حذام يوسف طاهر
الثقافة اذا اردنا تفكيكها كمفردة ستكون ثقف، يثقف، تثقيف ، والتثقيف باللغة العربية تعني التسوية، ( تسوية الشيء)، أي شيء، فعملية التثقيف هنا تعني التقويم والتعديل، ليصبح هذا الشيء قيد التثقيف، صالحا لأداء مهمة معينة، ولا يقتصر التثقيف على السلاح، كما يروج البعض، بل يشمل تقويم السلوك، أي تثقيفه، وتقويم الشخص ليغير من طريقة تفكيره، أذن الثقافة هنا تعني بالضرورة، ان نعدل ونغير مما جبلنا عليه في طفولتنا، عندما لا يتلاءم مع الحاضر ومع الواقع، ولكن ومن خلال ما نلمسه اليوم، فإن التثقيف او الثقافة، اخذت مسارا بعيدا تماما عن التقويم عند البعض، فكثير من المتواجدين على الساحة الثقافية، يدعون ما ليس بهم، بسبب ان نظرتهم لمفردة الثقافة وفهومهم لها الذي لا يتعدى ما تعلمه في المراحل الأولى من حياته، ولا يتقبل أي رأي آخر، يخالفه ولو بنحو بسيط.
مفهوم الثقافة كمفهوم علمي نشأ أولا ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا مع النهضة العلمية والأدبية، وبالأخص انتشار التعليم، وما ينتج عنه من (تثقيف) للأفراد، فأصبحت الثقافة عند البعض هي التقليد، لاسيما تقليد الطبقات البرجوازية، التي كانت تهيمن على المجتمع العربي والعراقي، فتجاوز التعريف الجانب المعرفي إلى السلوكي ولكن بصورة انتقائية، ومن الملاحظ ان مصطلح الثقافة في تفاصيل حياتنا اليومية، مازال يعكس هذا المعنى عند أغلب المجتمعات، مع الأخذ بنظر الاعتبار المرجعية السلوكية والمعرفية، ونلاحظ ان الثقافة تطورت مع تطور المجتمعات البشرية، ولكل مرحلة وعصر ثقافته الخاصة به، الثقافة هنا اذا أردنا لها التطور والتثقيف( التسوية)، فهي تشبه الى حد كبير البناء، فمع كل إضافة يبقى الهيكل ذاته من دون تغيير، وهذه هي الثقافة المتعارف عليها في مجتمعاتنا الشرقية، فما تعلمناه من اجدادنا هو المحرك الأول لكل سلوكياتنا الا ما ندر، وعند مجموعة محدودة من المثقفين، في حين المجتمعات الغربية، وبعد اكتشاف المنهج العلمي في التفكير الذي صنع عصر النهضة، غير الشكل الهندسي للثقافة، بوضع أساس جديد يختلف عن القديم، وما نطمح له نحن في مجتمعنا العراقي، ليس الابتعاد عن القديم أو إنشاء بناء جديد للثقافة، فالثقافة حتما تؤثر وتتأثر، حسب البيئة، وطبيعة الفرد، فاذا كان ذكيا نبها يمكن ان يغير منها بالتعديل وتشكيلها بما بتناسب معه ومع بيئته، وقد يلجأ الى الحذف ولا يكتفي بالتعديل والتقويم، بل تقويم وتعديل.