عدنان محسن يكتب قصيدة مزاجه

يحاول الشاعر دائما أن يطأ الفكرة، ليجردها من هيمنتها، وأنْ يُعيد تشكيلها وتمثيلها لتكون روحا عارية في القصيدة، أو صوتا له حنجرته الصائتة.
هذه اللعبة أو الورطة هي الحيّز الذي يندفع اليه الشاعر بسرعة، حيث لا حدود لاندفاعه أو لتورطه، أو حتى لرهاناته…وكتاب المختارات الشعرية للشاعر عدنان محسن( أكثر من صوت لحنجرة واحدة) الصادر عن دار الجمل يأتي في سياق هذا التمثّل، وكأن القصيدة هي الإغراء الساحر الذي يدفعه الى تلك اللعبة..
يكتب عدنان محسن القصيدة القصيرة، الموجزة، ذات الكليشة التي تشبه اليافطة أحيانا، لكنها بالمقابل هي قصيدة مزاجه الفائر، إذ تكشف عن هواجسه، التقاطاته، لحظاته الخبيئة في اللاوعي، تلك التي تنفر، تصخب، إذ يجاهر الشاعر بها، والتي لا تصلح أنْ تكون فضاءً لقصيدة طويلة، فهو- كما يبدو- لا يطيق التأمل في هذا الصخب، مثلما ملله من اللغة وقاموسها، إذ لا يجد في كتابة تلك القصيدة، أفقا آمنا لتركيبها عبر استعارات ومجازات، بقدر ما يجده في لعبة الايجاز، والمباشرة- أحيانا- حيث رهافة الحنو والتعبير عن حمولتها الرمزية، أو التصويرية..
قصائد عدنان محسن ليست قصائد رؤيا بالمعنى الشائع، بقدر ماهي محاولة لكتابة مدونات في كشكوله الشعري، إذ تتبدى فيها ذائقته، وشغفه، وشراهة مزاجه، ولاوعيه الذي يستعير من ذاكرته القديمة شفرات متوهجة، حدّ أنّ تلك القصائد/ المختارات تبدو وكأنها نزوع لكتابة ما يشبه الاعتراف، والتطهير، فهو يعيش قلقها، رهابها، تعويضها، توترها، يستكنه من خلالها عالما يُبهره، لكنه يظل بعيدا عنه، لا يجد أسبابا- حتى- لتفسير الانحياز الى علاماته الشعرية التي تُبهرنا أيضا، لكن بطريقة أخرى، لأننا نقرأها مُترجمة، ومقروءة بأمزجة شتى، لكنها بالمقابل تكشف عن عُريه الروحي، حيث لعبة الاستعادة، والبحث عن الاشباع الرمزي..
يُشاع
أنّ رامبو
في أيامه الأخيرة
أمام أخته الجالسة قرب سريره
وهي تحصي ما تبقّى له من الوقت
كان يردد عبارة ( الله كريم)
تعلمها حيث أعلن عن موته في العراء
ورغم ما بيني وبين الله
أريدُ أن أصدّق هذه الإشاعة
كلّما ما فاح بروحي عطر إشراقاته
وكلّما مرّ فصلٌ من فصول جحيمه
فهذه أدلة دامغة
على كرم الله.
قصائد المجموعة تعمد عبر طريقة كتابتها الى التعبير عن مراثي الشاعر الشخصية للعالم، ولنفسه، إذ تتلبس القصائد روحه الفائرة، ونظرته العاجزة، وحكمته التي يظن أنّ أولاده سيرثونها، لأنها صندوقه العائلي الوحيد. هذا النمط من الكتابة غير مَعنّيٍ بصناعة الأفكار، بقدر انحيازه الى تمثل لحظاته الفاجعة، تلك التي يسعى الشاعر فيها للتطهّر والتذكّر، والى تلبّس روح الحكيم الذي يمارس الافصاح عن وصاياه..
لم أرث من أبي
سوى حب الآخرين
وأوجاع الظهر
ولن يرث أولادي منّي
سوى الكلام الذي لا أُحسن سواه.
قصائد الايجاز التي يكتبها عدنان محسن ليست بريئة تماما، فهي تنفتح على تجارب متنوعة، وعلى تقانات شعرية، وعلى تجارب وخبرات لا حدود لها، فهو يجعل من هذه الخبرات مجاله اللساني والتأملي لتأطير نظرته للوجود، ولإعطاء النثر شحنات تُحفّز القراءة، وتسبغ عليها كثيرا من الحسية والرومانسية، تلك التي يستحضرها وكأنها يُعلن عن حضوره الشخصي عبرها…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة