محنة الطباعة والنشر

تمر عملية اصدار ديوان شعر او رواية او مجموعة قصصية، او أي منجز آخر، اسهل مرحلة، من مراحل الانجاز، خصوصا بعد ان ازداد امر الطباعة والتوزيع تعقيدا واشكالية، رغم ازدياد عدد دور النشر، والناشرين. مأزق حقيقي، يقع فيه المثقف والكاتب العراقي، حين يقع ضحية بعض دور النشر التي تستغل رغبته في طباعة كتابه، فتفرض عليه شروطها التي يرغم في الموافقة عليها، وهذا الأمر يشمل بعض دور النشر العراقية والعربية. فيتحول الأمر الى اشبه بعقد اذعان، بالمصطلح القانوني، حيث يكون فرض الشروط من قبل طرف واحد وما على الطرف الآخر الا الموافقة عليها والا عليه ان يحتفظ بمنجزه في حاسوبه الشخصي. لافتات كثر، نطالعها في شارع المتنبي، تشير الى دور طباعة ونشر وتوزيع للكتاب، لكن بعض تلك الدور، مجرد وسيط بين الناشر الحقيقي والكاتب لا اكثر، فهي لا تملك مطابع خاصة بها، بل تطبع في الخارج، وتعتمد على عمولة الوساطة لا اكثر. ورغم هذا، فقد حدثت مؤخرا العديد من المشاكل التي شغلت الوسط الثقافي مؤخرا، عبر قيام بعض الكتاب، بنشر استياء وشكوى ضد بعض دور النشر التي لم توفي بالتزاماتها حسب قولهم. هذا ليس المشكلة الأساس، بل المشكلة تكمن في الاسباب التي تجعل الكاتب العراقي اسير دور النشر، وفريسة لمزاجات اصحابها، دون ان تبرز دار نشر حقيقية، تساعد الكاتب على تجاوز هذه المحنة، هناك من يلقي باللوم على الدولة، لأنها لم توفر أرضية مناسبة لطباعة النتاجات الثقافية. وللأسف هي حقيقة، لكنها اصبحت شماعة يعلق المثقف عليها كسله، واتكاله على غيره. الدولة، بنظامها السياسي الحالي، تبين موقفها من الثقافة والمثقف منذ الايام الأول لتوليها السلطة، وان مسألة انتظار تدخل الدولة في طباعة مؤلفات الكتاب العراقيين، بطريقة تحفظ لهم حقوقهم، ولا تعرضهم للاستغلال، امر لا مجال لتحقيقه في الوقت الحالي. لذا، فإن الاتكال على الدولة، يعني ان لا ثقافة ولا طباعة ولا نشر.
لهذا، يفترض ان تكون هناك مبادرات فردية ومن مؤسسات ثقافية تسعى الى حل هذه المشكلة، واتحاد الأدباء يسعى الى المساهمة بحل هذه المشكلة عبر مشروعه الأخير المتمثل بتحمل نصف تكاليف طباعة الكتب الأدبية، بعد موافقة لجنة لتقييم الاعمال المتقدمة للطباعة ضمن منشورات اتحاد الأدباء.
لكن هذه المبادرة لا تكفي لوحدها، في ظل كثرة المؤلفات والمؤلفين، والفوضى في الطباعة والتأليف الذي عقّد من حالة السوق، وساهم بصعود اسماء لا تملك مقومات الإبداع الحقيقي، ساعدها الاعلام والتواصل الاجتماعي، في حين بقيت بعض الاسماء المبدعة منسية. دور النشر، بدورها ترى انها غير مستعدة لأن تجازف بالطباعة على حسابها، وهو أمر مشروع، لكن يبقى المثقف هو ضحية لهذا الوضع، ولا حل في الوقت الحاضر، الا ان يطبع منجزه على حسابه، ويتحمل هو توزيعه ونشره على حسابه ايضا.
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة