مسارات جديدة للزعامة في مجال التنمية الدولية

مارك سوزمان
الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس
في كلمة ألقاها مؤخرا أمام أبرز المفكرين العسكريين والأمنيين في المملكة المتحدة في المعهد الملكي للخدمات الموحدة في لندن، أشار بِل جيتس، رئيس المؤسسة التي أعمل بها، إلى أن مساعدات التنمية الرسمية تساعد في إنقاذ الأرواح، وبناء مجتمعات أكثر استقرارا وأمانا، وتعطي فكرة صحيحة عن القوة الناعمة في مختلف أنحاء العالَم.
وقد سُئِل بِل كيف قد يرد على أي شخص في المملكة المتحدة يشعر بالإحباط لأن بريطانيا واحدة من دول قليلة تفي بالتزامها الموصى به من قِبَل الأمم المتحدة بإنفاق 0.7% من دخلها الوطني الإجمالي على مساعدات التنمية. ولكن إبراز أثر مساعدات التنمية الرسمية البريطانية كان مجرد جزء من الإجابة؛ فقد أكد بِل أيضا على أن دولا أخرى عديدة تفي بالتزاماتها في مجال المساعدات.
ففي أوروبا، كانت الدنمرك وهولندا والنرويج ولوكسمبورج والسويد تفي بعتبة الأمم المتحدة من المساعدات لفترة من الوقت، ومؤخرا انضمت ألمانيا إلى صفوف هذه الدول. ولم تحقق فرنسا هذه العتبة بعد، ولكنها تعمل على زيادة مساهماتها.
وخارج أوروبا، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر أيضا بين أكبر الدول المانحة لمساعدات التنمية الرسمية في العالَم ــ وهي حقيقة لا يدركها كثيرون. فكل هذه الدول مانحة لصندوق الحياة وسبل كسب العيش، الذي يمثل المبادرة المتعددة الأطراف الأكبر في الشرق الأوسط في مجال التنمية الدولية. وبين الجهات المانحة الأخرى للصندوق بنك التنمية الإسلامي، وصندوق التضامن الإسلامي للتنمية، ومؤسسة بِل ميليندا جيتس.
يدعم صندوق الحياة وسبل كسب العيش الذي تبلغ قيمته 2.5 مليار دولار أميركي المشاريع المهمة التي تستهدف القضاء على الأمراض، والرعاية الصحية الأولية، ودعم المزارعين، والبنية الأساسية في المجتمعات الأكثر فقرا في مختلف أنحاء العالَم الإسلامي. بدأ الصندوق في العام الفائت بقيمة 363 مليون دولار من التمويل المعتمد لستة مشاريع كبيرة في دول عربية وأفريقية. وفي فبراير/شباط، بدأت أول مبادرة في هيئة مشروع بقيمة 32 مليون دولار لمكافحة الملاريا في السنغال، كما حصلت مجموعة أخرى من المشروعات على الموافقة في وقت سابق من هذا الشهر، ليتجاوز مجموع التمويل المعتمد 600 مليون دولار.
صحيح أن المساعدات من غير الممكن أن تحل كل المشكلات التي تواجه الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وأفريقيا. ولكنها قادرة على دعم ظهور مجتمعات أكثر استقرارا وازدهارا وصحة وأقل عُرضة للحروب الأهلية أو الإرهاب. وتعتقد مؤسسة جيتس أن الجهات المانحة من العالَم الإسلامي، بنحو خاص، تلعب دورا أساسيا في التصدي للفقر وعدم الاستقرار. ومن خلال التعاون، يمكن تحقيق فوائد أكبر كثيرا ــ عن طريق تجميع الموارد وتقاسم الخبرات ــ مقارنة بالعمل الفردي.
ومن الممكن أن تعمل مشاريع محلية على دعم قدرة هذه الدول على قيادة الطريق في مجال التنمية الدولية. على سبيل المثال، تم تصميم برنامج زمالة شغف، الذي تدعمه مؤسسة الملك خالد ومؤسسة جيتس، بحيث يعمل على تشجيع بعض من ألمع الشباب السعوديين ــ عدد كبير منهم من النساء ــ على اتخاذ مهن في القطاع غير الربحي الذي يركز على الأثر الاجتماعي المحلي والعالمي.
بيد أن المفتاح الحقيقي لتحقيق النجاح في مجال التنمية الدولية هو التعاون. فمن خلال تجميع الموارد وتقاسم الخبرات، يُصبِح بوسع المنظمات مثل مؤسسة جيتس والحكومات المانحة، من المملكة المتحدة إلى الإمارات العربية المتحدة، تحقيق نتائج أفضل كثيرا مقارنة بما يمكن إنجازه من خلال العمل الفردي.
ولحسن الحظ، يبدو أن الحكومات في الشرق الأوسط تدرك هذه الحقيقة، وتسعى على نحو متزايد إلى إقامة شراكات التنمية. وهناك قدر وفير من الفرص. كانت الإمارات العربية المتحدة دولة رائدة في استئصال مرض شلل الأطفال، وهو المسعى الذي مولته المملكة المتحدة بسخاء. كما انضمت قطر مؤخرا كدولة مانحة لمنظمة جافي تحالف اللقاحات، والذي كانت المملكة المتحدة أكبر مانح له في السنوات الأخيرة. وتُعَد المملكة العربية السعودية دولة مانحة منذ فترة طويلة للصندوق العالمي لمكافحة الايدز والسل والملاريا، وهي شراكة أخرى لعبت المملكة المتحدة فيها دورا كبيرا.
كثيرا ما يشير المراقبون إلى فوائد القوة الناعمة المترتبة على تقديم المساعدات للدول النامية. ولكنهم كثيرا ما يغفلون عن ذِكر المزايا التي تتحقق من خلال تعزيز العلاقات بين الدول المانحة التي تعمل معا من أجل النهوض بجهود التنمية الدولية. وتُحسِن الدول المانحة صنعا بتبني الواقع واغتنام الفرص لبناء الروابط مع شركاء عالميين جدد ومشاركتهم في التزامهم بمكافحة الفقر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة