من أجل قانون فاعل وملائم لشركة النفط الوطنية العراقية

(1ـ3)
طارق شفيق
وأحمد موسى جياد

اقرمجلس الوزراء مسودة القانون الجديد لشركة النفط الوطنية العراقية وارسله الى مجلس النواب لتشريعه وفق الأجراءات التشريعية والدستورية. وفعلا تمت القراءة الأولى بتاريخ 27 نيسان 2017 وأحيلت مسودة القانون الى اللجنة البرلمانية المشرفة- لجنة النفط والطاقة.
من الناحية الشكلية فان المسودة مقتضبة للغاية، أما من ناحية الجوهر والمضمون فانها مخيبة، مبهمة من ناحية الصياغة، غيرمتسقة هيكليا وغيرمحددة وظيفيا. ولهذا فان القانون المقترح بصيغته الحالية غير قابل للتطبيق الفعلي المثمر وعليه لابد من اعادة النظرفيه بشكل جذري ضمن نظرة شمولية تاخذ بنظر الأعتبارالتغيرات الأساسية المتعلقة بالموضوع، وكما موضح في هذه المساهمة.
في البداية لابد من الذكر بانه تم سابقا عرض واقتراح العديد من المسودات لقانون شركة النفط الوطنية العراقية سواء كان ذلك بشكل مبادرة مستقلة (رسمية اوفردية) اوضمن المسودات العديدة لقانون النفط والغاز منذ عام 2007 ولحد الأن. وان بعض من تلك المسودات تمت قراءتها ألأولى في البرلمان وتوقف ألأمر عند ذلك الحد. وقد سبق لنا، بشكل منفرد، المساهمة في هذا الموضوع بطرق عديدة بضمنها نشر العديد من المقالات التحليلية بشان جميع تلك المحاولات والتعاون مع وزارة النفط بهذا الشان.
لقد دخل العراق مرحلة جديدة وخاصة بعد نفاذ الدستورالحالي الذي ارسى مبدأ ان النفط والغازملك الشعب العراقي وحدد،ولو بشكل لايخلو من الضبابية، مسؤوليات وصلاحيات السلطات الأتحادية وسلطات ألأقليم والمحافظات بضمنها ما يتعلق بقطاع النفط والغاز. وتبقى موارد النفط والمواد الهيدروكاربونية ملكاً للشعب العراقي غير قابلةً للانتقال اوالمشاركة وحقاً غير قابل للسقوط بتقادم الزمن.
وكما هو معروف فان العراق غني بمصادر البترول المكتشفة وغير المكتشفة وان عوائد صادرات النفط تمثل،لحد ألآن،أهم دعائم تطوير البلاد وألأقتصاد. وفي نفس الوقت فان المصادر البترولية الطبيعية قابلة للنفاذ والأستنراف.
ومن أجل تمكين وزارة النفط التركيزعلى دورها الرئيسي المتعلق بوضع السياسة النفطية ألأتحادية والتخطيط وألأشراف والمتابعة وتحسين الكفاءة التشغيلية فان ذلك يتطلب تمتع الكيانات الأنتاجية والتجارية والتقنية باستقلالية فاعلة في ادارة اعمالها ونشاطاتها وانظمة عملها.
وضمن هذا التصور نرى ضرورة تاسيس شركة النفط الوطنية العراقية كشركة حكومية وبراسمال اولي حكومي ولكن تتمتع باستقلالية تامة وفاعلة بكل مايتعلق بهيكليتها ونظمها وشؤونها المالية وألأدارية والتنفيذية؛ تعمل في جميع ارجاء الوطن الواحد ومياهه ألأقليمية وفي كل المحافظات وألأقليم.
ولابد من تشجيع القطاع الخاص الوطني المرتبط بقطاع النفط وذلك بدعم وتعظيم «المكون ألمحلي» بهدف نقل والمحافظة على التكنولوجيا والمعرفة واساليب ألأدارة الحديثة وغيرها من خلال تفاعل القطاع الخاص مع الشركات العالمية المتعاقد معها لتطويرالحقول النفطية والغازية.
بعد القرائة المتأنية والتحليلية لمسودة القانون المقترح والقوانين ألأخرى ذات العلاقة وفي ضوءالخلفية الـتأريخية للشركة ومايجب ان تكون عليه في الظروف الحالية والمستقبلية المحيطة بالصناعة النفطية نرى مايلي :
اولا: ان مسودة القانون المقترح مقتضبة للغاية من ناحية الشكل/الهيكل والمضمون. حيث تتضمن المسودة تسعة مواد هي ألأخرى مقتضبة ايظا وخاصة مايتعلق بمجال (استثمار) عمل الشركة (المادة 5). يضاف الى ذلك وجود تناقض واضح في مدى نشاطات ومهام الشركة حيث تضمنت (الغاز) في الوقت الذي اقترحت فيه وزارة النفط مسودة قانون اخرلتشكيل شركة الغازالوطنية العراقية.
ان هذه الصيغة تخلق تناقضا وتداخلا واضحا بين الشركتين في حال اقرار قانونيهما اوانها تشير الى صرف النظر نهائيا او مرحليا عن مقترح تشكيل شركة الغاز الوطنية العراقية. وفي كلتا الحالتين فان هذا يشير الى انعدام التنسيق وفقدان النظرة الشمولية المتكاملة عند اقرارمسودة القانون الحالي من قبل مجلس الوزراء وعدم تمكن وزارة/ وزيرالنفط في توضيح الأمرلأعضاء المجلس للحيلولة دون وقوع هذا اللغط القانوني.
ثانيا: قد يكون السبب في ما ذكر في الفقرة اعلاه عائدا الى اعتماد القانون المقترح وبشكل كبير على قانون يعود الى حقبة الستينات من القرن الماضي والذي لازال ساري المفعول دستوريا.
تنص (المـادة -1- ثانياً) من القانون المقترح على مايلي» تحل الشركة المؤسسة بموجب أحكام هذا القانون محل الشركة المؤسسة بموجب القانون رقم (123) لسنة 1967 وتسري أحكامه عليها بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.»
يمكن تسجيل الملاحظات التالية على النص اعلاه:
أ- ان الأشارة الى القانون رقم (123) لسنة 1967 غير دقيقة ويكتنفها الغموض وقد تسبب اشكالية قانونية تنفيذيه لأن هذا القانون قد تم تعديله لأربع مرات بين ألأعوام 1968 و1976 بموجب قوانين معروفة رقما وتاريخا، وليه فأن التعديل الرابع يشكل الصيغة القانونية التي يعمل بها وليس الصيغة ألأولى لعام 1967.
أن تفسيرمثل هذا القصورفي ألأشارة الى القانون رقم 123 قد يعود اما الى عدم معرفة مجلس الوزراء ووزارة/وزيرالنفظ بتلك التعديلات الأربع على ذلك القانون (فرضية ألخطأ: الناجم عن التسرع اوألأهمال اوعدم الدراية) اوانهم تجاهلوا عمدا تلك التعديلات رغم سريانها قانونيا ودستوريا (فرضية القصد المتعمد). وفي كلتا الحالتين فان هذا يشكل خطأ صياغيا في نص مسودة القانون ويشكل خطا اجرائيا في تفعيل القانون وعليه لابد من معالجته لتجنب مايمكن ان يترتب عليه من اشكالات تنفيذية.
إننا نرجح فرضية ألخطأ على فرضية القصد المتعمد (لأن الأخيرة تتطلب الغاء القوانين الأربعة المعدلة للقانون رقم 123 وهذا لم يحصل لحد الأن حسب علمنا) وعليه نرى من الضروري اعادة صياغة جزء من المادة اعلاه لتصبح كما يلي « بموجب القانون رقم (123) لسنة 1967 المعدل»
ب- إن عبارة «وتسري أحكامه عليها بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون» تحتاج الى مزيد من التوضيح وخاصة في مجال التحليل المقارن بين القانونين.
ان القانون رقم 123 المعدل يتضمن 25 مادة معضمها طويلة نسبيا وذات صياغة رصينة خاصة وانها خضعت الى اربع تعديلات اقتضتها ضرورة التنفيذ خلال فترة عشرة اعوام. وهذا يعني ان كل مالم يرد ذكره في القانون المقترح يسري عليه ماذكر في القانون رقم 123 المعدل. ولكن بسبب التباين الزمني الواسع بين القانونين والتغيرالجوهري في الظروف ذات العلاقة يصبح من المستحيل اوالغير عملي تطبيق اوتفعيل بعض احكام القانون رقم 123 المعدل في الظروف الحالية اوالمستقبلية. ان ألأمثلة في هذا ألشأن عديدة وذات فاعلية مؤثرة في عمل الشركة مثل دوررئيس الجمهورية، وكيل وزارة النفط والمعادن، صلاحيات وزيرالنفط خاصة في حالة التعارض مع رئيس الشركة، مبلغ ألأقتراض الداخلي ، مهام وصلاحيات رئيس ومجلس ادارة ألشركة، الخ.
ان الضرورة تقتضي اعادة النظر بالعديد من مواد القانون رقم 123 المعدل لجعلها تتوائم مع متطلبات الظروف الحالية والمستقبلية الملائمة لعمل ونشاطات شركة النفط الوطنية.
ثالثا: ان مبدأ اوحجة اومقولة «تغير ألظروف» المذكوره انفا تحتم ايضا تضمين بعض ألمواد او النصوص القانونية التي تعالج المتغيرات وألتطورات المهمة ذات العلاقة والتي حصلت بعد/منذ التعديل الرابع عام 1976 على القانون رقم 123 المعدل. ويكون تضمين تلك ألمواد اوالنصوص ألقانونية اما في القانون رقم 123 المعدل او هذا القانون المقترح.
ومن اهم ألأمثلة التي يجب تضمينها او اخذها بنظر ألأعتبار وبجدية ووضوح هي: التوسع الكمي والتطورالنوعي في الشركات « المملوكة والتابعة» التي سترتبط يشركة النفط الوطنية، قانون الحفاظ على الثروة الهيدروكاربونية رقم 84 لعام 1985، عقود جولات ألتراخيص، التاكيد على ضرورة ألألتزام بقانون 97 لعام 1967 (حيث اشيرلهذا ألقانون في التعديل الرابع عام 1976 على القانون رقم 123) ، مراجعة وتحديد مهام شركة النفط الوطنية وذلك لتجنب شمول النشاطات التي تقع حاليا خارج نطاق عملها، ألأهتمام بالأمور المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة وغيرها ضمن مبدأ «المسؤلية ألأجتماعية للشركات» وكذلك العمل على تكثيف المحتوى المحلي ألخ.
وعليه يصبح من الضروري جدا اظافة بعض المواد الجديدة اما الى القانون المقترح اوالقانون رقم 123 المعدل وذلك لمعالجة المتغيرات وألتطورات المهمة ذات العلاقة والتي حصلت بعد التعديل الرابع عام 1976 على القانون رقم 123.
رابعا: تضمن القانون المقترح ألأشارة الى العديد من القوانين التي ستطبق على ومن قبل شركة النفط الوطنية العراقية. ان هذه القوانين اظافة الى القوانين ألأخرى المشاراليها في القانون رقم 123 المعدل قد تتعارض مع بعضها البعض مما قد يخلق حالة «الحلقة المفرغة» والتي تشكل عائقا قانونيا يؤثرسلبا على كفاءة عمل الشركة.
وبما ان مجلس الوزراء سيقوم باعداد نظام لتحديد حوافز العاملين في الشركة فانه من الضروري دراسة كل تلك القوانين المذكورة بعمق ورويه للتاكد من سلامة وتناسق سريانها على الشركة والعمل على الغاء او تحييد التناقظات بين تلك القوانين ان وجدت.
وفي هذا الخصوص نرى ضرورة تهيئة نظام عمل ورواتب وإمتيازات وحوافزتتناسب واهمية الشركة للإقتصاد العراقي ومقارنة بالشركات النفطية ألأخرى في المنطقة؛ وليس بنظام الخدمة لدوائر الدولة ألأخرى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة