محمود درويش أيقونة الشعر العربي وصوت خالد في الضمير العالمي

(1-2)
أدباء وشعراء عرب:
علي لفته سعيد

محمود درويش.. صوت شعري عربي صار أيقونة الشعر من جهة وأيقونة المقاومة وروح الحرف الفلسطيني الذي واجه الاحتلال الاسرائيلي مثلما حفز على القوة وواجه التراخي.. مرت قبل ايام ذكرى ولادته السادسة والسبعين.. ولهذه الذكرى لدى الأدباء العرب وخصوصا الشعراء منهم ذاكرة مفعمة بالاصالة.. ولكن وأمام هذه الذكرى هناك من يقول ان منجز درويش الشعري لا يتجاوز قضيته الفلسطينية وانه بعد انتهاء القضية الفلسطينية انتهى درويش.. لذا فلن السؤال يكون.. هل ظل محمود درويش ايقونة الشعر العربي يحمل اثره وتأثيره على الخارطة الشعرية العربية وانه الصوت الشعر العربي النقي أم انه بعد كامب ديفيد كما يقول البعض انتهى درويش ؟

أيقونة المقاومة
الشاعر العراقي جبار الكواز: يقول انه في ذكرى ولادة الشاعر العربي الكبير محمود درويش وبعد سنوات قضاها الراحل وهو ينشد للجمال الكامن تحت جلد الكلمات التي صارت أيقونة للمقاومة الشريفة عالميا تتضاءل الآراء التي حاولت وتحاول وستحاول امس واليوم وغدا النيل من كنزه الجمالي المدهش وهو يصوغ معادلة التقاء الهم الخاص بالهم العام.. واضاف انه ساهم بنقل حركة النضال العربي فلسطينيا وعربيا من جهوزية الرؤيا الخطابية الى رؤى متجددة احتدمت فيها كل مفاصل الحياة العربية فصار مشهدا كونيا مصاغ بجمال مؤلم يتواصل فيه الهم الوطني ليشكل معادلة فذة للإفصاح عن ظلم مقصود طالما عانى منه العرب وما زالوا وأشار ان نصوص درويش كانت في سنواته الاخيرة ملاحم متآزرة من مشهدية الحلم العربي المذبوح بيد جلاديه الاقربين ومستثمريه الابعدين حتى صار الاثنان معادلة لمعنى الظلم والتهميش و الاهمال ولم تكن نصوصه لتقف عند مرحلة سوداء في تاريخ فلسطين ككامب ديفيد او غيرها بل تصاعدت وتائر جمالية نصوصه لتشكل هما وجوديا كونيا تواصليا تمتزج فيه الرؤي بخضم من دهشة وجمال لغوي وسطوع فكري يسمح للجميع وفق لغة مختارة بعناية
ويرى الكواز: ان درويش ايقونة الشعر العالمي المقاتل والفادي من اجل تحقيق احلامه الموؤدة لن تحده حدود منع او اصفاد سجن او اقامة جبرية ظالمة ويبين ان درويش بقي شاعرا فذا بوطنية خاصة مازجت بين همومه الخاصة وهموم شعبه ا وبقي في حياته وبعد وفاته رمزا من رموز الشعر العربي وهو قد نجح في ردم هوة التواصل الازلية التي يسمو منها الشعراء جميعا

عالمية درويش
الكاتب والروائي الفلسطيني جميل السلحوت المقيم في القدس قال: ان هذا السّؤال يعيدني إلى مقولة أن لا حلول وسط عند العرب فلا يرون إلّا البياض والسّواد ولا ينتبهون لما بينهما من ألوان. ويطالب الاخرين بالاعتراف ان محمود درويش وصل العالميّة في شعره وهذا فخر للأدب والشعر العربي جميعه وترجمت أشعاره إلى عشرات اللغات وذلك لأنه ارتقى بالشعر العربي من خلال ابداعه في استعمال التفعيلة الشعرية والموسيقى والايقاع الذي يصاحب قصائده والمضامين التي تضمتتها قصائده التي كان يحلو له أن يسمّيها «أغنياتي».. ويعبر السلحووت عن رايه بدرويش من انه مفكر وفيلسوف أيضا ولذلك فإن يوم ولادته في فلسطين كل عام يوما للثقافة الفلسطينيّة ولا علاقة للقضية الفلسطيّنية بعالميته.. بل يرى ان درويشا ارتقى بالقضيّة الفلسطينيّة بسبب أشعاره وانتمائه الصادق لوطنه وشعبه وأمته، وبسبب ابداعه المتميّز. لذا بحسب السلحوت فان التاريخ سيخلده التاريخ كشاعر عظيم.. ويستذكر ما قاله الشاعر الفلسطيني المرحوم سميح القاسم بعد وفاة محمود درويش حيث قال (يموت الشاعر لكنّ الشّعر لا يموت) مثلما يسرد ما قاله الشاعر السوري سليمان العيسى في مقابلة تلفزيونيّة( شهد الشعر العربي ثلاثة شعراء تركوا علامات فارقة في مسيرة الشعر العربي وهم: النابغة الذبياني في الجاهلية والمتنبي في العصور الوسطى ومحمود درويش في هذا العصر)
ويؤكد السلحوت ان أجمل أشعار محمود درويش وأعظمها هي تلك التي كتبها بعد كامب ديفيد وأن كل قصيدة كتبها كانت أجمل من سابقتها

رهان إنساني
أما الناقد والشاعر العراقي علي حسن الفواز فيرى من جهته: ان شاعرا مثل درويش يرهن وجوده بحدث محدد بقدر تحول وجوده الشعري الى رهان إنساني يُعطي للقضية وللوجود معانٍ أكثر سموا ولمشروعها الثوري والتاريخي أنسنة تتجاوز كل الأوهام التي حاول العقل الاسرائيلي مثلجتها وفرضها كسردية مضادة لأسفار الشعب الفلسطيني.. واضاف ان قصيدة الغناء عند درويش تتمثل روح الشعب بوصفها روح المقاومة والغناء إذ تحمل هذه القصيدة شفرة اللغة بقوتها الرمزية وبهواجسها الدافقة تلك التي ظلت صنو الوجود والذاكرة واليوميات التي تختلط فيها أسئلة الحلم والحرية والبقاء. ويؤكد الفواز انه في ذكرى مولد درويش نستعيد معه أسئلة التحوّل الحادثة في القصيدة العربية فهي خلاصة وجودها الفني في جدّتها عند السياب وسعدي يوسف والبياتي وفي صفائها الثوري.. وبحسب قول الفواز فإن هذه الحمولات تسبغ على قصيدته حضورا عابرا للمسافات واستشرافا من الصعب حصرها بحدود القضية الفلسطينية وفي إطار شعري محدد كما يتوهم البعض فبقدر عمق هذه القضية في الذاكرة العربية وفي ذاكرة القصيدة العربية بوصفها جرحا قوميا وإنسانيا إلّا أهمية درويش تتجاوز هذه التوصيفات، وبما يضع قصيدته ومنجزه الشعري بشكل عام في سياق تاريخية القصيدة وفي مسار تحولاتها الفنية والجمالية فضلا عن خصوصيتها في سحرها التصويري وفي جمالية استعاراتها والتي قد يضعها بعض الباحثين في السسيولوجيا الشعرية بمثابة(القصيدة الصيانية) التي تحمي الذاكرة والسيرة والأسفار الفلسطينية وتضع نشيدها الغنائي وكأنه نشيد الحالمين بالحرية والعودة.. ويمضي بقوله أن ما يسمى بحادثة كامب ديفيد ولا حتى حادثة أسلو لا أظن قابلة لأنّ تمحو القصيدة الدرويشية أو أنْ تضعها في متحف (موت الثورة) لأنَّ هذه القصيدة المسكونة بسرائر الغناء والبوح قادرة على أنْ تمارس وظيفة النشيد، وتحفيز القادمين على أنْ يجعلوها الشفرة التي يستعيد معها الشعب ذاكرته العصية على المحو والغياب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة