قصص من الواقع في كوميديا العالم السفلي

يجترح القاص «عبد الكريم الساعدي « لغة خاصة بسرده القصصي فالشعرية تتدفق بها المشاعر الإنسانية في ثنايا السرد ، تُعبر عن الواقع ،بتحولاته ،وانكساراته ،وخرابه ،وفجائعه بين الولادة ومخاضات الوجود ،بين الحلم بالأمل والعنف المُصادر للحرية ، «الساعدي» الحالم بحياة يسودها المحبة ،والألفة لكن مخالب الطغيان والحروب من تنتزع منا الأفئدة ،وفلذات الأكباد، وهو أحد الآباء الذين فُجعوا بشهادة الأبناء فقد أُستشهد ولده –رحمه الله- في تحرير الموصل قبل أسابيع .
تجربة «عبد الكريم الساعدي « بين القصة القصيرة ،ومشروع كتابة الرواية الجديدة) ابنة كوجو) التي ينشر بعض فصولها بصفحته الخاصة في الفيس بوك وعوالم التواصل الاجتماعي .مع نصوص نثرية متفرقة، تعد تلك التجربة السردية مهمة و تستحق المتابعة والرصد والقراءة .
في مجموعته القصصية (كوميديا العالم السفلي ) الصادرة بمصر بورصة الكتب –دار الكتب المصرية /2016.. الكوميديا السوداء الكوميديا المؤلمة الساخرة بمرارة من الألم ؛ في أفقه القصصي المفتوح بإشتغالاته، ومعالجاته الرؤيوية ،والفلسفية، للجمل القصصية القصيرة غير المترهله ،التي اعتمدت معيار الجمال في التكثيف والرمز ،في التعاطي مع الأهوال والصدمة التي تُحير الألباب .. يمكن لي القول بسمات تلك المجموعة القصصية من خلال :
1- الخطاب الجمالي حيث سخّرَ فيه اللغة الشعريّة بالقصة القصيرة من الواقع الذي يؤرق الجميع .
2- الصورة في جماليّة السرد ونسق الخطاب ،فتكمن من صناعة الدهشة بالتجسيّر بين الواقع والصورة التي يمثلها الشكل القصصي .
لذلك يعزف أنغامه الحزينة ،والمفارقة ،لمخاطبة العقول والقلوب التي أدمنت رؤية المحن بالواقع بتصوير القُبح ومدياته بسخرية تهكمية كوميدية لاذعة من أهوال ما لا نتحمله من الصدمات والقلق الوجوديّ ، الصبر العراقي على مرارة الدكتاتورية والحصار وإهدار الكرامة، ثمة أسئلة واقعية أخرى كمأساة سبايكر ،وقتل الأبرياء ،وصناعة داعش ومن دعمها، وساندها، واحتضنها .. أجد قصصه منضبطة إيقاعياً ،فلا انفلات ،ولا فوضى، أو تشتت يرهق المُتلقي . في نص ولادة : ص7 :
(كنت وحدي حين هبطت من ذلك الشاهق ، أراوغ غيبتي وأنتظر ، أسكن نفسي ،ألزم صمتي ، أرتلّ ماتيسّر لي من خفقة القلب ،قطيع من الظلمة يخبط ناظري ، أنكفئ إلى الخلف ، أدور حول نفسي ، تنبسط كفّاي ،تتسلّل قدماي من جوفي ، تضرب سطح العتمة فرحة ، ذراعاي يخال لي أنّهما جناحان ،أحلّق بهما في فضاء من سائل لزج ،تهدهدني مويجاته ،..
قصته «المعبر» ص 23:
عن ألأحداث المأساوية الإنسانية جراء وحشية ،وقسوة الإرهاب السلفي، حيث تتمركز المعاناة الإنسانية عند «معبر بزيبز»، مما يؤشر تأثر خطاب «الساعدي « بمعاناة شعبنا (عبرت الجسر مع العابرين ،حاملاً ابنتي فوق صدري ،وزوجتي تحمل صرة أسمالنا البالية ،تاركين خلفنا أطلالاً وخرائب ، قوافل موتى وصراخ العذارى البائسات …). صور النزوح الجماعي وتدمير المدن والمساجد والمتاحف ،زفرات الحزن يبثها بتلك القصص الواقعية.
وفي نص آخر المحطات ص75 بعد عناء طويل، أقتطف تذكره السفر فرحاً، أحزم حقائب شوقي لا مرأة لم أرها من قبل، أحتمي بأحلام اليقظة ،تسابقني الخطوات..)
صباح محسن كاظم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة