عمار ذياب
في صحفِ الأولين كان ملكاً ، و اليومَ أمسىٰ ، عربة.
كبُرَ وليُّ العهدِ البابلي ، في فمهِ ملعقةُ من ذهبٍ ، شعرُهُ الأجعدُ و بشرتهُ الحُنطيةُ أضْفت جمالاً لطلتهِ ، لم يُفارق حُضنَ أُمهِ ، تُشيرُ عليه ما يمكن فِعلهُ و ما لا يمكن .
حينما توفيَّ والدهُ ، نُصِّب ملكاً . كان الملكُ الذي يأمرُ بإسم أُمه ، و يقرر بإسمها ، تعوّد الإنقيادَ منذُ صغرهِ ، فلقّبه شعبُهُ ( الملكَ العربةَ ) ، لم يكن يضيرهُ اللقبُ ، بل كان فرحاً ، أنه وفيُّ لأُمهِ أبدا .
إستيقظ ذات يومٍ ، واجه صعوبةً في تحريكِ يديهِ ، يوماً بعد يومٍ إزداد الألمُ ، قطراتُ مطرهِ الهاطلِ من جبينهِ المتكسّرِ و شحوبهُ بانا على محيّاهُ ، أمتد الأمرُ إلى جسمهِ، بدأ لونُهُ يتحولُ شيئا فشيئاً إلى لونٍ داكنٍ ، أشبهُ بلون الخشبِ ، إنفض الناسُ من حولهِ . بعدها بدأ تحوّل ( الملكِ ) إلى خشبةٍ ، ناحتاً شكلاً غيرَ واضحِ المعالمِ ، لكنهُ أقربَ إلى أن يكونَ عربةٍ ! .
تمرُ الأيامُ على ( عربةٍ ) ، ووعورةُ الأعوامِ طريقٌ طويلٌ يسيرُ عليه . من يقود ( عربةَ ) ؟! الكرةُ في ملعبِ الرواةِ .
الرواةُ الذين قادوا ( عربة ) كُثُرٌ ، إلى أن جاء ( راوٍ ) ذاتَ يومٍ و قاده ، ( الراوي ) هذا ، تقيُّ ، ورعٌ ، يجلسُ قُبالةَ عربتهِ ، يكلمُها أياماً و ليالياً ، شاكياً لها هموم ماكان و ربما ، ما سيكون .
في أحد الأيامِ مرِضَ ( عربة ) ، فقد أعياهُ التعبُ ، من هول ما لاقاه من نكاياتٍ و مكائدَ و دسائسَ و حروب .. الموتُ يلهو في البلادِ .
إستيقظَ ( الراوي ) وهو يزيحُ عن جبينهِ آخرَ نكايةٍ نفذ منها ، ليرى عربتهُ وقد إنفلتَ عنها أحدُّ الإطارات .. ربما كانت الحربُ الأخيرة ، أصَلحها على عجلٍ بإنتظار أُخرى جديدة ، لم يُرِدْ ( عربةُ ) أن يخرُجَ في ذلك اليومِ ، لكن نداءاتُهُ لم تجد من يسمعُها ، للراوي مهامٌ أخرى وصحائفُ فارغةٌ مازالت تنتظرُ الكثيرَ ،،
دوّىٰ صوتٌ هائلٌ ، تبعثرت فيه حروف الرواة ، و تفطرّت جرّاءَهُ خشباتُ إذن ( عربة ) ، ملتفتاً نحوَ مصدرِ الصوتِ ، الدُخانُ عانقَ التُرابَ ، مغتصباً سكونهُ ، إلتفتَ نحو ( الراوي ) ، وَجَدَ الدماءَ تغطيهِ ، إرتعبَ ( عربة ) ، فما هي إلا لحظاتٍ حتىٰ أُغميَّ عليه قُبالةَ صاحبهِ .
أفاقَ ( عربةُ ) على صوتِ مطرقةِ النجّارِ ، مُصحِحاً أعطابهُ جرّاءَ الإنفجارِ ، سأل عن ( الراوي ) فلم يجبهُ أحد .
بعدها عُرِضَ ( عربةُ ) للبيع ، و بقيَّ بإنتظارِ راوٍ آخر .
هذا ما تناهى إلى سمعي أنا آخر الرواة .