تحمل إشارات إلى أولويات السياسة الخارجية
لوري بلوتكين بوغارت
يمثل اختيار الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له خروجاً لافتاً عن السوابق. وكانت المرة الوحيدة الأخرى التي جاءت فيها المملكة من بين أولى زيارات أول جولة خارجية لرئيس اميركي جديد خلال إدارة جيمي كارتر. وحتى في ذلك الحين جاءت الرحلة إلى الرياض بعد زيارة كارتر لإيران في زمن الشاه.
ويُعد اختيار السعودية إشارة إلى أولويات السياسة الخارجية للرئيس ترامب. كما يلمّح إلى الدور الذي يتصور الرئيس ومساعدوه أن تلعبه المملكة للمساعدة على تحقيق أهدافهم. ومع ذلك، فعلى الرغم من التغطية الإعلامية المحيطة بالزيارة، فإن أفضل رؤية لجدول أعمال ترامب الفعلي في الرياض تتعلق برفع مستوى التحالف الاميركي السعودي بدلاً من تصحيح المسار الأساسي.
إن الهدف الرئيسي للرئيس ترامب في المملكة هو دعم الحرب ضد الإرهاب. وهذا ناشئ عما وصفه البيت الأبيض كهدف ترامب «الأعلى» في السياسة الخارجية وهو: هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات الإرهابية الأخرى. ومن الواضح أن ترامب قد توصّل، بمساعدة مستشارين من ذوي الخبرة في مجال السياسات، إلى استنتاج بأن السعودية تشكل جزءً مهماً من حل مشكلة الإرهاب. وتعد زيارة الرئيس الاميركي أيضاً اعترافاً فعلياً بأن المملكة تمثل حالياً إحدى أقرب شركاء الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في العالم.
وعندما يكون في الرياض، يعتزم ترامب الاستفادة من قدرة السعودية الهائلة على عقد اجتماعات [لزعماء الدول]. فقد عمل السعوديون على جمع عشرات القادة من جميع أنحاء العالم الإسلامي، من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا للاجتماع مع الرئيس الاميركي في قمة اميركية – عربية – إسلامية في 21 أيار/مايو. ويتمثل الهدف الرئيسي في المساعدة على ترسيخ تحالف دولي لمكافحة الارهاب.
وتعتمد القمة على جهد سعودي لإقامة ما أطلقت عليه [الرياض] بـ «التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب» («إمافت»)، من أدنى المستويات إلى أعلاها. وتم الإعلان عن إنشاء هذا «التحالف العسكري الإسلامي» قبل عام ونصف العام. وسوف تعرض القمة إمكانيات الرياض كقناة لدعم مكافحة الإرهاب خارج حدودها.
وفي اليوم ذاته لانعقاد القمة الاميركية – العربية – الإسلامية، ستُعقد أيضاً قمة أصغر بين الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي» ، تضم ترامب وزعماء دول «مجلس التعاون الخليجي» الزائرين. وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن يسود ملف إيران على مباحثات هذا الاجتماع، فمن المؤكد أن التعاون في مكافحة الإرهاب سيكون عنصراً رئيسيً أيضاً.
ومن القضايا العالقة ما إذا كان ترامب سيميّز بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج عندما يتعلق الأمر بمستوى التعاون على جبهة مكافحة الإرهاب. وكان البيت الأبيض واضحاً بشأن اهتمام ترامب بإعطاء الأولوية لتمويل مكافحة الإرهاب في الرياض. وتتفق السعودية والإمارات العربية المتحدة في الرأي مع الولايات المتحدة حول مكافحة تمويل كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة». ولكن حتى الآن يبدو أن إدارة ترامب تولي أوّلية للعلاقات العسكرية الخليجية في مكافحة الإرهاب على حساب مواضيع أخرى – وحتى أكثر من إدارة أوباما.
