اعتمد المؤلف فايز الخفاجي في إعداد كتابه هذا على مصادر عديدة من وثائق وكتب عربية ورسائل جامعية وصحف ومجلات فضلاً عن المصدر الأهم من نجله الدكتور عمر الرزاز.
ويستعرض المؤلف فايز الخفاجي أحداث اعتقال الرزاز ووضعه تحت الإقامة الجبرية عام 1979 واغتياله عام 1984 فيقول ” عقب تخلي الرئيس البكر عن رئاسة الجمهورية ومجيء صدام حسين الذي أطاح بمن تململوا كمعارضين للطريقة التي تم بها خروج البكر ومجيء صدام فاعتقل عدداً من اعضاء القيادة القطرية للحزب بينهم منيف الرزاز الذي قيل أنه بعث برسالة الى الرئيس صدام يشير فيها الى أن المتهمين هم حزبيون قياديون ينبغي أن يحالوا الى لجنة تحقيق حزبية تضم أعضاء من القيادة القومية
تأليف الاستاذ فايز الخفاجي
عرض : سيف الدين الدوري
صدر عن دار سطور مؤخراً كتاب جديد بعنوان (منيف الرزاز من الاعتقال الى الاغتيال) تأليف الاستاذ فايز الخفاجي.ويتضمن الكتاب الذي يحتوي على 277 صفحة ،وفصولا سبعة ،وخاتمة فضلا عن المقدمة التي كلفني المؤلف بها ووضعها في الغلاف الاخير من الكتاب.
اذ خصص الكاتب الفصل الاول عن حياة الدكتور الرزاز الامين العام المساعد للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، حياته واسرته وولادته ودراسته. فقد ولد أحمد منيف سليم الرزاز بدمشق في 7/12/1919 بكر أمه وثالث ابناء والده اذ كان والده متزوجا فرزق بولدين وتوفيت امهما ثم تزوج زوجة ثانية فكان منيف باكورة هذا الزواج.
اما زوجته فهي ( لمعة صالح بسيسو)والمولودة في حماه بسوريا عام 1923
اما الفصل الثاني فقد تضمن دور منيف الرزاز السياسي والفكري وابرز المراكز الحزبية التي تسلمها وكذلك انجازاته الفكرية .
فيما تضمن الفصل الثالث ملابسات اعتقاله ووضعه تحت الاقامة الجبرية
اما الفصل الرابع فقد تناول وضع الرزاز تحت الاقامة الجبرية ثم اغتياله ثم في العراق عقب الاعلان عن المؤامرة المزعومة عام 1979 والمعروفة بمؤامرة محمد عايش.وفي هذا الفصل ازال المؤلف فايز الخفاجي الغموض واللبس عن اسباب وضع منيف الرزاز تحت الاقامة الجبرية في منزله ( بكرادة مريم) ببغداد عام 1979 ثم اغتياله بالسم عام 1984 .
واوضح المؤلف في الفصل الخامس دور الرزاز في الحياة السياسية الاردنية وموقفه من القضية الفلسطينية وموقفه من الحركة الانقلابية التي قادها المقدم صلاح جديد ضد قيادة ميشيل عفلق والفريق امين الحافظ رئيس الدولة السورية وذلك في 23 شباط/فبراير1966
اما الفصل السادس فقد تضمن نتاجات الرزاز اثقافية والفكرية منذ بداياتها حين نشر لاول مرة مقالة سياسية في مجلة ( صوت الجيل) التي تصدر عن ثانوية (إربد) بعنوان ( نحو جيل قوي). اوضح فيه فشل النخب السياسية العربية في نهضة المشروع القومي العربي الذي تبناه الزعيم جمال عبد الناصر.
اما الفصل السابع والاخير فقد ادرج فيه المؤلف ابرز الذين كتبوا عن منيف الرزاز وقيموا فكره ودوره السياسي.
وقد اعتمد المؤلف فايز الخفاجي في اعداد كتابه هذا على مصادر عديدة من وثائق وكتب عربية ورسائل جامعية وصحف ومجلات اضافة الى المصدر الاهم من نجله الدكتور عمر الرزاز.
ويستعرض المؤلف فايز الخفاجي احداث اعتقال الرزاز ووضعه تحت الاقامة الجبرية عام 1979 واغتياله عام 1984 فيقول ” عقب تخلي الرئيس البكر عن رئاسة الجمهورية ومجيء صدام حسين الذي اطاح بمن تململوا كمعارضين للطريقة التي تم بها خروج البكر ومجيء صدام فاعتقل عدداً من اعضاء القيادة القطرية للحزب بينهم منيف الرزاز الذي قيل انه بعث برسالة الى الرئيس صدام يشير فيها الى ان المتهمين هم حزبيون قياديون ينبغي ان يحالوا الى لجنة تحقيق حزبية تضم اعضاء من القيادة القومية . فكان رد صدام هو احتجاز الدكتور الرزاز ووضعه تحت الاقامة الجبرية. مع المراقبة الدائمة له.ثم اغتياله بالسم.
وكان الرزاز قد احتج على طريقة تعامل القيادة القومية مع قضية المؤامرة ، فاعضاء القيادة القومية لم يعرفوا بتفاصيل سيناريو المؤامرة إلا من الصحف .
واضاف الرزاز قائلا لصدام: حين جئت الى بغداد بعد انتخابي أمينا عاما مساعدا في القيادة القومية قلت لك أنني لن اقبل القيام بدور ( المستشار) وأنني أفضل البقاء في الاردن اذا لم تمنحوني حق المشاركة في صنع القرار ، وقد اقنعتني حتى بروز( حادثة المؤامرة) أنني أسهم فعلا في صنع القرار، لكن تعاملك انت وبعض الرفاق العراقيين مع ما تسمونه ( مؤامرة) جعلني اطلع على التفاصيل المعلنة من الصحف شأني شأن أي مواطن عادي ، وكان الاجدر بك أن تشركني وتشرك ميشيل عفلق في الاقل في التحقيق لكنك ابعدتنا ، وهذا يعني اننا نلعب دور( المستشارين) فقط. واذا كان ميشيل عفلق مضطراً للسكوت على ( التهميش) لانه لا يستطيع العودة الى بلده( سوريا) فأنني لا اجد مانعا من تقديم استقالتي والعودة الى الاردن وتأكد تماما أنني ساعود للمشاركة في ( قيادة صفوف المعارضة)، وأن الملك حسين بالرغم من ذلك سوف يأتي الى بيتي يزورني ويطمئن على صحتي ويرحب بعودتي سالما.
وينقل المؤلف عن مؤنس الرزاز قوله بأن ميشيل عفلق حرضّ على تصفية والده وهو الذي حفر لمنيف الرزاز هذه الحفرة وشجع صدام على إهدار دمه .
كما يتناول المؤلف في كتابه هذا عن الدكتور منيف الرزاز موقف الامين العام للقيادة القومية ميشيل عفلق من اعتقال منيف الرزاز فيقول ” اتصل النجل الاكبر لمنيف ( مؤنس الرزاز) بعضو القيادة القومية الدكتور عبد الوهاب الكيالي ليلتقي بعفلق بباريس ويعرف منه سبب اعتقال والده. وحين وصل الكيالي الى بيروت والتقى مؤنس بعد ان التقى عفلق بباريس الذي اخبر الكيالي انه ( اي عفلق) سبق ان نصح الرزاز ان يؤجل اعتراضه على طريقة تعامل صدام مع من اتهمهم بالتآمر، انتظر حتى يبرد دم صدام انه الان في ذروة انفعاله ولا نضمن ردود فعله اذا تدخلنا وإعترضنا. ثم أن مسألة المؤامرة هذه ليست جلية وواضحة حتى بالنسبة اليّ ، لم أتوقع أبداً أن يبدأ صدام عهده رئيساً للجمهورية بحمام دم ضد رفاقه. لكنني أعتقد أنه أراد التخلص من مجموعة ( شباب) من قادة الحزب الذين يستطيعون أن يقولوا له ( لا) إذا أقدم على ( مجازفات) غير محسوبة.لكن الرزاز لم يسمع نصيحتي وكان مثالياً عنيداً كعادته.
لكن الرزاز أصر على أن تتوفر للمتهمين محكمة حزبية عادلة، ويمنحوا حق الدفاع عن أنفسهم شرط وجودنا أنا وأنت وشبلي العيسمي في صورة التحقيق.
منيف الرزاز من جانبه أخذ يضغط على ميشيل، لماذا تقول لي أننا ينبغي أن ننتظر حتى يهدأ روع صدام، وتخف حرارة إنفعاله وتبرد أعصابه ، الحزب مؤسسة مدنية لا علاقة لها بمزاج شخص واحد مهما كان هذا الشخص عبقرياً ، فهذا يعني أننا في عصابة( مافيا) لا في حزب يعبّر عن مؤسسة مدنية ذات تقاليد.
ويروي المؤلف نقلا عن عمر ابن الدكتور الرزاز قوله: أنه في عام 1977 زار الوالد في بيتنا في عمان مجموعة من أصدقائه البعثيين في الاردن، وكان قد إستشارهم في موضوع الذهاب الى العراق . فقالوا له أن مصيره في العراق سيكون على الأرجح كمصيره في سوريا، فتتكرر التجربة المرة. فكان جوابه ” على الأرجح هذه يعني أن هناك ثمة أمل ولو ضئيل في إصلاح الامور وتحقيق هذا الحلم، ولو كان هذا الاحتمال لا يزيد عن 1% فهو يستحق المجازفة”.
ويواصل عمر الرزاز روايته فيقول : في عام 1979 إتصل الوالد بمؤنس وبي وكنا في بيروت وقال لنا على التلفون أنه يواجه قراراً مصيرياً صعباً، فأما أن يخون المبادئ التي عاش من اجلها طيلة حياته وينجو بنفسه ،أو يكمل مسيرة حياته مهما كلف ذلك. وقال أن قراره كان سوف يكون سهلاً، لو أنه كان لوحده، ولكن مع وجود الوالدة وأختي زينة، فقد يعرّض حياتهما للخطر أيضاً ، وبالتالي سؤالنا عن رأينا. وبالكاد فهمنا ماذا كان يقصد، وقد تملكنا الخوف على مصيره ومصير الوالدة وزينة.
وبالنسبة لمؤنس يقول عمر تمالك نفسه أخيراً وقال له: بابا إفعل ما يمليه عليك ضميرك.
ويضيف عمر: كان ردنا هذا هو الرد الذي كان يتمنى سماعه منا، فأعرب عن حبه وثقته بنا وودعنا وداعاً أخيراً.
ويضيف عمر قائلا: حدثتنا الوالدة لاحقاً سنة 1984 بعد عودتها وزينة الى عمان أن صدام إستدعى الوالد وطلب منه الظهور على التلفزيون العراقي وإعلان تأييده لصدام في تصديه للمؤامرة ( المزعومة)وإدانة المتورطين . فكان جواب منيف لصدام أنه غير مقتنع بالمؤامرة ، وأنه إن كان هناك معلومات وأدلة بهذا الشأن فلتكن من خلال محاكمة عادلة ،وليتبعها مؤتمر قومي إستثنائي لبحث تداعياتها.
فكان رد صدام منفعلاً : لديك 24 ساعة لتفكر ، فأنت أما في صفي فتظهر على الشاشة، أو في صف المتآمرين فتواجه مصيرهم. وعاد الوالد الى البيت وحدث الوالدة بما دار بينه وبين صدام. وكانت الوالدة على يقين بأنه لن يقبل أن يبيع تاريخه بالظهور على الشاشة ، وأن يدلي بأقوال مزعومة حول رفاق له إتهموا زوراً وبهتاناً. فقالت له الوالدة على الأرجح سينقطع الاتصال بيننا وبين الخارج قريباً. إتصل بمؤنس وعمر وودعهما . وهكذا كان.وبالفعل جاء الحرس كما تقول زوجة الدكتور الرزاز الى البيت وأخذوا كل اوراق منيف ووثائقه وكتبه. اذ كان منيف على قناعة بأنه لن يخرج من بغداد حياً.وبالفعل قتلوه غدراً ونفذت زوجته وصيته في أن يدفن في الاردن ، وعادت مع الجثمان الى عمان ليوارى الثرى في عمان في 16/9/1984 .
مؤنس الرزاز يقول: كان واضحاً أن وضع والدي تحت الاقامة الجبرية بمعية والدتي وأختي بأنها إقامة دائمية ولن يفرج عن والدتي وأختي، إلا بعد وفاته.ويقول مؤنس أن والدي كان يعرف هذا المصير، ولكن أبشع شيء أنه عوقب على ذنب لا يعرفه، على خطيئة جاهلا بمحتوياته .
فقد صوّر مؤنس الرزاز مأساة والده عن طريق رواية تراجيدية وكيف أنه سجن بلا ذنب ولا محاكمة وأن الحرس الذين وضعوا في المنزل وحواليه كانوا يحصون عليهم الانفاس، وحتى الكهرباء والماء وقتهما يوضع بأوامر أمنية خالصة .
عمر الرزاز يروي للمؤلف الاستاذ فايز الخفاجي كيف أن والده تمّ إغنياله بالسم بالرغم من الوساطات وكان آخرهم الملك حسين . وكان رد صدام : اذا ترك منيف ليخرج فسوف يكتب كتابه ( التجربة الأمر) وعندها تعهد الملك حسين بأن منيف لا يكتب هذا الكتاب . كان رد صدام : بل سوف يكتب حتى لو لم ينشر ، سينشر أبناؤه الكتاب بعد حين.
أما ميشيل عفلق فآثر عدم زج نفسه خوفاً من أن يلاقي نفس المصير، فاعتكف وآثر الصمت. ومات الرزاز بالسم بشهادة زوجته ونقلا عن طبيبه العسكري الذي تطورت علاقة حميمية بينه وبين الرزاز خلال فترة الاقامة. إذ كان الرزاز يأخذ ( دواء ضغط الدم) ويأتي الشخص المسؤول عن تزويد البيت بالمواد الغذائية. وتمّ إحضار دواء ولكن بكبسولات مختلفة شكلاً عما قبل. وعندما سأل الرزاز قيل له إنها نفس المادة ولكن من مصنع آخر. ولم يلبث أن تناول ( الكبسولة الاولى) حتى أصابه صداع ووجع في المعدة . وإتصلت زوجته بالطبيب العسكري الذي وصل بعد نصف ساعة، وكان الرزاز يتقيأ دماً حينما وصل الطبيب ، وبعد فحص سريع توجم الطبيب وأخبر الوالدة بأن الوالد بحاجة الى غسيل معدة فوري ، فإتصل بالاسعاف العسكري، ولكن الاسعاف لم يأت وبقي الطبيب في البيت بجانبه ( يبكي) وزوجته وابنته تنتحبان، وهو يتقيأ الدماء حتى فارق الحياة مساء ذلك اليوم. وبعد أن أبلغ الطبيب الحرس بأن الدكتور الرزاز فارق الحياة أتت سيارة الاسعاف في دقائق معدودة.