن الكثير من القوة خلال مدة الاتفاق؛ حيث اولا، بدأت الزيادة التدريجية في السعر تتقلص خلال الشهرين الاولين من الاتفاق عندما وصل السعر الى اعلى مستوى له عند 49.13 دولاراً للبرميل خلال فبراير 2017، ثم بدأ في الانخفاض التدريجي ليصل الى ادنى مستوى له خلال كامل فترة الاتفاق، عند 42.07 دولارات للبرميل خلال حزيران/يونيو 2017. وعلاوة على ذلك، كان سعر يونيو في الواقع اقل، بمقدار 0.43 دولاراً للبرميل، عن مستواه في اكتوبر 2016
يشكل هدا الاتجاه في الاسعار مبعثا للقلق في حالة استمراره بالانخفاض حيث تبخرت كل مكاسب الربع الاول 2017 بسرعة كبيرة؛ فقد بلغ سعر النفط 48.30 دولاراً للبرميل خلال الربع الاول من عام 2017 ثم انخفض الى 45 دولاراً للبرميل في الربع الثاني ليعطي معدل 46.65 دولاراً للبرميل خلال النصف الاول من العام.
كان الاتجاه المذكور اعلاه في اسعار تصدير النفط العراقي على عكس ما كان متوقعا، حيث ان درجة الامتثال، من جانب اوبك / نوبيك، خلال الربع الثاني اكثر مما كانت عليه في الربع الاول. وهذا يشير ايضا الى ان التحسن في اسعار النفط العالمية لا يعتمد فقط على اتفاق خفض انتاج منظمة البلدان المصدرة للنفط والدول الاخرى الموقعة على الاتفاق، اضافة الى الامتثال المشكوك فيه خلال فترة الاتفاق برمتها.
الرسم البياني 1: سعر تصدير النفط (دولار/ برميل) وحجم التصدير (مليون برميل يوميا)
اكتوبر 2016:حزيران 2017
المصدر والملاحظات على الرسم البياني 1: اعداد المؤلف. البيانات الاصلية من وزارة النفط؛ الاسعار في الجانب الايسر والصادرات في الجانب الايمن
يظهر من كمية الصادرات النفطية العراقية – الخط البرتقالي (باستثناء اقليم كردستان العراق) خلال فترة التسعة اشهر ما يلي:
1. خلال الربع الاخير من عام 2016 وقبل بدء نفاذ اتفاقية خفض انتاج اوبك / نوبيك، ارتفعت الصادرات النفطية الشهرية بنحو مطرد لتصل الى اعلى مستوى لها على الاطلاق في تاريخ العراق عند مستوى 3.519 مليون برميل يوميا وذلك في شهر كانون اول/ديسمبر 2016.
2. على الرغم من ان هذه الزيادة المهمة في صادرات النفط قد ساهمت في زيادة عوائد التصدير، كما سيتم مناقشتها لاحقا، وتعكس تطورا كبيرا في الطاقة الانتاجية (التي ترجع اساسا الى نتائج جولات التراخيص) الا ان لها عواقب سلبية: اولا، المساهمة في تعميق حالة عدم التوازن التي كانت وما زالت سائدة في السوق النفطية العالمية، وبالتالي، تضعف من احتمالية تحسن الاسعار؛ وثانيا، انها تزيد من اجمالي التزامات تعويض الشركات بسبب تخفيض(كورتيلمنت) الانتاج تنفيذا لاتفاق اوبك.
وعليه فان معرفة وزارة النفط (او خلاف ذلك) مسبقا بان على العراق ان يمتثل لاتفاق اوبك، فان قرار الوزارة بزيادة معدلات تصدير النفط خلال الربع الاخير من عام 2016 كان سياسة خاطئة وفاشلة ومضرة. وكما اوضحت في مناسبات سابقة كان على العراق ان لا يقبل اصلا بمستوى واسس التخفيض المحددة له في ذلك الاتفاق.
3. خلال فترة اتفاق تخفيض الانتاج (النصف الاول من عام 2017) كانت الصادرات النفطية الشهرية اقل بكثير مما كانت عليه في شهر كانون اول/ديسمبر 2016 حيث بلغ متوسط الانخفاض الشهري 246 الف برميل يوميا، في حين ان اكبر انخفاض شهري كان 266 الف برميل في نيسان/ابريل.
من المهم ان نتذكر في هذا المنعطف ان اتفاق الاوبك يتعلق بخفض الانتاج (وليس التصدير كما يفهمه وزيرالنفط خطا). ولكن نظرا لان العراق لا يملك طاقة انتاج « احتياطية» من جهة ويجب تلبية الاحتياجات المحلية (لقطاع توليد الطاقة الكهربائية والمصافي) من جهة اخرى، فان معظم تخفيض الانتاج ينعكس مباشرة على انخفاض صادرات النفط. فعلى سبيل المثال، ارتفعت تجهيزات المصافي من النفط الخام خلال الاشهر الاربعة الاولى من عام 2017 باكثر من 5٪ عما كانت عليه خلال الاشهر الاربعة الاخيرة من عام 2016.
علاوة على ذلك، هناك مشكلة جدية وحقيقية تتعلق بالشفافية عند تقييم درجة الامتثال في تخفيض الانتاج (منذ شهر ايلول 2016 وبعد شهر من تولي الوزيرالحالي مهام منصبه تم حظر نشر البيانات المتعلقة بانتاج النفط وتوزيعه والتي كانت تنشر بنحو شهري ومنتظم على الموقع الالكثروني للوزارة منذ عام 2008) ؛ وينطبق الشيء نفسه على وزارة الموارد الطبيعية في حكومة اقليم كردستان، التي علقت نشر تقريرها الشهري منذ كانون الاول ديسمبر 2016
لكن المصادر الرسمية الدولية، استنادا الى بيانات عراقية رسمية، تشير الى ان انتاج النفط خلال الاشهر الاربعة الاولى من عام 2017 بلغ 4.574 مليون برميل يوميا، وهذا اعلى مما حدد للعراق انتاجه وفقا لاتفاقية منظمة اوبك في تشرين الثاني / نوفمبر 2016، والبالغ 4.351 مليون برميل يوميا، اي بمعدل عدم امتثال قدره 223 الف برميل يوميا.