وأخيراً، إضافة إلى أولويات مكافحة الإرهاب والتصدي لإيران، يتمثل الهدف الرئيسي الثالث للزيارة بتوطيد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية. ومن خلال زيارة ترامب ذات الأهمية العالية إلى المملكة، يوفر الرئيس الاميركي بيئة لتوسيع الاستثمارات والعلاقات التجارية الثنائية. وفي الوقت الحالي، يتم إعداد صفقة لبيع أسلحة اميركية جديدة إلى الرياض، واستثمارات سعودية إضافية في الولايات المتحدة. وقد يصل إجمالي صفقة السلاح قيد البحث إلى اكثر من عدة مئات من مليارات الدولارات على مدى عدة سنوات. ويمكن لصندوق الثروة السيادية الكبير في المملكة أن يستثمر ما يصل إلى 40 مليار دولار في البنية التحتية الاميركية. وثمة قناعة بأن زوج ابنة الرئيس وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، هو لاعب أساسي في المباحثات المتعلقة بالاستثمارات. وقد يتم الإعلان فعلياً عن مثل تلك الصفقات خلال الزيارة، أو لا يعلن، ولكن ستتم الإشارة إليها كجزء من إنجازات ترامب.
وعلى هامش مؤتمرات القمة الرئيسة، سوف تُبذل جهود سعودية رسمية لتعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والسعودية. وسوف ينضم كبار المديرين التنفيذيين في شركات اميركية إلى المسؤولين السعوديين في المباحثات، مع وعود بمزيد من فرص الاستثمار والوظائف الاميركية.
وحتى في ظل النمو الكبير للعلاقات الاقتصادية، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب قد تخلى عن إصراره على أن يدفع السعوديون المزيد للدفاع عن أنفسهم. وفي نيسان/أبريل الماضي، أكد ترامب أنه يتوقع المزيد من المشاركة السعودية في تحمل الأعباء. ويشير ميل ترامب إلى الحديث عما يفكر به والابتعاد عن نقاط الحديث الرسمية إلى أن السعوديين والشركاء الخليجيين الآخرين يجب أن يكونوا حذرين تجاه تعليقات من هذا النوع خلال الزيارة.
وتعترف زيارة الرئيس بالسعودية كمركز ديني، بل سياسي أيضاً في الخليج العربي والعالم الإسلامي. وفي الوقت نفسه، قد يعترف ترامب بدولة الإمارات كشريك خاص في مجموعة من القضايا، من التعاون العسكري إلى مكافحة الفكر الإرهابي – الذي يشكل مصدر قلق كبير لترامب. ومؤخراً عملت أبوظبي إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وضد تنظيم «القاعدة» في اليمن. كما جعل ماتيس أبوظبي أول وجهة له في الشرق الأوسط بعد توليه منصب وزير الدفاع في شباط/فبراير. وفي الشهر نفسه، اختار ابنا الرئيس البالغان، دونالد الابن وإيريك زيارة دبي أيضاً، في أول رحلة عمل مشتركة لهما في الخارج منذ تنصيب والدهما. ويسافر دونالد الابن إلى هناك ثانية هذا الأسبوع ليتحدث في حفل تخرج في «الجامعة الاميركية» في دبي. كما أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زار البيت الأبيض في 15 أيار/مايو، الأمر الذي يعطي في الواقع إطاراً لزيارة الرئيس الاميركي إلى المنطقة.
سوف يكون ترامب مهتماً في الاستماع إلى السعوديين حول التحديات الإقليمية الأخرى. ويشمل ذلك على وجه الخصوص نهجاً إقليمياً نحو السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وتوسعاً في نطاق التعاون الأمني الإسرائيلي – الخليجي وغير ذلك من مجالات التعاون المرتبطة بالتهديد الإيراني المشترك وما يتخطاه. وسوف يتطلع ترامب إلى معرفة المزيد عن المباحثات العربية حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اتخاذ إسرائيل خطوات لإعادة بدء عملية السلام.
*لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة «باربارا كاي فاميلي» في معهد واشنطن.