غيوم العاصفة فوق كوريا

يوشكا فيشر
وزير الخارجية ونائب المستشار الألماني السابق
بعد عقود من انتهاء الحرب الكورية وتقسيم كوريا، يظل الصراع الدائر على شبه الجزيرة الكورية يشكل واحدة من أخطر المشكلات وأكثرها استعصاءً على الحل في عصرنا. واليوم، أصبح الصراع أشد خطورة وأكثر استعصاءً على الحل من أي وقت مضى.
الواقع أن نظام كوريا الشمالية من بقايا الحرب الباردة ــ ديناصور ستاليني ظل باقيا على قيد الحياة حتى يومنا هذا، في حين تحولت كوريا الجنوبية بسرعة إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية في المنطقة. ولاحقت الصين، الحليف الأكثر أهمية لكوريا الشمالية وداعمها المالي الوحيد، سياسة تحديث ناجحة على نحو متزايد.
وقد تركت هذه التطورات نظام كوريا الشمالية معزولا ومتخوفاً على مستقبله بنحو مبرر. ولضمان بقاء نظامه الدكتاتوري الوحشي، تبنى حزب العمال الحاكم في كوريا بقيادة عشيرة كيم فكرة تطوير الأسلحة النووية والنظم المطلوبة لتسليمها إلى أهدافها.
حتى يومنا هذا، فشلت كل الجهود الدبلوماسية والتكنولوجية المبذولة لمنع تسلح كوريا الشمالية نوويا. وهي مسألة وقت فقط قبل أن تمتلك كوريا الشمالية صواريخ مسلحة بقنابل نووية وقادرة على الوصول إلى كوريا الجنوبية وعاصمتها سيول، واليابان، وحتى المدن الكبيرة على الساحل الغربي لأميركا الشمالية.
ومن جانبها، قامت الولايات المتحدة بإنشاء نظام دفاع صاروخي في كوريا الجنوبية. وتنظر إدارة ترامب، مثلها في ذلك كمثل الإدارات التي سبقتها، إلى سعي كوريا الشمالية إلى امتلاك صواريخ عابرة للقارات وقادرة على الوصول إلى سان فرانسيسكو أو لوس أنجليس بوصفه مبررًا للحرب. وإذا طبقنا مقياس الألوان المستعمل اليوم لتصنيف مستويات التهديد الإرهابي على الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فسوف يُظهِر تحولا من البرتقالي إلى الأحمر. ومع نفاد وقت الحلول الدبلوماسية أو حتى محاولات احتواء الأزمة بسرعة شديدة، يقترب الموقف من بلوغ أقصى درجات التوتر.
وهذا لأن الدراما الحالية تتوالى فصولها في موقع استراتيجي شديد الحساسية. فقد أصبحت كوريا الجنوبية واليابان ــ وكل منهما تُعَد قوة مهمة في الاقتصاد العالمي وشريكة وثيقة للولايات المتحدة ــ تحت تهديد مباشر، في حين تشكل الصين وروسيا، الدولتان المجاورتان لكوريا الشمالية في الشمال، قوتين نوويتين عالميتين لكل منهما مصالح خاصة في هذا النزاع.
وتنظر الصين بنحو خاص إلى شبه الجزيرة الكورية عبر عدسة الأمن الاستراتيجي. فلم ينس قادة الصين أن اليابان الإمبراطورية هاجمت شمال الصين (منشوريا) من شبه الجزيرة الكورية في ثلاثينيات القرن العشرين، أو أن تقدم القوات الأميركية باتجاه نهر يالو على حدود الصين هو الذي دفع التدخل الصيني في الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات.
منذ ذلك الحين، كانت الصين شِبه حامية لكوريا الشمالية، وتولت الولايات المتحدة مهمة حماية كوريا الجنوبية، وخاصة من خلال الإبقاء على انتشار عسكري كبير في المنطقة حتى بعد انتهاء الحرب الباردة. وفي غياب هذا الوجود العسكري الأميركي، كانت الحرب لتعود إلى المنطقة في الأرجح؛ أو في الأقل، كانت كل من اليابان وكوريا الجنوبية لتسعى إلى تطوير قوة ردع نووية خاصة بها.
الواقع أن اندلاع مواجهة عسكرية على شبه الجزيرة الكورية من شأنه أن يؤدي إلى سيناريو الكابوس حيث تُستَخدَم الأسلحة النووية، أو ربما يقود العالم حتى إلى اشتباك أكبر حجما بين القوى العالمية المسلحة نووياً. وأي سيناريو من هذا القبيل من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة تتجاوز الجوار الجغرافي المباشر. ومع ذلك، فإن اندفاع كوريا الشمالية المتضافر لتطوير صواريخ باليسيتية مسلحة نووياً عابرة للقارات يعني أن سياسة الانتظار والترقب المستمرة لم تعد خيارًا جدياً.
إذن، ماذا قد يفعل الرئيس دونالد ترمب؟ تشير سلسلة من الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون كبار إلى المنطقة مؤخرًا إلى أن الإدارة الجديدة تتعامل مع الموقف على شبه الجزيرة الكورية بوصفه تهديدًا خطيرًا. وعندما كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في زيارة إلى واشنطن لمقابلة ترمب في وقت سابق من هذا الشهر، قام وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بأول زيارة رسمية إلى شرق آسيا، في أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى المنطقة في فبراير/شباط.
وفي كوريا الجنوبية، لم يكن تيلرسون مطمئنا بأي حال. فقد تحدث عن «تهديد فوري»، وأعلن نهاية «سياسة الصبر الاستراتيجي» التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما، وقال إن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة» ــ بما في ذلك العمل العسكري.
وربما يمكن تبرير لغة تيلرسون القاسية إذا أدت إلى حل تفاوضي بين الولايات المتحدة والصين وكوريا الشمالية. ولكن ماذا لو لم يحدث ذلك؟ إن اندلاع حرب نووية أو تقليدية على شبه الجزيرة الكورية ينطوي على مخاطر إقليمية وعالمية. وإذا أخذنا هذه المخاطر بعين الاعتبار، فسوف يتبين لنا أن كل الخيارات ليست مطروحة على الطاولة: فالدبلوماسية، على الرغم من كل ما يحيط بها من مصاعب، هي الحل الوحيد.
بيد أن التوصل إلى حل دبلوماسي لن يتحقق إلا إذا تعاونت الولايات المتحدة والصين بنحو وثيق مع تجنب تكرار أخطاء الماضي. على سبيل المثال، تُحسِن إدارة ترامب صنعا بعدم ملاحقة سياسة مفرطة العدوانية في التعامل مع الصين في بحر الصين الجنوبي، في ضوء الأزمة المتنامية بشأن شبه الجزيرة الكورية.
في الوقت نفسه، يتعين على قادة الصين أن يسألوا أنفسهم إلى متى يعتزمون تقديم الدعم غير المشروط لنظام كوريا الشمالية ــ التي تعتمد اعتمادا كليا على الإمدادات الصينية ــ بدلا من فرض الضغوط عليها لحملها على وقف استفزازاتها. ولتجنب الصراع العسكري، ينبغي للصين والولايات المتحدة أن يتفقا على نهج مشترك والتحرك نحو إحياء المحادثات السداسية مع كوريا الشمالية.
لقد بات من الواضح على نحو متزايد أن الولايات المتحدة، حتى في ظل رئاسة ترامب، لا تستطيع ببساطة أن تتنصل من دورها كقوة داعمة للاستقرار على الساحة العالمية. ولكي تثبت الصين أنها أيضا من الممكن أن تعمل كقوة داعمة للاستقرار في القرن الحادي والعشرين، فيتعين عليها أن تضطلع بدورها لحل الصراع على شبه الجزيرة الكورية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة