عندما نتكلم عن الحضارات القديمة التي سجّلها التاريخ، عن مهبط الوحي والنبوات، في كل حقائق او اساطير الخلق وملحمة كلكامش وغيرها من ملامح التراث والتاريخ والحضارة ، نقول اننا في أرض «العراق «، حيث يتراءى أمامنا سجل غني مرّ عبر حقبات متتالية ، بعصور مضت ، كانت منطلقا لتطور حياة البشرية، لتعطيها مكانة تاريخية مميزة ، بدءا بالحضارة السومرية والأكدية ، مرورا بالاشوريين والبابليين … انتهاء بالخلافة الاسلامية ,احداث غنية بالتراث مرت خلال عصور متتالية ، تركت لنا ارثا» غنيا» وطنيا» يستحق الوقوف عنده وفهم كيفية ابتداءْ الحضارات وتطورها وازدهارها.
وحين نتكلم عن بابل ، تتراءى امام اعيننا صورا» عن الاساطير والبدايات والانطلاقة الحضارية ، حيث منبع الأديان .. وحكاية الطوفان الذي كان عقابا» الهيا» للشر الذي يقوم به البشر ،عن حمورابي الأمير الأعلى حاكم الشعب ، الذي جاء لينشر العدالة والنور في الأرض والقضاء على الظلمة ، يرعى من خلالها مصالح الخلق بالخير والوفرة.عداك عن القائد العالمي عبر التاريخ «نبوخذ نصر» الذي جعل من بابل الإمبراطورية الأقوى في زمنه وبنى الجنائن المعلقة في المدينة والتي عدت من أحد عجائب الدنيا السبعة، فضلا عن ترميمه للمعابد القديمة التي نصبت للكثير من الآلهة البابلية.
ما يميز حضارة بلاد الرافدين عن بقية حضارات العالم القديم ، ضخامة ما أنتجته لنا من تراث مكتوب ، بالرغم من ان قسما كبيرا منه ما يزال مجهولا» غير مكتشف، حسب تقريرعالم الآثار الألماني «فالتر زومرفيلد « الذي دوّن بأن ملايين الألواح والنصوص التي اكتشفت، ما هي الا نحو 25% فقط، وبرغم ذلك يعد ارثا» غنيا» وطنيا» يستحق الوقوف عنده وفهم كيفية ابتداء الحضارات وتطورها وازدهارها.
الحروب التي تتالت على أرض العراق ،والاستعمار الطامع باشكاله وشعاراته المتلونة ، والحصار الذي الّم به ، والفساد الاداري من بعض المسؤولين الذين يجهلون قيمة الممتلكات الثقافية المنقولة وغير المنقولة ،وحالة الانكسار للثقافة العربية التي تعيشها مجتمعاتنا وسط الفوضى هي ما جعلت بلادنا تتراجع وتتدَهْور وتسقط ما لم يُسارع عُقلاؤها وزُعماؤها لإنقاذ ما بقي قبل فوات الأوان ،عداك عن الجهل والتخلف الذي جعلنا منقسمين مشتتين ضعفاء . لذا فاننا مطالبون جميعا بدء بالدول العربية المعنية وشعوبها ونخبها ان تلجا الى المحبة ،التماسك والتعايش السلمي، للحفاظ على التراث الذي يحمي هويتنا، ومعالجة كل الاخطاء التي وقع فيها اسلافنا .
من هنا نقف عاجزين متسائلين عن مستقبل تراثنا ،ونسأل انفسنا متى سيحين الوقت لنشر الوعي والمطالبة بجدية لاسترجاع مدينة بابل الى قائمة التراث الثقافي العالمي ، من خلال اقناع اليونسكو ، لمساندتنا بتحقيق كل ما نصت عليه أتفاقية حماية التراث العالمي والثقافي والطبيعي ، محاولين ادراجه في القائمة الأساسية للمواقع التاريخية العالمية،لأنه حق مشروع بلا مزايدة فضلا» عن ان بابل وسومر واشور تكمن بداخلها اسرار حضارة الارض وربما الكون ايضا.
*كاتبة لبنانية
ايمان عبد الملك