الثقافة أم المعرفة؟

لا تخفى على المعني حداثة اصطلاح المثقف و حتى الثقافة كما لا يخفى ايضا تعدد التعريفات و المفاهيم حيث أحصى البعض اكثر من مائة و خمسين تعريفا للثقافة و اظن ان هذا العدد قابل للزيادة بحكم تغوّل التنظيرات على هذا الصعيد لكن السائد اليوم انها تعني مجمل انماط السلوك و العادات و طرق التفكير لجماعة ما وهي بهذا المعنى تختلف و تتباين بين امة و اخرى ، بهذا المعنى ايضا لم تعد مديحا لاحد بل هي اقرب للوصف ولا ننكر ان الجماعات البدائية لها ثقافتها ايضا بحكم المضمون الذي نتداوله الان ، لهم نمط حياتهم و موروثهم و فكرهم الذي يميزهم مهما كان نوعه فهو ثقافتهم ..يحصل الخلط عندما نقول : الثقافة إرادة تحوّل و تغيير، هنا نقصد المعرفة او الثقافة المعرفية على وجه الحصر لان التعبير بدون هذا التخصيص يظل عاريا من الدقة ، أجدني الان أصحح لنفسي ولا ضير في ذلك فالتعبير الانف الذكر طالما رددته في حواراتي و ندواتي غير ان الامانة تقتضي التنويه الى حقيقة ان ليس كل ثقافة تمثل ارادة تحول بل اغلبها تميل الى البقاء على ما هي عليه ربما من باب فهم الاصالة على انها تكرار للأصل او الخصوصية و الخوف من الضياع و التيه في ثقافات الجماعات و الامم الاخرى، أجد حاجة الى التفريق بين الثقافة و المعرفة و على الوجه التالي: كل جماعة لها ثقافتها بالضرورة لكن ليس بالضرورة لها باع في المعرفة تنظيرا او تداولا .. حتى التخلف يصلح ان يكون ثقافة ! أي نمط حياة و اعراف و نظم لكنها متخلفة بحساب مقياس ثقافة العصر المعرفية ، قليل من الامم تتمتع بهذا الوصف : ثقافة معرفية أي ان انماطها لم تتكرس بحكم العادة او التوارث بل بحكم النظر العقلي و النضج المعرفي وهي بهذا قابلة للتحول و التغيير انطلاقا من حركية المعرفة ذاتها، ربما هي سمة العالم المتطور اليوم او الشعوب التي خرجت من خانة تقديس العرف و الموروث ، هذا الوصف هو الذي نقصده غالبا عندما نقول: نريد من الثقافة ان تصبح فاعل تحول و تغيير ، أي ثقافة بالضبط ؟ اصبح القصد واضحا أي الثقافة المعرفية المتحولة و ليست ثقافة الجماعات التي ما زالت ترزح تحت قيد التقليد وقداسة الاباء التي لا تنتج سوى نسخ مكررة لصور كان من المفترض ان تغيب لا ان تحضر لكنها اليوم تستعاد بقسرية لتلتهم مبادرة الراهن المضغوط تحت قبضة العنف الفكري و السلوكي الذي نشهده على صعد شتى ، ترى هل من حق المعرفة ان تطالب الثقافة بالتحول ؟ ربما من هذا الباب يسعى المؤدلجون الى تكفير المعرفة تخلصا من هكذا مطالبة فادحة بالنسبة لهم !
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة