مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 20
جاسم محمد*

التعاون الاستخباري لمواجهة المقاتلين الأجانب
التعاون الاستخباري داخل دول التحالف الغربي
اعلنت الولايات المتحدة، وزارة الخارجية في 7 ابريل 2015 عن اعتمادها برنامج اميركي جديد لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة وذلك ضمن الخطط الدولية الرامية الى مكافحة الإرهاب. تنظم وزارة الخارجية الاميركية برنامج تبادل تحت عنوان “مكافحة الايديولوجيات المتطرفة”، يشارك فيه 11 من الممثلين الحكوميين رفيعي المستوى من دول التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش. البرنامج يقوم على فكرة عقد ورشات عمل لقيادات امنية في اجهزة الاستخبارات من اجل تقريب وجهات النظر وايجاد لغة مشتركة لمواجهة الإيديولوجيات المتطرفة. البرنامج يعدّ برنامجا فنيا لا يمثل اطراف سياسية وهذا ربما سيكون وراء النجاح المحتمل للبرنامج برغم الاختلاف والتفاوت بين اجهزة الاستخبارات الواحدة عن الاخرى.
تحولت سوريا الى محطة رئيسة الى جانب العراق في تاريخ الجماعات “الجهادية” ابرزها داعش والقاعدة بعد عام 2011. وشهدت المنطقة تدفق غير مسبوق الى المقاتلين الاجانب من اسيا الوسطى ودول اوروبية وغربية، لتحتل نسبة كبيرة داخل التنظيم. التقارير الاممية ذكرت بوجود 25 الف مقاتل اجنبي الى جانب اكثر من 100،000مقاتل من المحليين غالبيتهم من العراقيين. وفي هذا السياق صدر تقرير للأمم المتحدة في 2 ابريل 2015 ان عدد المقاتلين الذين غادروا اوطانهم للانضمام للقاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ودول اخرى بلغ اكثر من 25 الف شخص وذلك من اكثر من 100 دولة. وافاد التقرير الذي اعدته لجنة مراقبة نشاط تنظيم “القاعدة” في مجلس الامن الدولي، ان “عدد المقاتلين الاجانب ارتفع بنسبة 71 في المئة بين منتصف عام 2014 وشهر مارس 2015.” واوضح التقرير ان “هذه المشكلة تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية، كما ان تدفق المقاتلين الاجانب شهد ارتفاعا لم يسبق له مثيل في التاريخ”. وفي هذا السياق صرّح رئيس الحكومة العراقية العبادي لمجلة (دير شبيغل) في مقابلةٍ نُشرت في 4 ابريل 2015 بان 57% من مسلّحي هذا التنظيم عراقيون لكنهم لا يسبّبون مشكلات لانهم يفرّون حينما تدخل القوات العراقية المدن. واضاف ان “المشكلة في الثلاثة والاربعين في المائة وهم مقاتلون اجانب ملقّنون عقائديا يائسون ولا مفر امامهم. واذا استمرت داعش في تجنيد اعداد كبيرة من الاشخاص من دول اخرى فلن يستطيع اي جيش في منطقتنا التصدي لهم”.
ان مخاطر وتهديدات المقاتلين الاجانب ضربت بتداعياتها الغرب ودول اوروبا خاصة مطلع عام 2015، وتمثلت بعملية شارلي ابدو في 7 يناير 2015. شهدت دول غربية عمليات ارهابية متعددة منها في استراليا وكندا ودول اوروبية، تمثلت هذه العمليات في الغالب بطابع الخلايا الفردية اما نوع العمليات فانحصرت باستهداف معبد يهودية او خطف رهائن داخل محال . هذا النوع من العمليات كان محدودا في الامكانيات ونوع الاسلحة المستخدمة لكنها نجحت باستقطاب اهتمام وسائل الاعلام. هذه العمليات جاءت في اعقاب اعلان التحالف الغربي في سبتمبر 2014 لمواجهة داعش في العراق وسوريا.

تصعيد التعاون الاستخباري
وظهرت سياسات جديدة ضمن دول التحالف الغربي، ابرزها تنشيط التعاون الاستخباري مع العراق وكذلك داخل سوريا ربما مع المعارضة السورية وربما فتح قنوات سرية مع النظام السوري. وانعكس هذا التعاون الاستخباري في تصريح رئيس الحكومة العراقية العبادي في تصريحه الى صحيفة الدير شبيغل الالماني قائلا ان التعاون مع جهاز الاستخبارات الخارجية لالمانيا جيد للغاية وان العراق يزوده بارقام الهواتف التي يستخدمها الالمان الذين يقاتلون لحساب تنظيم داعش في الاتصال بالمانيا. التصريح يعدّ سابقة، كونه كشف تعاون استخباري مع المانيا برغم ان المانيا، لم تعلن هذه الحقيقة ولم تتداولها في مواقعها الرسمية. يبقى وجود المقاتلين الغربيين في التنظيمات الجهادية في سوريا رمزيا نسبة الى المقاتلين العرب والمحليين. ان الخطر التي تخشاه اميركا والغرب هو عودة المقاتلين الاجانب الى دولهم والذي يمثل قلقا الى وكالات الاستخبارات الغربية. اعترفت دول اوروبا بانه تقف بحيرة امام مسألة المقاتلين الاجانب عند التحاقهم بالتنظيمات “الجهادية في سوريا والعراق وكذلك عند عودتهم. ذكرت التقارير الاعلامية في 27 مارس2015، ان فرنسا ان تسعى من داخل مجلس الامن التابع للامم المتحدة لاحالة عناصر تنظيم “الدولة الاسلامية” الى المحكمة الجنائية الدولية لاحتمال محاكمتهم في اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

اوروبا تتحفظ على تفاصيل العائدين من القتال
الاستخبارات الاوروبية وكذلك وزارة العدل كانت متحفظة على نشر تفاصيل التحقيقات مع هذه الجماعات، فهي تعتقد ان كشف تفاصيل اعترافات المتورطين ممكن ان يمثل مصدر خطرا على عوائلهم وفي نفس الوقت يمثل تهديدا لحياتهم. وفي سياق متصل فقد اعلن منسق المفوضية الاوروبية لمكافحة الإرهاب خلال شهر ديسمبر 2014، باعتماد سياسة مواجهة “الدعاية الجهادية” والتي تتضمن عرض تجارب شباب مرتدين ومنشقين عن داعش، لكن تطبيقات بعض دول اوروبا، كانت تتعارض مع ما اعلنته المفوضية، وبالفعل لم تكشف وزارة العدل او المدعي العام عن جلسات جديدة لمتورطين بالالتحاق بتنظيم داعش والجماعات الجهادية الاخرى. وهذا يعكس حجم القلق داخل الحكومات الاوروبية ازاء مسألة المقاتلين الاجانب. ان الاسباب الاكثر لالتحاق الاجانب بالتنظيمات “الجهادية” في سوريا هي الصور المروعة للصراع، والجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية والاعلام المبرمج، وغياب الدعم العربي والغربي. هؤلاء يكتسبون ايديولوجية وعقيدة “جهادية” اكثر تطرفا خلال التحاقهم بالتنظيمات من خلال التماس والتمرس العسكري والاستخباري مع بعضهم وحتى بعد عودتهم الى بلدانهم. ان مايشهده العراق وسوريا واليمن من مواجهات مع التنظيمات “الجهادية” الإرهابية يخلق منهما خبرات وقاعدة معلومات ثمينة في متابعة وتعقب المطلوبين والكشف عن اسرار عمل تنظيم القاعدة التي قد لا تتوفر حتى عند وكالة الاستخبارات المركزية.

استقطاب الشباب
التنظيمات “الجهادية” اليوم تحولت الى شبكات عمل، فلم تعد تنظيمات مركزية، كما كانت في حرب افغانستان والعراق. تحولت السلفية “الجهادية” الان الى ايدلوجية متشظية يصعب السيطرة عليها بحروب تقليدية. واكثر العينات تعرضا للغسل الإيدلوجي “الجهادي”، هي من فئة الشباب الذين يعيشون في الغرب خارج بلدانهم الاصلية، ويترددون الى مسقط راس اباءهم واجداًدهم. لذا اغلب العمليات التي وقت في الغرب في اعقاب التحالف الغربي ضد داعش كانت خاضعة الى هذا الاحتمال. المشكلة ان المراقبة وحده لا تكفي لردع مخاطر الإرهاب وخاصة الخلايا الفردية مالم اتباع سياسات حقيقية في معالجة جذور الإرهاب. الدراسات كشفت ان غالبية الشباب المتورطين في اعمال ارهابية كانوا يبحثون عن الهوية اضافة الى اسباب اخرى ربما الفشل وعدم الاندماج في المجتمع. وتعدّ مناطق النزاع التي يشهدها العالم مصدر “الهام” للشباب، لما تعرضه من صور الضحايا التي من شأنها تشحن تفكير الكثير من الشباب لان يتحولوا في لحظة الى خلايا متطرفة.
ان نجاح برامج مواجهة الإرهاب داخل دول التحالف الغربي ربما يعتمد بقدرة المشتركين في هذا البرنامج بنقل خبراتهم الى زملائهم داخل مؤسساتهم الاستخبارية . ويبقى موضوع ايجاد قنوات عمل تنسيقية واتصال سريعة داخل منظومة الاجهزة الاستخبارية المعنية بمواجهة الإرهاب من قبل التحالف الغربي هو العامل الرئيسي الذي يحدد الجدوى والفائدة من التعاون الاستخباري اقليميا ودوليا.

الجمعيات الاسلامية في اوروبا وعولمة “الجهاد”
لماذا المقاتلون الأوروبيون في سوريا؟
اصبحت اوروبا واحدة من بين المناطقة الجغرافية التي تمدد اليها ” الجهاد” برغم البعد الجغرافي نسبيا. الاوروبيون كانو حريصين على مكافحة الإرهاب في دول الصراع لكي لايقترب كثيراً من الضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط. لكن برغم هذه السياسات الاحترازية، تحولت اوروبا الى مناطق لتدفق اللاجئين الى سوريا ، ابرزها من بلجيكيا وهولندا والمانيا وبريطانيا.
تبحث السلطات النمساوية منذ يوم 20 ابريل 2014عن مصير تلميذتين قالتا “انهما ذاهبتان الى الجهاد في سبيل الاسلام”، بعد ان تركا رسالة وداع الى ذويهما. بعد ذلك فقد اثرهما، ويعتقد ان المراهقتين قد تم نقلهما الى سوريا للجهاد، في ما اطلقت الشرطة الدولية عملية بحث عنهما. رسالة الوداع نصت ” “نحن على الطريق القويم، نتوجه الى سوريا للجهاد في سبيل الاسلام، سنلتقي في الجنة”!. وتقول مصادر مقربة من الفتاتين انهما قد كتبتا في صفحة الفيسبوك بانهما “قد تزوجتا وانهما لا تخشيان الموت، لانه الهدف”. يذكر ان الفتاتين من اصول بوسنية مسلمة ولجا ذويهما الى النمسا للتخلص من الحرب التي شهدتها البوسنة والهيرسك في تسعينيات القرن الماضي.
وشهدت الدول الاوروبية الكثير من الروايات بالتحاق قاصرين وشباب في مقتبل العمر التحاقهم “بالجهاد” في سوريا، هذه التفاصيل بدأت تطشف عنها اجهزة الاستخبارات الاوروبية ومكاتب تحقيقاتها ولم تعد سرا، بعد ان اعلن عدد من اولياء الامور الى وسائل الاعلام والى الوكالات لاستخبارية بتعقب مصير ابنائهم. وربما فرنسا شهدة عددا اكبر من هذه الحوادث، ويعود السبب الى وجود جالية من المغرب العربي اكبر في فرنسا اكثر من غيرها من الدول.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة