قراءة في مجموعة (نساء عند خط الاستواء)

عبد الغفار العطوي

1. للقاصة السعودية زينب حفني صدرت المجموعة القصصية القصيرة ( نساء عند خط الاستواء ) الطبعة الثالثة 2009 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ بيروت التي حملت في عالمها السردي نساء سعوديات يتعرضن لشتى صنوف القهر والقمع والاستبداد بحجة واهية واتهام باطل لا ينهض أمام الحقيقة في عتبة المجموعة التي دفعت بها القاصة في المقدمة ( إلى حواء المتهمة الوحيدة في قضية إخراج آدم من الجنة –) للرد على ذلك الاتهام الذي يفرضه النظام الأبوي بقوتيه البدوية والدينية السلفية اللتين اتفقتا على إن السبب الرئيسي لشقاء الرجل هو خروج الأب الأول أو الرجل الأول المقدس من جنة الله ، وبما إن هذا التصور الخيالي لا يقف كثيراً قبالة ما ساقه القرآن أو السنة النبوية الشريفة من دلائل قطعية تفنده إلا إن النظام البطريركي يصر في مبانيه على التلفيقات الثقافية التي تعطيه الحق في سيادة الذكورة على حساب الأنوثة المستباحة ، ولقد قامت القاصة السعودية بنقد تلك المباني الثقافية التي يتحجج بها النظام الأبوي السعودي عن طريق طغيان السمات الذكورية وانسحاب الصفات الانثوية إلى مرتبة دونية ،وإنشاء وجهة نظر فحولية يتبناها ذلك النظام جراء ثقل الموروث البدوي والسلفي المتشدد ، من هنا القاصة تواجه مصاعب جمة في إبعاد تهمة الرجل عن بنات جنسها في ذلك الاخراج من النعيم نحو الشقاء ، لكن نسوتها يتعرضن لمزيد من القسوة والإهانة يزيد من فرص تعاطف القراء مع هؤلاء النسوة الورقيات ، ويدفع بالتالي المشهد السردي نحو بلورة ثقافة الجسد الانثوي في الصراع الخفي بين المرأة وذلك النظام المهيمن على مقدراتها ، وما تحاول القاصة السعودية زينب حفني إيضاحه في قصصها هو تغيير فكرة الاتهام الباطلة صوب المطالبة في المساواة بين الجنسين .
1- 2- في قصة ( إيقاعات أنثوية محرمة ص 9 ) تحمل القاصة سبب ارتكاب البطلة لفعل الرذيلة مع رجل الفندق ليس لرغبتها في ممارسة الجنس مع الأغيار في البلد الغريب (باريس) أو لنزوة في الانتقام من زوجها الذي طلقها بعد قصة حب عاصفة اسلمت له عفتها بتهور قبل الزواج ، إنما للخروج من سلطة الأب المخفي في ضميرها الذي ثارت من أجله عندما عرض رجل الفندق عليها حفنة من الدولارات مقابل الليلة التي قضتها معه هروباً من تأنيب أمها التي تتحدث معها منذ الصغر بلسان النظام الأبوي ، وهي حينما اختارت النوم مع الغريب الأجنبي ، لكي تدفع عن ذاتها تهمة الخيانة ، والتنكيل بالرجل والتقليل من ذكورته التي لم تستطع الحيلولة بينها وبين ممارسة حريتها بكامل وعيها ، البطلة التي ثارت على الأجنبي الذي امتلك جسدها وربما ذاتها ليلة كاملة كانت ترسل إشارات وشفرات لرجل النظام البطريركي بأن الإدانة التي توجهها إليها فحولته لن ترسخ فكرة الاتهام الذي يطلقه الرجل، وفي قصة ( هل أمارس جنوني ص 17) تدين القاصة على لسان بطلتها التي كانت معجبة برجل يمتهن الأدب والثقافة ( الأستاذ علي) وترغب بالسير على طريقه في الشهرة والإبداع الثقافي ، لكنها عندما تتصل به وتجازف في خرق واضح لتعليمات النظام الأبوي الذي يحرم الاتصال بين المرأة والغير من الرجال الأجانب تكتشف إن ذلك المثال الذي طالما حلمت به يمتلك من الخسة والنذالة ودونية الأخلاق ما يجعلها تتراجع عن متابعته ، وبذلك تفرغ البطلة ما في عمق القاصة من إدانة الرجل المدعي لتحرر المرأة السعودية وه في الحقيقة ذئب مفترس ، القاصة وهي الراوية العليمة تبني مناخاً مكانياً متسعاً خارج شرنقة المرأة التي رسمها الأب المخفي ، وعندما تغامر بطلتها بالخروج على الفرضيات الذكورية في مواجهة الذكورة المحسنة التي انقلبت بعيني المرأة إلى فحولة مخصية تتفاجأ بردة فعلها المفترس لكينونتها الانثوية ، فترتد لشرنقتها ما تريد القاصة قوله هو إن الكرة في ملعب الرجل ، يمكنه أن يكون ذئباً جامحاً أو أن يصبح حملاً وديعا ولا ذنب للمرأة في كل هذا ، أما في قصة ( لا بد أن تغرد البلابل ص 27) ترسم القاصة صورة بارعة للحديقة الخلفية للنظام الأبوي ومن القضايا المروعة التي يسكت عنها المجتمع الذكوري فالقاصة وهي الراوية الماهرة تطرح عالم المثليات كنتيجة طبيعية للقبضة الحديدية لذلك النظام على المرأة حيث تصور العلاقات النسائية التي تتصب بارساء وتمتين العلاقات المثلية في حاضنة الأبوية ، بوجود عالم نسائي مخفي تديره صاحبة القصر الباذخ المحرومة من العلاقات الشرعية التي يقيمها الرجل الابوي ( الزوج اللاهي بتجارته ورحلابه مع عشيقاته في الخارج ) معها تاركها نهباً للشهوة الجنسية التي تحولها نحو الشبق المثلي السحاقي والتلذذ والتحرش بالمرأة ، ومن أجل أن تكون ممارستها متوافقة مع رضا الأبوية ، لهذا تدعو صاحبة القصر النسوة المحتاجات للاملاء العاطفي من المتزوجات المحرومات او المطلقات اللاتي أبعدن عن منهل الشهوة لاختيار المناسبات لها ، والقاصة تضع في الصورة السيدتين منى المحرضة على فعل المثلية والسيدة مها المطلقة والمقصية عن الاملاء العاطفي والجنسي ، لتبدأ الدعوة من الأولى والتحريض من الثانية والرفض من الثالثة ، لنرى إن القاصة ونسوتها الثرث يسبحن في فضاء الأب المخفي الذي يرفض الاتصال بالجنس الآخر ، ولما تحدث المكاشفة بين سيدة القصر المثلية في صورة تحرش علني مع مها تترك مساحة فارغة لاختيار البطلة في تلبية الدعوة للممارسة المثلية بوجود المحرض ، لكننا لا نفاجأ برفض مها لدعوة سيدة القصر على الرغم من احتياجها العاطفي وتحت الضغوط التي تمارسها السيدتان الأـخريان ، وقد تحس القاصة بنوع من الراحة في قرار مها الذي اتخذته في الرفض ، لأن القاصة تخشى على نسوتها من معاداة المجتمع السعودي المحافظ لهن أو في الانقلاب عليهن ، لكن في قصة ( طقوس غير شرعية ص 37) تتعاطف القاصة وهي تتدخل في تفاصيل ما حدث للفتاة فاطمة منذ دخلت مع أمها على الشيخ عمر المشعوذ في بيته الرهيب ، وما تبع ذلك في المتخيل السردي من تداعيات ما حصل للفتاة قبل عشرة أعوام ، أي منذ طلاقها ، وباختزال زمن الحكاية تضع الراوية عقدة الطلاق وراء ظهري المرأتين ، لتنشأ حكاية الاغتصاب الذي قام به الشيخ عمر لفاطمة ، فيكون هو الأساس في خرق ناموسية الأب المخفي وراء ثقافة الشعوذة والدجل ، القاصة عبر راويتها تتصدى لنقد هذه الثقافة التي هي جوهر الأبوية، و بعض أفانين ذكوريته التي يبتكرها للنيل من كرامة المرأة ، وإذا ما انطوت المرأتان على الكثير من السذاجة واليأس بأن الخلاص لا يتم إلا على يد المنقذ الفحل ، فإن سلوكيات الشيخ عمر تنم عن قسوة واستبداد وقهر عندما يخدع المشعوذ المرأتين ، ويغتصب الفتاة ويهددها بالفضيحة ، ثم بعدها تكتشف إنها حامل وقد شعرت بالخوف والتقزز والرهبة ، وفي هذه القصة زينب حفني تنجح في إدانة الذكورية النزقة التي توجه الإهانة لجسد وروح المرأة ، ولا شك إن القاصة الراوية في قصة ( امرأة على فوهة البركان ص 45) تضع المرأة بين مخالب الأبوية ونزواته، صورة المرأة التي بين نارين ، نار الزوج الباردة المنطفئة التي تعني اهمال وعدم اكتراث بالزوجة وحاجاتها الجسدية والعاطفية التي تمثل حيويتها ووجودها ، ونار الرجل الأجنبي المتربص بهتك عرض المرأة ونهش جسدها والغول في عواطفها وهي تتأجج بين هاتين النارين ، وتبتكر الحيل للتنصل من مواثيق الرجلين ، في أن تخون زوجها أو أن تخون خائنها والتغير المكاني بين بيت الزوجية وعمارة الخيانة يرسم التأرجح في الخيارين ، لكن ميلها في عدم الخيانة ليس للزوج المهمل إنما لشروط الأب المخفي الذي لا يغفر للمرأة خيانتها الشرعية ويغفر لما دون ذلك من هفوات مسكوت عنها ، إن القاصة تقف مع نسوتها لحد الآن في عدم إقبالهن على إغضاب الأب الأول الجمعي الذي يستنفر الرجال السعوديون غضبته تجاه النسوة السعوديات المتهمات، لكن في قصة (وفاحت رائحة عرقها 53) تدين كل شيء يمت للرجل بصلة ، نظامه الأبوي الذي لا يكترث لوجود المرأة ككيان مستقل ، بل يجحفها حقها حتى في قضايا خاصة بها كالطلاق والهجران والنفقة والقيمومة والتعدي الجسدي الجنسي والعيش الحر الكريم لها ولأسرتها ، والقاصة تعري المجتمع الذكوري بعد الإدانة وتعبر عن نفورها من تصرفاته إزاء ضعف المرأة وقهرها ، وفي هذه القصة تحدد القاصة مسار المرأة الأم والابنة ، ونقاط القهر والسلب الإنساني في اكتشاف الأم إن النظام الأبوي الذي يساند الرجل من الناحية الدينية يضعها في أول جادة الانحراف بالوقوف إلى جانب زوجها في قضية النفقة البخسة التي يجريها لها ولابنتها ولابنها ، لتجد سبيلها للعهر كي تعيش في بحبوحة الجسد المدنس ، مع عشاق كثر لم تستطع ذودهم عن اجتراح عفافها بسبب كفالتهم لجسدها المرتهن للعهر ـ لكن بموت ابنها الوحيد بعد غياب الزوج عن المشهد السردي ترتد الأنفاس وتعلن توبتها بالعقاب الأبوي الذي خطف ولدها ، وعندما تموت الأم التائبة تمضي ابنتها على الطريق نفسه في الوقوع تحت سلطة الرجل العاهر كي تقتات بعرق عهرها ، وهكذا تستمر الحالة ، كأنما تريد القاصة أن تقول إن الرذيلة من ابتكار الرجل والمرأة في عالمنا أضعف من أن تقوى على إخراج الأوادم من جنة مصطنعة من خيارتهم المريضة ، وهي تشاركهم هذه الجنة.
القصص الست الباقية تختلف عما سلف من قصص المجموعة السابقة من ناحية التناول لشخصية المرأة وعلاقتها بالرجل بعيداً عن مهيمنات الأبوية السعودية حيث التقابل بينهما في فضاء سردي متكامل ، ففي قصة ( اللوحة ص 63) تقف المرأة قبالة لوحة تصر عليها هي في حوزة رجل غني وغامض، و بينما كانت علاقتهما تمر من خلال الهاتف والمواعيد والتبرعات والاشتهاء والتمنع تحدث القطيعة عقب عرض الرجل للزواج من المرأة بسبب الزوجة الأولى ن وتعكس هذه القصة الحدود التي يضعها الرجل في طريق حرية استقلالها باتخاذ الرأي لصالح مصالحها وتكون المعركة بين النسوة على رجل واحد ، أما في قصة ( الليلة حفلة عرسي ص 73) فالمصيبة هي أي أن تكون المعركة بين المرأة وبنات جنسها على الرجل فالقاصة هي الساردة والبطلة في هذه القصة التي تفاجأ بصوت صديقتها منال تخبرها بخبر مفاده : هل تعلمين إن حفل زواج عبدالله الليلة بقاعة الفردوس ، فالحكاية نابعة من الرجل وخياناته التي لا تنقطع ، فلا مندوحة من المشاركة في عرسه ، ومعنى هذا الرقص في زواج الرجل الذي تحبه المرأة يتقول على التنكيل الرمزي للرجل في صورة المرأة المتعددة والرجل الثابت ، أما القصص الأربع الأخرى فتدور حول ترميم صورة المرأة في عيني الرجل بالدفع بهذه الصورة للبروز في دفوعاتها التي ترسلها كدوافع جدلية عن الاتهام الذي يوجهه الرجل للمرأة في قضية الاخراج من جنة الله التي يتقاسمانها معاً ، كي توضح القاصة في هذه القصص عدم قدرة الرجل في الاستغناء عن نصفه الثاني ففي قصة ( حكاية – قارصة البرودة ص 81) عندما يخون الرجل المرأة الزوجة لا لشيء سوى لنزوة سفر ولإثبات رجولة مع عابرة في البلد الأجنبي ( ماريا |اسبانيا ) وتموت هذه المومس في شقته بغتة فتنقطع وشائج الحميمية بين الزوجة المنتظرة للملاك الطائر زوجها وبذلك يفقد الجنة بخطيئته ، وفي قصة ( واتمت الحقيقة أمامه ص 87) وفي قصة ( المرأة الأخرى ص 95 ) يدرك الرجل الخسارات الكارثية في فقدان المرأة ، في الأولى الزوجة عندما يهددها المرض الخبيث وفي الثانية حينما تتناثر أشلاء المرأة الحلم التي تشارك الرجل في فردوسه النائي عن المرأة الزوجة ، وفي قصة ( نساء عند خط الاستواء ص 105) تبلور القاصة مع ثلة من نسوتها رؤية النسوة السعوديات لبلدهن في جدال حر ، كأنما تريد القاصة وصويحباتها الورقيات رسم الأسئلة الحرجة التي ينكرها الرجل ويسكت عن معظمها المجتمع الأبوي.

نساء عند خط الاستواء زينب حفني المؤسسة العربية للدراسات والنشر و التوزيع بيروت 2009

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة