العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية للعراق مع اليابان

(3ـ 4)
لقمان عبد الرحيم الفيلي

سادساً: دلائل الاهتمام الياباني بالعراق:
تمثّل مظاهر السلوك السياسي والاقتصادي دلائل واضحة على طبيعة توجهات الدول نحو بعضها بعضاً، فهناك كثير من المؤشرات العملية والإجراءات السياسية والاقتصادية التي قامت بها اليابان تجاه العراق تؤكد على اهتمامها ببناء علاقات وثيقة مع بلدنا، ويمكن إيضاح ذلك من خلال الآتي:
• اتخذت الحكومة اليابانية قرار إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى السماوة، في سابقة لم تعشها اليابان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحدوث الانعطاف الكبير في الواقع السياسي والاقتصادي الذي عاشته بعد الحرب. فعلى الرغم من العوائق الكثيرة التي واجهتها تلك الحكومة، والتي منها ما هو دستوري (المادة التاسعة من الدستور الياباني التي تحّرم إرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية في مهمات خارجية)، ومنها ما هو سياسي (كالمظاهرات التي نظمتها أحزاب المعارضة لقرار إرسال القوات اليابانية إلى العراق)، وحتى الشعبي منها، إلا أن حكومة رئيس الوزراء الأسبق السيد كويزومي عمدت إلى استصدار قانون خاص صّوت عليه البرلمان الياباني ليجيز إرسال تلك القوات إلى العراق، ومع أن المراقبين يعزون ذلك إلى ضغوط مارستها الولايات المتحدة في ذلك الوقت، إلا أن المبادرة اليابانية تجاه العراق كانت جديرة بالاحترام والثناء.
• مستوى الدعم المالي الكبير الذي قدمته اليابان إلى العراق والمتمثل بإطفاء الديون والقروض الميسرة والمنح المستمرة لغاية الوقت الحالي.
• الحرص الياباني على توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع العراق؛ إذ أوفدت اليابان في شهر كانون الثاني 2009 رئيس وزرائها الأسبق -وهو حالياً رئيس للوزراء- السيد شينزو آبي إلى بغداد، كمبعوث شخصي من رئيس الوزراء الياباني السيد تارو آسو في حينها، لتوقيع بيان الشراكة؛ ليكون بمنزلة الإطار القانوني لعمل الشركات اليابانية تجاه العراق، وقد سبق توقيع الاتفاق إنشاء لجنة تخصصية عالية المستوى برئاسة وزير الاقتصاد الياباني لتقييم العلاقات مع العراق، ورسم الخطوط العريضة لسياسة بلاده الاقتصادية تجاهه.
• اهتمامها بترسيخ مبادئ المصالحة الوطنية في العراق، من خلال دعوة رؤساء الكتل في مجلس النواب العراقي لزيارة اليابان وعقد حوارات متعددة برعاية يابانية.
• اهتمامها بعقد منتديات اقتصادية لتشجيع الشركات اليابانية في الاستثمار أو العمل في العراق.
• قيام وزارة الخارجية اليابانية بإصدار بيانات دورية للشجب والتنديد بالهجمات الإرهابية التي يتعرض لها العراق، ومناداتها بضرورة الحفاظ على وحدة الصف العراقي.
• ما تلمسته حينما كنت سفيراً لجمهورية العراق لدى طوكيو (٢٠١٠-٢٠١٣) من استعداد ياباني عالي للتعامل بإيجابية مع أي طلب مالي أو تقني عراقي.
• وضع العراق ضمن الأولويات العُليا في السياسة الخارجية لليابان ودعمه في المحافل الدولية.
سابعاً: ما يميز علاقة العراق الاستراتيجية مع اليابان عن بقية الدول المتقدمة:
• عدم وجود حواجز نفسية في العلاقات العراقية-اليابانية، كالماضي الاستعماري أو غير ذلك من العُقد السياسية، وأن لليابان موقفاً واضحاً من القضايا العربية والشرق أوسطية كما هو الحال في موقفها المساند لقضية الشعب الفلسطيني، ووضوح السياسة الخارجية اليابانية في التعامل مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل.
• إن اليابان لا تضع حدوداً على تصدير التكنولوجيا المتطورة إلى العراق، لذا فإن التكنولوجيا المستوردة منها ستكون على وفق أحدث المستويات.
• من الممكن أن توفر اليابان للعراق مصادر مالية جيدة بهيئة قروض ميسّرة، تساعده على الاستجابة لتكاليف مشاريع إعادة الإعمار.
• تعدّ سوق الطاقة اليابانية من الأسواق المهمة، كونها تستهلك 4.25 مليون برميل يومياً مما تشكّل للعراق فرصة اقتصادية جديرة بالاهتمام.
• الخبرة التي تمتلكها اليابان في تنفيذ المشاريع العراقية، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يجعلها تنخرط بسلاسة في المشاريع العراقية دون حواجز تذكر.
• هامش الثقة الكبير الذي تتمتع به الشركات اليابانية على مستوى تنفيذ المشاريع في العالم، فهي تمتاز بالدقة والمتانة في التنفيذ.
• الاحترام الشديد الذي يكنه اليابانيون للعراق وتأريخه.
ثامناً – تحليل سوات (SWOT) للعلاقة:
أ – الضعف:
• بطء إجابة الجهات العراقية على مراسلات السفارة اليابانية بسبب البيروقراطية الإدارية في داخل العراق.
• ضعف التنسيق بين الوزارات العراقية كما هو الحال بين وزارتي التجارة والصناعة وهيئة الاستثمار ووزارتي النفط والكهرباء.
• عدم وجود مختص باللغة اليابانية في القسم لترجمة المقالات والدراسات الاقتصادية اليابانية.
• الوضع الأمني غير المستقر في بعض المدن العراقية يصعّب على اليابانيين الترويج للاستثمار في كل العراق.
• عدم تلمس الجانب الياباني جدية من الجانب العراقي لتنفيذ بنود الاتفاق الاستراتيجي.
• عدم وجود استراتيجية عراقية واضحة عن كل قطاع مشمول بالاتفاق.
• غالباً ما يجري تبديل المسؤولين الحكوميين القائمين على موضوع معين في الملف الياباني بموظفين ومسؤولين جدد وخلال فترات قصيرة؛ مما لا يساعد على تراكم المعرفة وانعكاس ذلك على الأداء.
• الفساد المالي والإداري المتفشي في العراق.
• عدم وضوح مبدأ الدفع بالآجل بالنسبة للجهات العراقية؛ وبالتالي يصعب عرضها على اليابانيين.
• عدم وضوح القطاعات الاقتصادية التي يركز عليها الجانب العراقي لجذب اليابانيين.
• الإحباط الياباني من عدم منح أي معاملة تفضيلية عراقية للشركات وقطاع الأعمال في اليابان على الرغم من دعمهم المقدم للعراق وشعبه منذ العام 2003.
• عدم وجود قطاع خاص عراقي يكون شريكاً مناسباً يُعتمد عليه من قبل رجال الأعمال اليابانيين.
• عدم وضوح أدوار الجهات العراقية الحكومية ومسؤولياتها في مجال تنشيط الاستثمار وتسهيله في العراق كما في الهيئة الوطنية للاستثمار ووزارة المالية والتجارة والتخطيط والتداخل الكبير في عملهن في هذا المجال؛ مما يصعّب الحالة على اليابانيين بتركيزهم على الجهة الواجب حضورها لليابان.
• عدم وضوح طبيعة الصلاحيات لهيئات الاستثمار في المحافظات العراقية؛ مما يضعها في تداخل مع عمل الهيئة الوطنية للاستثمار ومن هو المسؤول الأخير الذي يجب أن يعقد الصفقة مع المستثمر.
• عدم وجود كوادر متخصصة تقوم بالترويج والتسويق للاستثمار في السوق العراقية.
• الوضع الأمني غير المستقر في المدن العراقية، يبعد المستثمر الأجنبي عن الاستثمار في هذه المدن.
• اعتماد القانون العراقي كمرجع قانوني لحل المنازعات والخلافات التي من الممكن أن تنشئ مع المستثمرين الأجانب، والتي لا تعطي الحق لهؤلاء المستثمرين بالاستعانة بالقوانين الدولية المعتمدة في حل النزاعات التجارية.
• قلة المعلومات المتوافرة عن البيئة الاستثمارية في العراق مثل القوانين النافذة والإحصائيات المتعلقة بالاقتصاد.
• ضعف القطاع الخاص العراقي مما يصعّب على المستثمر الأجنبي إيجاد شريك محلي في السوق العراقية.
• عدم وجود البنى التحتية اللازمة الكافية لجذب المستثمرين كالفنادق وطرق المواصلات وضعف الاتصالات السلكية وشبكات المحمول.
• صعوبة تطبيق القرارات والقوانين الخاصة بالاستثمار؛ بسبب ضعف الأداء الإداري للمؤسسات العراقية في هذا الشأن؛ نظراً لأن تجربة جذب الاستثمارات والتعامل معها هي تجربة جديدة في العراق؛ مما يكلف المستثمر كثيراً من الوقت والمال لمتابعة الأمور اللوجستية لتنفيذ مشروعه في العراق، والحصول على الموافقات اللازمة ومن عدة جهات حكومية عراقية.
• التقادم الزمني لأنابيب النفط والغاز المستخدمة في العراق، التي عدا كونها مصدراً ملوثاً للبيئة فإنها تشّكل مصدر قلق للمستثمرين من تحملهم لنفقات جديدة المتمثلة ببناء أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز إلى المصافي النفطية ومن هذه النقطة لنقل مشتقات النفط إلى الأسواق المحلية وموانئ التصدير.
ب – التهديدات:
• إمكانية تعرض يابانيين عاملين في العراق للاعتداء.
• تغيّر أولويات الحكومة اليابانية وتراجع ملف العراق.
• اقتصار الزيارة على الجانب البروتوكولي فقط، وعدم وجود نتائج عملية مثمرة للجانبين مثل توقيع اتفاقيات أو الاتفاق على إقامة مشاريع في العراق.
• اقتصار الوفد العراقي على الجانب الحكومي فقط ولا وجود لممثلين عن القطاع الخاص.
• تهديد بعض العشائر في المدن العراقية للاستثمارات الأجنبية.
• عدم المصادقة على القوانين المهمة فيما يخصّ الاستثمار، مثل قانون النفط والغاز.
• بطء إجراءات الجهات الحكومية العراقية بشأن تسديد مستحقات المستثمرين الأجانب في العراق مما يؤدي إلى تأخير عمليات التسديد هذه، ويضع المستثمرين في صعوبات مالية.
• ملفات الفساد الإداري تمثّل تهديداً حقيقياً للاستثمار في العراق التي -على الرغم من جهود الحكومة العراقية وهيئة النزاهة- لا تزال تشكّل أرقاماً لا يمكن الاستهانة بها أو بعواقبها.
• تدهور الوضع الأمني لبعض المدن العراقية المستقرة نسبياً مثل التفجيرات الإرهابية.
• تهديد بعض العشائر في المدن العراقية للاستثمارات الأجنبية.
• التغيير المستمر للسياسيين العراقيين المعنيين بملفات اليابان.

*السفير العراقي السابق في الولايات المتحدة الأميركية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة