اليابانيون بعيون عربية

تناغم السلوك في المجتمع الياباني يترافق باحترام الوقت، ودقة الأداء، وحرفية المهنة، وإتقان العمل، وقد دفعتني قوة هذا الضمير الروحي وأخلاقيات السلوك بين الشعب الياباني إلى طرح الأسئلة التالية: ما سر هذا التناغم الرائع بين روحانية الشخصية اليابانية، وجمال أخلاقيات سلوكها، وبراعة أدائها في العمل؟ وهل لذلك علاقة بروحانية اليابان، «الشنتو» حيث تعد قيم الفضيلة والطهارة والصدق من أهم مؤشرات السلوك الإنساني البناء، ومع أن الشنتو لا تملك كتابا مقدسا أو رسولا مرسلا، ولكن هناك مؤلفين تاريخيين دونوا بها وهناك كتاب يسمى «الانجيشيكي»، والذي جمع في القرن العاشر، ويشرح طقوس الشنتو الدينية.
الجدير بالذكر أن الخشب يعد جزءا مهما من مكونات الحضارة اليابانية، كما تعد في الحضارة اليابانية مفاهيم الاستدامة، وإعادة الاستعمال، والمحافظة على المهارة الحرفية ومعلومة التصنيع أهم من البناء نفسه، بل تمثل جوهر الخلود في معابد الشنتو اليابانية، وذلك بفلسفة إعادة تشييدها كل عشرين عاما، ومن خشب الغابة فقط، ومن دون أية صخور أو اسمنت. وقد استمرت مشاركة الشعب الياباني بهذه الاحتفاليات إضافة لنعمة طموحات ازدهار المستقبل. كما تؤكد هذه الاحتفاليات أهمية انتقال خبرة المهارة الحرفية والروحانيات السماوية من جيل لآخر، لتشمل أرث الهندسة المعمارية، إضافة إلى أكثر من ألف سنة من تقاليد فنية دقيقة، تشمل صنع كنوز مقدسة تشمل 714 نوعا من التقنيات.
هناك طقوس طهارة تقام عند الدخول للمعبد، بأن يقوم الزائر بالوضوء بجمع الماء في كأس من الخشب باليد اليمنى، وسكبه على اليد اليسرى. أن هذه التفاصيل الدقيقة في التاريخ والروحانيات اليابانية طورت الشخصية اليابانية لتكون شخصية مهذبة هادئة متواضعة رصينة حكيمة، تبتعد عن الانفعال والغضب، وتجنب التفاخر والعظمة، وتلتزم بالبساطة والصدق وفضائل السلوك والأخلاق في عملها وسلوكها اليومي. فالعمل مقدس والوقت مقدر، ودقة الأداء والحرفية المتناهية واجب مجتمعي عام. وبذلك صار الشعب الياباني مجتمعا متقدما آمنا ومزدهرا، ولنتذكر أن الروحانيات اليابانية ساعدت على تطوير الشخصية اليابانية، ومن ثم ازدهار اليابان وتقدمها.
***************************
* القاهرة – د. خليل حسن

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة