فنون اختراق عقل الإرهابي وايدلوجية العنف

الدكتور: عبد الكريم عتوك

علم النفس وخبايا الإرهابي
من وجهة نظر علم النفس والتشخيص النفسي ، هناك نوع من الاضطرابات لدى بعض الإرهابيين على المستويات:
– العقلي ؛ كونه منغلق جامد في التفكير، ولايتقبل الأفكار التي تختلف مع تفكيره .
– الإنفعالي ؛ كثيرالغضب والعصبية والتطرف في المشاعر السلبية المتضمنة للكراهية .
– السلوكي ؛ كثيرالإندفاع والعدوانية نتيجة الإصابة بورم إلى جانب وجود تشوه في الأوعية الدموية في )الفص الدماغي ( وهو الجزء الأولي الأصغر في الدماغ والمسؤول عن التحكم في العواطف وتحفيز الدماغ على القتل ، وسفك الدماء لذا فهم ليسوا مرضى عقليين لأنهم يدركون أفعالهم والقدرة على التحكم في إرادتهم . فيقتلون وهم في كامل وعيهم وقناعاتهم.
سيكولوجيا ، عادة ما نجد أن لديهم نزعة الإنعزال حتى عن أسرهم يعانون من الإكتئاب ومحاولة الخروج من دائرة القلق ، بل يعانون من أمراض إجتماعية وسياسية وعقائدية ، تجعلهم غالبا ما يفتقرون ذلك الشعور بالذنب لا يبدون أي نوع من الندم أو تأنيب الضمير . الإرهابي يفجر نفسه وهو منتش ، يعيش حالة نفسية من التبجج ، وأفكار متطرفة يعتقد بها إلى درجة الهذيان ، فبعض الإرهابيين لديهم عقلية إجرامية ، بينما ثقافتهم النفسية تنطلق على تحليل وتصنيف وتقسيم البشر إلى أخيار وأشرار، إلى قوى إلاهية وقوى شيطانية ، من دون وجود مساحات وسطى . الرسائل الدماغية الإيجابية منها والسلبية ، والتي نتلقاها تحدد نهج حياة الفرد ، بالتالي إذا أقنع الشخص نفسه أنه مظلوم ، فسوف يكون أكثر إحساسا بالظلم ، فيصبح كقنبلة موقوتة ، تبحث عن من يحتضنها لامحال لها من الانفجار في أي لحظة.

علوم الإجرام ، كلها تعتمد على قراءة الافكار :
انطلاقا من نظرية أن سلوك القاتل يفسح عن شخصيته وذلك من شدة الغيض والغضب ، تلعب المراقبة الدقيقة إلى جانب فهم السلوك البشري ، دورا مهما في عملية التحليل النفسي للكشف عن هوية وتنميط الإرهابي ، فلابد من الغوص عميقا في تفكيره ، وسبر الدوافع في عقول الإرهابيين ، فان لم يكن لك دماغ متطرف مجرم ، لا تستطيع أن تعمل مع المجرمين ، لأنه يتوجب عليك أن تضع نفسك مكانه ، لكي تعرف كيف يفكر.
سيكولوجيا العاطفة ، وغسيل مخ الإرهابي :
التطرف ليس أن تكون تكفيريا ؛ كل إنسان يرفض الحوار فهو إنسان متطرف ، كل إنسان لا يحترم القانون أو نفسه أو الاخر هو كذلك متطرف . ولا يتوقف الأمر عند الشخص ذاته، بل يحاول إرغام الآخرين علي التقييد بما يفعله هو قهرا أو قسرا ٬ وربما يلجأ إلي العدوان ، ضمن عالم موازي مشحون بالعواطف والإثارة . لهذا فالشخص الذي يتحرك بعاطفة بحتة يمكن استقطابه بسهولة ، وتشكيل ميوله في اتجاه معين ، ما دام أن عقله مغطى بطبقه سميكة من العاطفة المجردة . مثلا: أدولف هتلر.. استغل عاطفة شعب بأكمله بداعي القومية والانتماء والتفوق العرقي ، فاستطاع غسل مخ الألمان وكسب قلوبهم وجندهم كما يشاء ، فتغذية العاطفة تعد أمرا يسيرا جداً وهي تتفاعل مع الموقف الراهن .
من الواضح أن العقل الإرهابي المتطرّف ، يوجد بكل تيار ومذهب ودين ، إذ لا يمكن وصف تيار أو دين أو مذهب بالتطرف ، لأنها صفة تلازم العقل الذي يفهم الأشياء بصورة خاطئة ، نتيجة الإقناع بالإكراه أو ما يسمى بغسيل المخ . بالتالي يقدمها للناس بصورتها الخاطئة .
العقل الإرهابي المتطرّف ، يتوفر على تكوينات عضوية محركة للفعل الإجرامي ، ونشاط في الغدد التي يفرزها الجسم والكرموزومات زيادة على أنه شخصية مركبة ، عقل مدبر وعقل مدمر، وأكثر من شخص داخل شخص واحد ، انفصام عميق ، ومزيج من الهستيريا وذكريات مؤلمة ، يجزم بامتلاك الحقيقة والحق ، ولا يمكن وصفه بالغباء ؛ إنه ذكي لكنه يستغل ذكاءه في الإتجاه السلبي، متعصب إلى روح الجماعة كتنظيم إرهابي، يخاصم ويعادي أسرته من أجلها ويكثر الحديث عن الموت ويوم اللقاء ، وعن الحور العين والشوق للقائهن ، وأن الحياة لا قيمة لها ، يرى أن المجتمع كافر وجب الانسلاخ عنه وهجرته .
ثم تجاوز فرضية أن الإرهابي ذلك الشاب التعس الضائع ، والذي بدأ تشكيله مند طفولته ، يعاني في ظل المجتمعات التي تتسم بالظلم الاجتماعي والتفاوت الطبقي وغياب العدالة والحريات ، فلا يجد ما يفعله ليتم غسل مخه وتسميم أفكاره واستقطابه باسم الدين ، فمجرد إهانة من ضابط شرطة بالشارع العمومي قد تخلق إرهابي فورا ، كما أن كثيرا من الإرهابيين ليس لديهم انتماء ديني لدرجة التشدد ، بل أصبحنا ندرك أن هناك ترسيخا عقائديا وإيمانا أعمى بنهج فكري متطرف ، فهناك من تنقلب أفكاره في أية لحظة ، بعد أن يفقد كل آليات التواصل مع المجتمع ، نتيجة الإقصاء وفقدان الهوية والشعور بعدم الإنتماء، فيصبح محرضا على قتل النصارى واستباحة أموالهم ونفوسهم ودور عبادتهم . فالعقل البشري يقتضي أن الفكر يواجه بالفكر والمناقشة ، عوض ارتكاب أبشع الجرائم والتنكيل بالجثث .

أيديولوجية العنف والموت :
إنّ التعاطي مع المعلومة الإرهابية لا يكون شبيها بالمعلومة العادية ،لأنه لا يوجد بروفيل واحد خاص بالإرهابي، وأنه لا يكون مثل المجرم العادي ، فهدا الأخير يحاول أن يطمس معالم الجريمة ، في حين أنّ الإرهابي ، به نوع من الوسواس والهلوسة لدرجة حب التبجج ، يحاول أن ينشر أعماله التي يرتكب بطريقة دراماتيكية ، ليبثها عبر مواقع التواصل الإجتماعي والإنترنت ، بغية نشرالذعروالخوف لفت انتباه العامة وخلق مناخ من الرعب يتجاوزالضحايا الدين تعرضوا له ، مزهقا الأرواح باسم الله ، مقنعا نفسه بأنه ضحية المجتمع وأن الطريق إلى الجنة لابد أن يمر بالجحيم وبالتضحية بالأبرياء لنيل الثواب في الاخرة ، موجه بأيديولوجية تبرر أفعاله وأنه من الشرف أن يموت ضد من يعدهم كفارا .
أغلب الجماعات الإرهابية التي تمارس قطع الرؤوس ، التفجير والتفخيخ ، تستعمل الأطفال والشباب المتراوح عمرهم ما بين خمسة عشرة واثنان وثلاثون سنة ، لقلة خبرتهم بالحياة ولسهولة استغلال طاقتهم وحماسهم ، مركزين على المضامين المثيرة لحس المغامرة ، كالمعارك والإنتصارات ، كما تعمل على إثارة عواطفهم لتشتيت القناعات والإتجاهات، ومحو كل ميول للفنون والآداب والموسيقى والشعرلديهم ، ضمانا لقسوة الفؤاد وموت الإحساس، فالقتل والتفخيخ والعمليات الإنتحارية موجبة لقسوة القلب . تركز الجماعات الإرهابية على نشر مرئيات لمذابح ومآسي المسلمين وظلم التعذيب في السجون وحقن أعضائها بجرعات مكثفة من التعذيب اللفظي والجسدي بهدف التأكد من صلابتهم أمام الأجهزة الأمنية في حالة إلقاء القبض عليهم واستنطاقهم ،كما تعمد إلى تغييب العقل البشري لديهم بنحو كلي، وتدربهم على السمع والطاعة وتجعل عقولهم مجرد وعاء للعلم الشرعي فقط لتكوين فكرهم وعقيدتهم المتطرفة ، )فكل ماكان الإنسان محدود الفكر محدود الذكاء، تكون السيطرة عليه سهلة ( متخذين من العنف فريضة نحو انخراطهم في عمليات إجرامية إرهابية باحثين عن الخصم بأي وسيلة ، فهم يعشقون الموت كما نعشق نحن الحياة.

* خبير علوم الإجرام ومكافحة الإرهاب مدريد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة