في كتابه المهم الصادر قبل اسابيع بعنوان «تشريح الإرهاب.. من مقتل بن لادن إلى ظهور داعش» يُشبّه علي صوفان، العميل الخاص السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» تنظيم «القاعدة» و»فروعها الخبيثة» بوحش (الهيدرا) في الميثولوجيا اليونانية.. كلما قطع له رأس، نبت له رأسان!
ويقول «صوفان»: «بعد أكثر من عقد ونصف على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأكثر من ست سنوات على مقتل أسامة بن لادن، ما يزال سرطان (البنلادنية) ينمو في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما وراءهما، وتنقله ناقلات أوسع انتشاراً». ويضيف: «في أثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان لدى تنظيم القاعدة 400 عضو، وأما الآن فلديه أتباع ومريدون منتشرون من شواطئ المحيط الهادئ إلى ضفاف الأطلسي في أفريقيا». ونوّه إلى أن «حمزة» نجل بن لادن، وهو في العشرينيات من عمره، والذي نشأ على الإرهاب، وعزم على اقتفاء أثر والده، يتم إعداده في الوقت الراهن للقيادة مع عدد آخر من الأفراد الذين كانوا محل ثقة والده.
وفي هذه الأثناء، حمل تنظيم «داعش» القتل الجماعي إلى العراق وسوريا، ونفذ أو ألهم هجمات في أكثر من عشرين دولة حول العالم، وزعم مسؤوليته عن التفجير الدموي الأسبوع الماضي في مانشستر البريطانية.
يكتب صوفان بمعرفة وثيقة، لاسيما أنه كان محققاً بارزاً في تفجير المدمرة الأميركية «كول» وأشرف على عمليات مكافحة الإرهاب والتحقيق في الأحداث لمحيطة بهجمات 2001. وكان من العناصر التي تعرفت على مختطفي الطائرات المستخدمة في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وعلى العقل المدبر لتلك الهجمات خالد شيخ محمد.
وصوفان، الذي غادر مكتب التحقيقات الفيدرالي في 2005، كان ينتقد علانية إدارة بوش بسبب أساليب التعذيب المستخدمة في استجواب المشتبه فيهم، بوصفها خطأ أخلاقياً ووسيلة خطيرة وغير فاعلة، تتمخض عن معلومات غير موثوقة، وتساعد الإرهابيين في عمليات التجنيد.
ويركز الكتاب على التنظيم الإرهابي بعد قتل بن لادن، وكيف تطورت «القاعدة» ونشأت «داعش» منذ ذلك الحين، وفلسفتهما المختلفة ومساراتهما المتباينة، وكيف شكلت شخصيات القادة التنظيمين، والعلاقة بين بن لادن الهادئ، وأبومصعب الزرقاوي المسلح الغاضب الذي أسس التنظيم الذي أصبح داعش فيما بعد.
وعلى الرغم من أن عدداً من الكتب تناولت هذه الأمور، مثل «الرايات السود.. ظهور داعش»، للكاتب «جوبي واريك»، و«داعش.. داخل جيش الإرهاب» لـ«مايكل ويس» و«حسن حسن»، فإن كتاب صوفان لا يحكي قصة آسرة فحسب، بل أيضاً مليئة بوجهات النظر الثاقبة التي تضع الهجمات الإرهابية التي تحدث في الوقت الراهن بأيدي تنظيم داعش أو القاعدة في سياق تاريخي ومن منظور الأوضاع الجيوسياسية المعقدة في المنطقة.
ويسلط كتاب «تشريح الإرهاب» الضوء على الدور الكارثي الذي لعبه الغزو الأميركي للعراق، في تغذية الإرهاب وإنشاء الفوضى وفراغ السلطة في العراق، ووفّر البيئة الحاضنة المثالية للعنف وسفك الدماء.
ونوّه إلى أن القرارين الأميركيين بحل الجيش العراقي وحظر حزب «البعث» ومنع أعضائه من تقلد مناصب في السلطة، ثبت أنهما كارثيان، ذلك أن البعثيين السابقين العاطلين عن العمل سرعان ما أصبحوا العمود الفقري لتنظيم «داعش» الإرهابي. وبخبراتهم الحكومية والمخابراتية والعسكرية، جعل هؤلاء الناس أنفسهم أساساً لإنجازات التنظيم في ميدان المعارك، والأساليب الإرهابية التي استعملوها لترهيب المواطنين الاعتياديين.
وفي فصول الكتاب، يقدم صوفان توضحياً مفصلاً للإدارة البيروقراطية بنحو كبير في تنظيم «القاعدة» ويصف وجهة بن لادن للتاريخ، وولعه بالإدارة التفصيلية، مقتبساً رسالته إلى أحد القادة التابعين له: «أرجو إرسال السيرة الذاتية لكل العناصر الذين يمكن ترشيحهم للمناصب الإدارية العليا الآن أو في المستقبل». ومثل هذه الرسالة، توضح كيف كانت إدارة التنظيم اليومية.
ويستعمل المؤلف أيضاً بعض الأساليب التي تعلمها كمحقق لمعرفة ما يدور في خلد المستجوبين، والتعرف على العوامل التي دفعت كثيرين منهم إلى أن يصبحوا إرهابيين، والأساليب التي يستخدمها تنظيما «القاعدة» و«داعش» لتجنيد أعضاء جدد وللترويج لأعمالهما الإرهابية. وأوضح أن التعاطف أداة مفيدة في هذه الحرب، مشيراً إلى أنه بفهم تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، يمكن أن نحارب بصورة أفضل الأيديولوجية المدمرة التي يمثلانها.
«تشريح الإرهاب» في طوره الجديد
التعليقات مغلقة