بينما تبث الجماعات الإرهابية أفكارها لتجنيد الشباب شرقا وغربا حشدت مؤسسة الأزهر شبابها الدارسين بالخارج للتصدي لتلك الأفكار بوسائل منها بوابة بثمان لغات تلقي الضوء على حرب الأزهر الإلكترونية ضد الفكر المتطرف.
مواجهة الفكر بالفكر” شعار رفعته مؤسسة الأزهر في مصر عبر موقع إلكتروني يحمل اسم “مرصد الأزهر”، ويعمل على متابعة ورصد ما تصدره الجماعات الإرهابية والمتطرفة حول العالم من مقالات وفتاوى وفيديوهات، والرد عليها لمواجهة انتشار الأفكار التي تسيء للإسلام وتخدع آخرين فينضموا لتلك الجماعات. وهدفه رصد كل ما تبثه الجماعات المتطرفة من أفكار وكل ما يُكتب عن الإسلام والمسلمين بجميع اللغات”.
يقول الباحث “لورينزو فيدينو” بأن الأجواء البريطانية المتساهلة مع المتأسلميين ومنحهم حق اللجوء أسهمت في تثبيت “الجهاديين”و جماعة الإخوان المحظورة في منطقة الشرق الأوسط وفي بريطانيا، على مدى الخمسة عقود الأخيرة، الأمر الذي جعلهم يشكلون مجموعات لجمع الأموال ونشر المؤلفات، وتنظيم الفعاليات والضغط والقيام بمجموعة واسعة من الأنشطة التي تتعارض مع وجودهم في بريطانيا.
مشايخ المنابر في اوروبا
وتداركت المانيا على سبيل المثال، وبعض دول اوروبا اخطاء سياساتها تجاه الجاليات المسلمة، في اعقاب موجات الارهاب ابرزها تفجيرات باريس نوفمبر 2015 وتفجيرات بروكسل مارس 2016، لتكتشف، بان بعض مشايخ المنابر غير المؤهلين كانوا وراء دفع الشبان هنا في اوروبا الى التطرف والالتحاق بالتنظيمات الارهابية. هذه المشايخ، اعتمدت الخطاب المتطرف وفسرت مفاهيم الدين الاسلامي، بعيدا عن البيئة التي يعيشها هؤلاء الشبان في اوروبا، هي اخذت قوالب “العقيدة” بعيدا عن المشكلات المجتمعية .وتعد فرنسا واحدة من اكثر الدول التي ذهبت بعيدا باتخاذ سياسات وقوانين اكثر تشددا، جاءت بردود فعل سلبية على الجاليات والاقليات المسلمة في فرنسا والتي تخدم اليمين المتطرف
وحذر الباحث طرفه بغجاتي مستشار الشبكة الأوروبية لمراقبة ومكافحة العنصرية في النمسا من أن ظاهرة العداء للإسلام والكراهية والتي أصبحت تتغلغل في كل أجزاء المجتمع الأوروبي وليس فقط في أوساط اليمين المتطرف. وطالب الجميع بالتصدي للظاهرة عبر بث روح التضامن المتبادل والتناغم. وفي هذا السياق، رصدت تقارير أممية، اتجاه قادة سياسيين أوربيين إلى إلصاق التهم بالإسلام والمسلمين، فيما يتعلق بالأحداث الإرهابية التي تشهدها أوروبا، وتحويل الأمر إلى أشبه ما يكون بأداة سياسية
تدريس الأئمة المسلمين في المانيا بالتعاون مع الازهر
وبهدف تعليم قيم الاسلام الحقيقية بعيدا عن التطرف، أوصى مجلس العلم في ألمانيا بتدريس مادة الدين الإسلامي في جامعات ألمانية لتخريج أئمة ومعلمين يساعدون على اندماج المسلمين في المجتمع الألماني. ويقول الدكتورعاصم حنفي الأستاذ في جامعة “ماربورغ” في هذا المجال خلال لقاء له مع موقع قنطرة الالماني:” بلا شك هذه مشكلة تعاني منها ألمانيا حتى الآن، ولا يوجد عدد كاف من الأساتذة المختصين، ولذلك سيتم الاستعانة ببعض من ترى فيهم ألمانيا القدرة على توصيل هذه العلوم كمرحلة انتقالية إلى أن يتخرج ألمان مسلمي الأصل يقومون بهذه المهمة في المستقبل”.
وتعد خطوة تدريس الدراسات الإسلامية والعقيدة الإسلامية في الجامعات الألمانية خطوة مهمة، بايجاد التعاون مع الجامعات الإسلامية المختلفة ذات الخبرة الطويلة في تدريس الدراسات الإسلامية المختلفة وعلوم الإسلام، منها الأزهر.
لذا فان السياسات الاوروبية الجديدة ودول اخرى، ينبغي ان تأخذ بنظر الاعتبار سياسة الاندماج والتكامل الاجتماعي بعيدا عن التهميش والاقصاء. اعترافات اللذين التحقوا بالجماعات المتطرفة، بان بعضها كان بسبب سياسة التهميش وربما فقدان الهوية. شهادات بعض الشباب الذين التحقوا بالقتال في سوريا والعراق كشفت، بأنهم وجدوا في هذه الجماعات “خلاص” ووسيلة للثأر من سوء السياسات والتميز. سياسات الامن وسياسات القمع وحدها لايمكن ان تعالج الارهاب من دون حلول جذرية بضمنها المواجهات الفكرية.
حالة “الاسلامفوبيا
مازالت دول اوروبا تعيش حالة “الاسلامفوبيا”على مستوى الشارع والطبقة السياسية، وقد برزت المخاوف من انتشار التطرف في أوساط المسلمين في اوروبا في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، خاصةً أن منفذي أحداث سبتمبر “خلية هامبورغ” قد جاؤوا من ألمانيا . وكان للخطاب المتطرف داخل المساجد وقاعات الصلاة احد دواعي تلك المخاوف، اضافة الى دعاية الجماعات المتطرفة على الانترنيت، التي تحولت الى ذراع لأستقطاب الشباب نحو التطرف. وهذا ماوسع الفجوة مابين المجتمعات الاوروبية و”المجتمعات” الاسلامية والعربية داخل اوروبا ، بسبب عدم تفاعل أئمة المساجد مع الراي العام. ويبقى عامل تحدث اللغة الاجنبية ، واحد من ابرز العوامل لتوسيع الفجوة مابين ائمة المساجد، وهذا يزيد تلك المخاوف بسبب عدم فهم ذلك الخطاب.
وعلى سبيل المثال ظهر فيديو مسجل لأحد أئمة مساجد في بعض دول اوروبا، يهين المرأة وعدت معظم وسائل الإعلام الألمانية خطبة ذلك الشيخ، معادية للمرأة ومنافية لمبادئ المجتمع الألماني. ويعاني أئمة المساجد ايضا من مشكلة التعمق بالأمور الشرعية والفقهية و”العقيدة” من دون تناول المشكلات الاجتماعية ومعالجاتها.
تفريخ الجماعات السلفية
تشهد السلفية والجماعات المتطرفة في أوروبا، نمواً سريعاً جدا، واشارت اجهزة المراقبة الى ان السلفية المتطرفة تقدر عددها بتسعة الاف عضوا خلال عام 2016. وتعتبر المانيا “جنة” الجماعات السلفية المتطرفة التي انتشرت منها الى باقي دول اوروبا. الانتقادات الى دول اوروبا ، تأتي بمنح بعض مشايخ التطرف امتيازات الحرية والديمقراطية.
ما تحتاجه المانيا واوروبا ودول المنطقة هو تعزيز الخطاب الديني المعتدل، ومد الجسور مع المراكز والجامعات الاسلامية المعروفة في المنطقة ابرزها مؤسسة الازهر الشريف، وجامعات اسلامية في الدول التي تشهد استقرار ونجاحا في دورها في مواجهة التطرف مثل دولة الامارات العربية، التي استطاعت ان تتقدم بسياساتها على بقية الدول في احتواء الجماعات المتطرفة بكل درجاتها وانواعها وفي الوقت نفسه استقبالها الوافدين من شتى الاعراق والاديان، وهذا مايدفع المانيا ودول اوروبية اخرى الى ضرورة التعاون والتنسيق للاستفادة من هذا النوع من تجارب الدول الاخرى في محاربة التطرف والارهاب.
* المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات