عن التحيّز والمتحيّزين!

الانسان متحيّز بطبعه .. فهو يتحيز إلى أسرته ، عشيرته ، طائفته ، إلى قوميته ، إلى بلده ، بل حتى إلى قرصه ، ولهذا قالوا في المثل الشعبي (كلمن يحود النار لكرصته) .. ويفترض ان يكون التحيّز إلى الوطن هو الخيمة التي تغطي كل التحيّزات الاخرى ، وهذا التحيّز بطبيعة الحال يعتمد في قوته وضعفه على المتحيّز نفسه ، لذلك ، فان التحيّزات تتباين من شخص إلى شخص آخر ، فهناك من يتحيز إلى كل شيء سوى الوطن .. وآخر يتحيز إلى الوطن ويترك كل شيء سواه .. وهنا اريد الحديث عن مسيرة التحيز في العراق ، فقد اظهرت الاحداث التي مررنا بها انواعاً شتى من التحيز ، فثمة من تحيز إلى سلامته ففضلها على سلامة الاهل والوطن (فلملم جوالاته) وهرب بعيدا من دون ان يكلف نفسه حتى عناء الالتفات إلى الخلف ليلقي نظرة اخيرة إلى وطن احتضنه طويلا ، وآخر تحيز بقوة إلى خندق الطائفية ،فأمسى لا يرى غير لون طائفته لأنه اصيب بعمى الوان الطوائف !! ، وثالث ارتقى التل مراقباً لما ستؤول اليه مجريات الاحداث ليحدد لاحقا مسار تحيزه !! .. وآخر تحيز إلى الشيطان ليوقع معه اتفاقا بان يتولى هو مهام الشيطان !!..وخامس تحيز إلى الوطن بنحو اسطوري غير مسبوق فجاد بنفسه وكل ما يملك من اجل الوطن ، والجود بالنفس اقصى غاية الجود ..
وتجلت مواقف المتحيزين للوطن خلال سير معارك التحرير بنحو واضح ولافت ، فقد سجلت الكاميرات بعض المشاهد التي ابهرت مخرجي هوليود ،لعظمتها وتلقائيتها ، ومن المؤكد ان مشاهدَ اخرى كثيرة لم تتمكن الكاميرات من التقاطها ، فوثقتها الضمائر الحية ، .. فحين ينحنى جنديان لكي يجعلا من ظهريهما سلماً لنزول النساء النازحات من عربات الجيش العالية ، فهذا مشهد نادر انسانياً ، وعندما يركض جندي وهو يعلم ان قناصة الدواعش يتربصون به ريب المنون ولكنه لا يبالي بسلامته بقدر اصراره على انقاذ طفل جريح او سيدة تقطعت بها السبل ، فيتعرض للإصابة البالغة ولكنه لم يتوقف إلا بعد اكمال مهمته، فأي بطولة هذه ؟ .. وإذ يفتح العراقيون ابواب بيوتهم لأبناء المناطق التي احتلها داعش ليتقاسموا معهم رغيف الخبز، بل اكثر من ذلك يتجشم احد ابناء الشطرة في جنوب القلب العراقي السفر إلى جسر بزيبز ليصطحب معه سيدة فلوجية وابنها إلى بيته وهو لا يملك من حطام الدنيا ما يعينه على العيش ، فهذه قمة الايثار والتحيز للوطن والإنسانية .. وحين يتناخى ابناء الوطن من كل فجاج لييمموا وجوههم شطر المناطق المحررة فنرى مئات الشاحنات بعضها يتبع بعضاً وهي محملة بالغذاء والدواء ومستلزمات الحياة ، في مشهد يثير الاعجاب ، فهذا تجسيد لأسمى آيات التلاحم والتعاون الانساني .. وعندما يهب المسيحيون للانخراط في صفوف الحشد الشعبي وتختلط دماؤهم بدماء سائر العراقيين ، فأي تجسيد للوحدة هذا ؟.. مواقف تتوارى ازاءها الكلمات خجلا ويقف العالم بأسره خاشعاً متصدعاً .. ولكن حلفاء الشيطان لا يخشون ولا يتصدعون ، فهؤلاء حين يرون تلك المشاهد ، يستشيطون غضباً فيبحثون في تفاصيلها كمن يبحث عن الابرة في كومة من القش ! عن حركة هنا او صورة هناك ليتخذوا منها مثلبة للطعن والنيل من هذه المواقف السامية ، وكأنهم لا يعلمون ان الشمس حين تشرق فإن جميع النجوم تختفي مهما كان حجم تلك النجوم ومقدار اشعتها .. نعم لقد اشرقت شمس نصرنا بنور فعلنا وآن للخفافيش أن تهرب بعيداً خارج الفعل العراقي .
عبد الزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة