علي صابر محمد*
المقصود بحساب الخزينة المنفرد هو ان يكون للدولة حساب مصرفي واحد لأغراض الموازنة تدخل فيه جميع الايرادات وتخرج منه الاطلاقات لتغطية النفقات ويخضع للرقابة المركزية بشكل يؤمن السيطرة على الحساب المصرفي ويكون بمقدور الحكومة معرفة الرصيد النقدي لها في المصارف وفي أية لحظة شاءت ، والعمل على عدم تكدس النقد لدى وحدات وشحتها في وحدات أخرى ، وليس شرطا أن يكون الحساب في موقع جغرافي واحد ، ويهدف هذا الى منح فسحة جيدة للتخطيط النقدي طويل وقصير المدى ، ولا يتعارض ذلك مع التوجهات الرامية الى التوسع في اللامركزية في الانفاق ، لأن السيطرة على حركة النقد شيء وتحديد المركزية او اللامركزية في الانفاق شيء آخر ، فالانفاق يتعلق بالصلاحيات التي تقررها القوانين والتشريعات النافذة وطبيعة العلاقة بين المركز والاقاليم او المحافظات غير المرتبطة بأقليم وهذا مرهون بالدستور الذي يحدد ملامح النظام السياسي للبلاد اما ادارة النقد فيعني وضع آليات استلام الموارد وأطلاق النقد بما يمكن الادارات من تنفيذ برامجها التنموية والتشغيلية دون احداث خلل في انسيابية حركة النقد ، كذلك يجب ان نزيل اللبس بين حساب الخزينة المنفرد وبين ان يكون للدولة والمجتمع مصرف واحد وبفروع متعددة كما هو سائد في النظام الاشتراكي ، فحساب الخزينة المنفرد لا يتعارض مع وجود عدة مصارف عاملة في المجتمع وكذلك لا يتقاطع مع فتح حسابات عديدة لوحدات الانفاق في المصارف العاملة في البلاد شريطة وجود رقابة على حركة الحسابات من قبل حساب الخزينة المنفرد ، وفي بلد مثل العراق ذو الاقتصاد الريعي فان معظم ايرادات الموازنة متأتية من مبيعات النفط فيسهل مراقبة الايرادات ، وسابقا كان البنك المركزي العراقي يتولى هذه المهمة عندما كان يسمى بنك الحكومة وعندما استقل البنك المركزي في سياسته وانصرف الى السيطرة على السياسة النقدية للبلاد والتحكم بسعر الصرف للعملات تاركا السياسة المالية الى وزارة المالية بدوائرها ومؤسساتها تحملت وزارة المالية هذه المسؤولية واصبحت الخزينة المركزية وخزائن المحافظات وبالتنسيق مع دائرة المحاسبات العامة هي أقرب الى حساب الخزينة للدولة ولكن يعوزها بعض الانشطة للقيام بواجباتها بالشكل المتطور والسائد في الانظمة المتقدمة .
في عام 2006 أقدمت وزارة المالية وبالاستعانة بخبراء بريطانيين بتطبيق نظام ifmis ) )والذي يتلخص بوضع برنامج جديد وترميز حديث للتبويبات الحسابية ونصبت اجهزة حاسوب في جميع الوزارات ووحدات الانفاق وتم تدريب الكوادر المالية على هذا النظام وربط هذه الاجهزة بمنظومة يتم السيطرة عليها من قبل وزارة المالية مباشرة وعلى أن يتم ادخال البيانات المالية في وحدات الانفاق بدل تقديمها شهريا ويكون بمقدور وزارة المالية الوقوف على حركة جميع العمليات المالية اولا باول ومعرفة الرصيد النقدي لوحدة الانفاق في أي وقت تشاء من خلال الدخول الى المنظومة وكلمة السر المحددة ، وجرى العمل على هذا النظام لأكثر من سنة وجاءت بنتائج ايجابية ووحدت لغة الارقام والتبويبات الحسابية وقدمت لنا آلية عمل تعطي نتائج سريعة جدا ، ولكن خطف الخبراء من قبل الارهابيين وقتلهم أوقف المشروع في منتصف الطريق وتم طي صفحة العمل وتركت أجهزة الحاسوب هذه في الوزارات تأكلها الاتربة والاهمال وألغي العمل بالنظام بعد أن أنفقت عليه المبالغ الطائلة لأصلاح الادارة المالية للعراق واستنزف وقتا مهما من عمر التنمية وتفرغ موظفين كثيرين لهذا الغرض ، ومن مزايا هذا النظام انه ينسجم مع فكرة حساب الخزينة المنفرد ويحقق الهدف في حين ان النظام المستخدم حاليا لا يمكن ان يلبي الهدف بمعرفة الرصيد النقدي للحكومة في أي وقت وكل الذي يجري هو ان تقوم وحدات الانفاق بتقديم موازين المراجعة الشهرية وبشكل يدوي وبدائي والتي تتضمن الرصيد النقدي في نهاية كل شهر وبعد توحيد البيانات للوزارات يمكن لدائرة المحاسبات العامة معرفة الموجود النقدي في نهاية الشهر فقط اما خلال الشهر فيتعذر معرفة ذلك بالرغم من ان جميع الحسابات المصرفية للوزارات ووحدات الانفاق التي تفتح لدى المصارف الحكومية بعلم ودراية دائرة المحاسبات العامة وحتى أسماء المخولين وارقام تلك الحسابات تكون أمام هذه الدائرة ، ولكن حركة العمليات المالية تكون محجوبة عنها.
ومن ضمن محاولات الاصلاح الاداري والمالي التي قام بها البنك الدولي لصالح وزارة المالية هو تنفيذ تجربة مشروع تثبيت الالتزام والذي يخفف العبء عن كاهل الموازنة ويزيل جميع الموقوفات التي ترهل موازنة الدولة وتسمح لوحدات الانفاق من الاستغناء عن اطنان المراسلات واستحصال الموافقات عند انتهاء السنة المالية خاصة بالنسبة للمشاريع غير المنتهية وتم تدريب الكوادر المالية لوزارة المالية والتربية والموارد المائية ومحافظة البصرة على هذه التجربة التي لاقت الاستحسان والقبول من قبل المتدربين وشعروا باهمية التجربة وفوائدها في ازالة الكثير من العقبات عند تنفيذ المشاريع الاستثمارية ، ومما تضمنته التجربة هو الدعوة الى العمل بحساب الخزينة المنفرد باعتباره الوسيلة التي تمكن الحكومة من مراقبة الحركة النقدية واستثمار السيولة أفضل استثمار وتدفع باتجاه تقليل تداول النقد في وحدات الانفاق بما تجلبه من مخاطر أمنية والعبث بأموال الدولة وما تخلقه من مناخ مغري للفساد المالي ، وهذه التجارب تحتاج الى تشريعات والتزام من قبل القائمين على الادارة المالية لأدخالها حيز التنفيذ ، وعندما تتحول المناصب الى محاصصة سياسية ومنافع للطبقة الحاكمة ينتفي دور التخصص وسيتعامل المسؤول مع هذه التجارب على كونها كمالية وليست ضرورية لحل المشكلات طالما يدرك بان النظام القائم يؤدي الغرض ومعمول به لعقود دون ان يشعر بضخامة التغييرات الحاصلة واحتياجات المجتمع الى كل جديد ينقل الاداء الى مستويات أعلى ، ثم ان الانقطاع عن العالم تبقي القدرات المهنية متخلفة ولا تتماشى مع المتغيرات والتطور الذي يجتاح كل مفاصل الحياة.
*خبير مالي