شكر حاجم الصالحي
يبهجني بإصراره وأدبه وحرصه على ابتكار الجديد ومواصلة اكتشاف مساحات جديدة من الابهار , والكشف عن فرائدها وعرض تفاصيلها على منتظريه , ولأنه رسّخ مقومات تجربته ــ رغم قصر عمرها الزمني ــ فقد استطاع بجداره منجزه المطبوع ان يحقق حضوراً لافتاً للانتباه في غرائبية المشهد الثقافي الملتبس راهناً , فهو لا يكفّ عن إدهاشنا وانعاشنا بما يتيسر له من انتاج يضعه تحت مرأى ذائقتنا القرائية والنقدية , على ان كامل حسن الشاعر والباحث الممتلئ حيوية وحماسة وطاقة لا يركن للتوقف عن الابداع رغم انشغالاته الحياتية والمهنية المزدحمة , فعلى مدى اقل من عقدٍ من الزمن , أضاف للمكتبة ثلاثة دواوين شعرية وبحثين مهمين في كتابين عن حركات الموت التكفيرية ودراسة موسعة عن سيرة احدى الشخصيات الفاعلة في الوسط التوعوي , ومع كل هذا النشاط فهو يستعد لإكمال دراسته العليا في آداب اللغة العربية بالرغم من تجاوزه العقد الخامس من العمر, وتقاعده من العمل الوظيفي / العسكري ـ في حين نرى ان (( بعض )) العاملين في جامعتنا ومعاهدنا لا يمتلكون حماسة كامل حسن ولا طموحاته , اذ لانقرأ لهم إلا القليل النادر من الانجازات المعرفية المطبوعة , وتلك اشكالية يعاني منها الدرس الجامعي ليس مكان مناقشة اسبابها هذا الحيز المحدود من السطور , على أية حال . (( اشرب وقتك حتّى تثمل )) ديوان كامل حسن (( الرابع )) الذي اصدرته الدار العربية للعلوم ناشرون اواخر عام 2016 م , ومن خلاله اضاف لنا بهجة وأمدّنا بنسائم الأمل , وجعلنا نفتخر بأن وطننا العراق مازال منجم الابداع والشعر, وله الريادة في الحداثة التي ارسى دعائمها السياب , نازك الملائكة , عبد الوهاب البياتي , والأجيال اللاحقة التي سارت على خطاهم الراسخة …..
تضمن ديوان (( اشرب وقتك حتّى تثمل )) قسمين عنونها الشاعر كامل حسن بــ : جالوس / تموز 2016 , و .. ومضات قصار , اضافة الى اهداء وثلاثة نصوص هي : امرأة من عسل , رعونة , ظبية جالوس , ولا ادري لِمَ لم يضفها الى قصائد القسم الأول رغم انها وليدة تلك الاجواء ذاتها , والديوان بمجمله بــ 142 صفحة , استغرق قسمة الأول اكثر من ثلثي المطبوع من ص 27 ــ ص 108 , في حين جاءت ومضات قصار من ص 113 ــ الى ص 142 , وخلا الديوان من سيرة المنتج واصداراته السابقة , لتوفير المعلومة للقارئ الذي يقرأه لأول مرة ..
على أية حال , لقد وجدته (( ومضات … )) كاشفة عن مهارة في الصياغة ووضوح في الافكار وتنوع في الاساليب , واقتصاد في اللغة وحاشدة في المعاني الصادمة , على ان الشاعر أعطى لقلمه كامل حريته في النظم والكتابة فجاءت اغلب نصوصه مستوفية لشروط شعر التفعيلة , باستثناء القليل من الومضات التي بُنيت كنصوص نثر مركز !! .. على انني اعرف ان الشاعر كامل حسن يجيد كتابة الشعر بالطريقة الكلاسيكية وله ديوان مطبوع في هذا النمط … بمعنى ان الشاعر لم يختر الكتابة بالتفعيلة و النشر قصوراً منه في معرفة اوزان الخليل الفراهيدي أو هروباً وانما اراد كما يبدو الايحاء بقدرته على النظم في مختلف الاشكال التعبيرية , وتلك من فضائل تجربته , وستكون ــ ومضات قصار ــ شواهدنا في هذه القراءة الانطباعية تمثيلاً لكامل تجربته , لعلنا نستطيع إلقاء ما يتيسر من ضوء كاشف على هذه التجربة التي عبرت عن خبرة متراكمة وفهم دقيق لوظيفة الكتابة الشعرية وضعها الصديق كامل حسن تحـت مـرأى قراءتنا هذه :
في (( وقت )) ص 122 يقول الشاعر كامل حسن :
الوقت يأكلنا
تعالوا نشرب الأيام
من ظمأ السواقي
ونمسك في جناح الصقر
كي تسمو الحياة
في هذه الومضة الموجزة نتلمس فجيعة هروب الزمن وتلاحق احداثه , ( الوقت ــ يأكلنا )) فهذا الاحساس بالفقدان يقودنا الى التشبث بالحياة / الايام ولكن بالشرب من ظمأ السواقي , التي تشير هي الأخرى الى فقدان / ظمأ ,ولكن الشاعر يرتد بقوله : ونمسك في جناح الصقر كي تسمو الحياة , والصورتان متناقضتان : ظمأ ــ حياة .. , فما الذي اراد ان يفهمنا بهذا المعنى غير الثبات وعدم الانهيار والاستسلام لضغوطات وقسوة العوامل المحيطة بنا , وإلا لا يمكن ان تُفهم هذه الومضة إلا بهذا السياق وهذا المعنى …
في حين نرى الصورة مقلوبة في (( رؤوس )) ص 130 اذ يقول :
الوسائد بانتظار الرؤوس
والرؤوس بانتظار الصهيل
لا نوم اذن
هاهو الفجر يؤذن بأعلى مناقيره …
ويصدمنا الشاعر كامل حسن برؤيته المضببة في (( حرباء )) ص 131 :
كدت أمسك برأسها
باغتت أصابعي
لتغيرّها لونها ..
ما هذه المرأة الحرباء ؟
ولست هنا في معرض مناقشة مفاهيم الشاعر حول المرأة وقضاياهـا , ولكن لابد ان وراء هذه الومضة تجربة ما , وليست كل تجربة لابد لها من نجاح .. واخيراً لابد من الاشارة الى اننا استمتعنا بجهد مبدع وتجربة متنوعة استطاع من خلالها الشاعر كامل حسن ان يقدّم لقرائه زاداً طيباً فيه من الجمال ما يؤكد حسن ادارته لمطبخه وتمكنه من ادواته فهو القائل في ( حضور ) ص 134 :
ما ألهاني عنك
حضورك في قلبي