كربلاء ـ نبيل الجابري:
لو كنت بيننا، عنوان مشتهى لمشكلة تتصارع فيها طبقتان أحداهما ترى الناس بحسب عنصرية جغرافية أو بيئية، تجزل على فئة من دون سواها، تغدق بالعطاء بحسب الطاعة، تُمايز في الناس ما بين الحقوق والواجبات، حتى لينتهي الأمر بتسلطها أو تفردها، حينها تغدو الطبقة الأخرى مفرغة من العيش والحياة تماماً، تكابد الفقر والحرمان والفاقة، تستوطن الهامش الذي يبتكر آليات بقائه دائما عبر استدعاء منقذ أو الصراخ بكلمة أو الركون إلى حكمة الحلم، علّها تشد انتباه الآخر الذي فقد أحساسه بالمعدمين.
هنا يأتي دور المسرح مكملاً للخبز، معبرًا حيًّا عن تطلعات المسحوقين، كي يرفع شظف العيش أو يحاول لفت الانتباه، ويهشم جبروت المتسلطين، هذا كله كان في مسرحية (لو كنت بيننا) التي تم عرضها بالتعاون مع المجلس الثقافي والفني في النقابة فرع كربلاء، على قاعتها عصر يوم الخميس المصادف 4/5/2017.
أحداث المسرحية تبدأ من حوار بين شخصيتين رئيسيتين أحداهما (كاتب)، حالم يتمنى أن يموت وفي يده قلم، تمثل بالفنان جاسم أبو فياض، آخر (ممثل) لا يقل عنه حلماً، ولا رغبة في مصافحة الموت على خشبة مسرح، تمثل بالفنان «حسن النصراوي»، أنهما يتباريان في الحلم، يصوغان أسئلة شتى للخلاص من التمييز والفقر، يحلمان بشارع خال من المتسولين، أو زقاق لا تسمع فيه بكاء صبية من جوع، يسترجعان التأريخ، يقلبانه بمحراث اللوعة والتمني، يستحضران ما جاء في عنوان المسرحية، يستدعيان (عليا) في الحكم وفي القول.
هكذا ما بين قول وفصل، بلاغة وبيان، شعر ونثر، يدخل الفنان (عباس شهاب) الممثل الرئيس الثالث في المسرحية بشخصية متسول، مستثمراً فضاء الجمهور، متخذا منه خشبة ثانوية لدلالة إيحائية مكمنها أن القابل بلباس المتسول جاء من الشارع، خرج من الجمهور لنقل معاناته عبر المسرح، وليس العكس، بوصف الشارع بمعاناته مسرحاً أكبر علينا أن نتطلع له.
يصعد «عباس شهاب» للمسرح حاملا (بقجة) فيها كتاب وكسرة خبز، هكذا بصوت أجش يبدأ بالحديث عن معاناته بحوار يشترك فيه الثلاثة عن شخصية علي بن ابي طالب عليه السلام، وما بين شد وجذب وتراشق بالأسئلة يرتقي المتسول منبرا – وتلك كانت انتقالة بالمسرحية من الجدة الى الفانتازيا -كانت معالجة حقيقية لدور المنبر الذي كرس للبكاء فقط، ينتقل (عباس شهاب) لمشهد هو أعلى ما يمكن وصوله من ذروة في المسرحية عندما يحول المنبر بأعواده إلى سجن، ويحاول بحوار عالي السبك، أن يكسر قضبانه…
لتدخل بعد هذا الفنانة وداد هاشم والتي كانت تمثل دور بنت المتسول التي تمر كطيف ربما ثم ترحل، ختام المسرحية كان ملفتاً للجميع حين عاد المتسول للشارع، سالكا الطريق ذاته الذي أتى منه، وهو يصرخ أنه كان يمثل فقط.
المسرحية كانت بفصل واحد، وبممثلين رئيسيين أربعة، استثمرت المسرحين، أو الخشبتين، خشبة المسرح والجمهور، كما استثمرت بعض مؤثرات السينوغرافيا كالصوت والموسيقى والإضاءة والديكورات البسيطة التي جاءت معبرة عن الطبقة المسحوقة التي تسنمت البطولة في هذه المسرحية …
مسرحية ماذا لو كنت بيننا إضافة فنية، وعمل جاد رصين، يمثل جنبة ثقافية ملتزمة بقضاياها تجاه الفرد والمجتمع.