القسم الثاني: السريالية
رؤيا حميد ياسين
هي الاتجاه الاسلوبي الذي كان سائدا في الفنون الاوربية خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي وقد انحدرت جذورها عن الدادائية ، وتهدف السريالية الى تمزيق الحدود المألوفة للواقع المعروف والملموس عن طريق أدخال علاقات جديدة مستمدة من أحلام الفنان سواء في اليقظة او في المنام ومن تداعي الخواطر الذي لا يخضع لمنطق السبب والنتيجة ، بحيث تتجسد هذه الاحلام والخواطر في أعمال فنية يرى فيها المتلقي ما يدور داخل عالمه الخاص وتتحول معه الى تجربة جمالية ممتعة تعيد الى نفسه الاحساس بالتوافق مع العالم الخارجي ، إذ تسعى الى تحرير المخيلة الانسانية من روابط العقل والاصطلاح المنظم ، فكانت السريالية وكما قلنا لم تظهر لولا دوافعها الفكرية التي ارتبطت بالتراث الابداعي بشكل واسع وبالتحليل النفسي الفرويدي الذي خلق تغييرا مهما في عقلية المصمم المعاصر
كان رائد السريالية الشاعر والناقد الفرنسي أندريه بريتون الذي رسخ تحرر الصور والطاقة في اللاوعي ، اذ أكد بريتون على طبيعة العلاقة بين السريالية والتيارات الفنية الاخرى وحول صلة تلك العلاقة عموما بحركة التطور الفني المعاصر ، إذ كانت آراؤه في نهاية العشرينيات من القرن الماضي التي صاغها في كتابه (الفن والتصوير) قد حددت للسريالية رؤية خاصة ، فقد كانت رؤيته الفنية متأثرة بنظريات فرويد النفسية ومستوحاة من فناني السريالية أمثال جان كوكتو وسلفادور دالي وماركريت رينيه وخوان ميرو وماكس أرنست ، ولعل من أبرز الذين ثمنوا دور السرياليين على الصعيد النقدي هو (هربرت ريد) الذي عد السريالية قد حققت حشدا كبيرا للقوى العقلية في الفن وتركت آثارا بعيدة ساعدت على ديمومتها وتمثلها عبر أعمال ممثليها الكبار أمثال آرنست وميرو وماركريت وغيرهم
تجسدت المنطلقات الاساسية للسريالية التي انطلقت من الحقائق المتعلقة باللاوعي والتعبير الشكلي ، فقد كانت تعيد صياغة الاعمال على وفق هيكلية جديدة ذات طبيعة هندسية تجريدية أبرزت الرفض الذي كان يمارسه السرياليون للانطلاق المباشر عن الصور المرئية والادراك الواعي للأشياء ، فيسعون الى إيجاد صور داخلية يستحضرونها ارتجالا ويسجلونها بوصفها تقنية للتصوير الايهامي ، فكان بعض الفنانين قد تأثروا بالتكعيبية قبل أن تتضح أعمالهم بسماتها السريالية ، ومن المعروف أن تلك التقنية كانت تتجلى بالفضاء التشكيلي الذي لا يعتمد على المنظور الداخلي العميق حتى ليبدو مسطحا احيانا ، وكذلك تقسيم السطح التصويري الى مساحات متقابلة ارتسمت على الجمع بين التلقائية الآلية والاشكال ذات الصفة التجريدية ، فأتجه الفنانون الى سريالية تجريدية تضمنت تعابير جديدة تنزع الى خلق أجواء شاعرية لا علاقة لها بالتراكيب التكعيبية وغيرها ، غير أن ذلك الاتجاه لم يعمد الى إظهار تلك التقنيات بوصفها تعبيرا عن التجريد وإنما السعي الى إيجاد فن لا صوري ، وكان ذلك نوعا من التجريد الاكثر التصاقا بالأفكار الحلمية والتفاعل اللاعقلاني
واذا أردنا أن نؤكد على ما أنجزته السريالية من خطوات بعيدة في نشأة فن تتجلى به الكثير من الدعامات الفكرية لابد أن نتعرف الى تمثله في قيم جديدة أثرت تأثيرا كبيرا على الفنون الابداعية كالأدب والمسرح والسينما والفن التشكيلي وتصميم الأقمشة والازياء ، فقد كان سلفادور دالي بوصفه ألمع السرياليين قد وضع المنطلقات الاساسية لظهور تصميم أقمشة وأزياء ذات طبيعة سريالية ، إذ إنه عمد الى ذلك بالتعاون مع عدد من مصممي الازياء المشاهير لاستنباط ما ورد على الاعمال التشكيلية السريالية في تصميم الاقمشة والازياء ، فقد اقتبست المصممة إلسا سكاباريللي (1908-1973) العديد من أعمال سلفادور دالي في تصميم الاقمشة والازياء ، والتي مثلت واحدة من الاتجاهات الفكرية في التصميم بما أضافته من تصميمات تدلل على الجرأة والمرح والاصالة ، وقد عرفت تصاميمها على مدى واسع في العام 1933 عندما ابتكرت أنواعا جديدة من الموضة مستوحاة من عمارة الفن الصيني والفن المصري الفرعوني ، ووظفت تلك الاشكال في أسلوب جمعها مع الفنان سلفادور دالي وجان كوكتو ليس في تصميم الازياء فحسب بل في تصميم الاقمشة والمنسوجات عموما ، إذ كان دالي قد أبتكر لسكابريللي روائع فريدة من نوعها تم جمعها في معرض (أشياء سريالية) وعرضت في متاحف فيكتوريا والبرت في لندن في عام 2007 ، وكانت إلسا سكابريللي مأخوذة بالاتجاه السريالي الذي ظهر على تصاميمها التي تشبه سلسلة من الادراج والرفوف وكذلك الشفاه الحمراء والقبعات التي كانت على شكل حيوان او حذاء او دجاجة او آيس كريم ، وأصبحت القفازات والقبعات جزءا لا يتجزأ من أناقة المرأة ، الأمر الذي دفع بغيرها من المصممين للإيغال في تلك الغرائبية التي جعلتهم يستنبطون اشكالا طبيعية كالفراش والذباب وجراد البحر لما توافر في تلك الكائنات من مزايا زخرفية شفافة تنسجم مع التحليق الحلمي الذي تسعى اليه السريالية ، إذ كانت السريالية فيما بعد قد بلغت حدا مكنها من استنباط جميع الاشياء التي تتصف بالخيال من أجل ابتكار تصاميم غرائبية مناهضة او مخاصمة لأشكال سابقة ، إذ أستخدم الخيال والرمز في منظور يبعث على تصور لامحدود لمعطيات أسلوبية صيغت برؤية جمالية مستحدثة ، وظلت تلك التأثيرات التي أفرزتها السريالية وانعكاساتها على تصميم الاقمشة والازياء تتوارد على التجارب اللاحقة وأضحت أسلوبا معتمدا على التجديد المتواصل الذي يضع الباحث أمام فكرة التنقيب الدائب عن الاسباب الجوهرية لظهور السريالية ، واليوم عادت الأزياء السريالية لتحتل المنصات العالمية والذي دفع التصميم المعاصر الى صيحة سريالية شبيهة بما حدث بدايات القرن العشرين وتواصلت السريالية مع عالم الاقمشة والأزياء الذي أبرز لنا شخصيات تصميمية ابداعية مهمة.