أعياد “سَرى صال” تهدي بعشيقة دفقة قوية لتضج بالحياة مجدداً

احتفالات شعبية عفوية لأول مرة منذ 3 سنوات
نينوى ـ خدر خلات:

لاول مرة ومنذ 3 سنوات، تضج شوارع بلدة بعشيقة وقرية بحزاني المجاورة بالحياة بنحو صاخب، حيث ان بضع آلاف من الاهالي قد توافدوا على المنطقتين للاحتفال بعيد رأس السنة الايزيدية “سَرى صال” ، وكان السيارات تجوب الشوارع فيما الاطفال يتجولون بالازقة والساحات ويرتدون ملابس جديدة ويحملون بيضاً مسلوقاً وملوناً، في حين الشباب من الذكور والاناث فقد كانوا يحملون باقات حمراً من ازهار شقائق النعمان، ويوزعونها على الاهل والاصدقاء، وكانت اصوات الزرنة والطبل تشير الى وجود دبكات شعبية هنا او هناك.
منظر الخراب والدمار في البلدتين اللتين تم تحريرهما في السابع من تشرين الثاني الماضي بدأ ينحسر تدريجياً بفعل جهود بلدية بعشيقة، فيما بادر العشرات من الشباب بحملات تطوعية مستمرة منذ اكثر من شهرين لمحو آثار داعش وشعاراته من على جدران المنازل والمؤسسات الحكومية، ورسم صور تعبر عن ارادة الحياة والتمسك بقيم السلام والتآخي.
قرب اعلى تلة او رابية ببلدة بحزاني، والمسماة (رابية الشيخ حسن) تجمع المئات من اهالي البلدتين (بعشيقة وبحزاني) منذ صباح يوم الثلاثاء ـ قبل العيد بيوم واحد ـ ثم بعد مضي عدة ساعات اصبحت الجموع بالآلاف، وانطلقت مواكب شبابية بالازياء الشعبية والتقليدية وهم يحملون الشموع قادمين من مزار (شيخو بكر) في اقصى غرب بلدة بحزاني، والذي هو قيد الاعمار حالياً من قبل متطوعين ايزيديين، ووصلت المواكب الى رابية الشيخ حسن حيث المئات من العائلات التي تصدح اصواتها بالفرح، فيما الزغاريد لا تكاد تنقطع.
توافدت المواكب واختلطت بالمتجمهرين، ثم ارتفع صوت الطبل والزرنا ايذاناً بالبدء بدبكة شعبية تقليدية وسط اصوات من الفرح، وانوار الشموع ورائحة البخور.
تقول الناشطة الايزيدية نازك شمدين الى “الصباح الجديد” ان “اهالي بعشيقة وبحزاني مصرّون تماماً على اعادة الحياة لمناطقهم برغم الخراب واعمال الحرق والنهب التي طالت معظم البيوت، وبرغم النزوح الذي استمر لحد الان سنتين و ثمانية اشهر ونيف”.
في اثناء الاحتفال، كان بامكاننا سماع صوت قصف عنيف جدًا، وكان الصوت قادماً من الجانب الايمن من مدينة الموصل التي لا يبعد ساحلها الايسر عن بعشيقة اكثر من 17 كلم، حيث تدور اشتباكات بين القوات العراقية المشتركة وعناصر تنظيم داعش، علماً ان صوت القصف كان لطائرات حربية التي كان هدير محركاتها لا يكاد يتوقف.
وتابعت شمدين “ما نراه اليوم من هذه الاحتفالات هو نتاج عمل تطوعي شبابي من العشرات من ابناء المنطقة، الذين اسهموا بنحو جدي في ازالة آثار داعش من الشوارع كما اسهموا في رفع الانقاض وازالة الاعشاب وصبغ الارصفة وغير ذلك من الاعمال التي منحت المنطقة دفقة قوية في سبيل ان تعود الى سكة الحياة الطبيعية”.
برغم ان البلدتين شبه مهجورتين ولا يقطنهما حالياً سوى نحو 100 عائلة من اصل 26 الف نسمة قبل اجتياح داعش لها، الا انه في يوم رأس السنة الايزيدية كان يمكنك ان تشتري كل ما تحتاجه، والعديد من اصحاب المحال فتحوا ابوابهم، حيث يمكنك شراء الخضار والفواكه والسجائر والحلويات واللحوم، وحتى المشروبات الروحية وغيرها.
واشارت الناشطة نازك شمدين الى ان “الاحتفال اليوم هو رسالة الى داعش والى كل اعداء السلام، ونقول لهم بانه بامكانكم تعطيل الحياة لسنة او سنتين او اكثر بقليل، لكن لا يمكنكم الاستمرار بذلك الى الابد، ونحن اليوم اتينا من المناطق التي ننزح فيها للاحتفال بهذا العيد، بل هنالك العديد من المغتربين الايزيديين في اوروبا واميركا من الذين خططوا للقدوم الى البلاد في هذه المدة بهدف المشاركة باعياد رأس السنة الايزيدية”.
و “سرى صال” هو الاسم الذيم يطلقه الايزيديون على عيد رأس السنة، وهي كلمة كردية تعني (رأس السنة).
ويقوم الايزيديون بسلق كميات كبيرة من بيض الدجاج ويلونونه بشتى الالوان، كما يقومون بتعليق باقات من شقائق النعمان فوق ابواب منازلهم ويلصقونها بلبخة من الطين الذي يلونونه ايضاً بقشور البيض الملونة.
ومع فرقعات الالعاب النارية مع مغيب الشمس، غادرنا بلدة بعشيقة التي كان الثوب الربيع يغطيها بكامل جبالها وروابيها وسهولها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة