وقائع احداث جامعة واسط

د. جاسم الصفار
كاتب عراقي
قبل اقل من شهر تظاهر العشرات من طلبة جامعة واسط، الواقعة في مدينة الكوت (110 كلم جنوب بغداد) ضد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الجامعة، صباح يوم الثلاثاء 28/02/2017، والقائه لكلمة فيها بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي عبد الرزاق العيسى ومحافظ واسط مالك خلف الوادي وعدد من الملاك التدريسي للجامعة. وقد ردد الطلبة عبارة «باطل» و «شلع قلع كلهم حرامية»، التي تهتف بها جماهير التيار الصدري، في احتجاجاتها الأسبوعية، قبل ان يتطور الاحتجاج الى رشق بعض المتظاهرين لموكب العبادي والقوات الامنية في واسط بالحجارة.
الحدث يحتاج الى قراءة جديدة بعد ان بردت محركاته وانقشعت غيومه. وبعد ان اخلت القوات الامنية في واسط سبيل الطلبة المشاركين في التظاهرة بكفالة بعد ان فرض على نفر منهم دفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بسيارات القوات الامنية نتيجة القاء الحجارة عليها.
فالعقل العراقي مازال للاسف رهينة قوالب جامدة وجاهزة لتلبيسها في أي حدث للتشكيك به والاساءة اليه، وقد شاع بعد احداث جامعة واسط اتهام الطلبة بتنفيذ اجندات تشير اصابعها الى بغداد والرموز السياسية الساعية للسلطة والاعداد المبكر للانتخابات المقبلة، سواء المحلية او النيابية. أي انها تحديداً مؤامرة يقودها المالكي، عبر ازلامه في واسط، ضد رئيس الوزراء «الاصلاحي» حيدر العبادي. ويرسم سيناريو الاحداث سواء داخل الحرم الجامعي او خارجه ليدعم هذه الفرضية.
فهنالك مندسون، حسب هذا السيناريو، تعمدوا التصعيد في التظاهرة الاحتجاجية وحرفوا مسيرتها السلمية لتسيء الى السيد رئيس الوزراء وتنعكس سلبا على نتائج زيارته لمحافظة ولجامعة واسط. ويقال ايضا ان هؤلاء المندسين خططوا للالتحاق بركب التظاهرة، منذ بدايتها، لتنفيذ مخططهم التخريبي. فهل هذا هو الواقع؟
تتضارب الروايات حول الطلبة الذين هاجموا موكب السيد رئيس الوزراء عند مغادرته الجامعة، من بوابة كلية الادارة والاقتصاد الجانبية، الا ان الموقف الشعبي الغالب منه كان الادانة لتصرفات بعض من الطلبة الذين رموا موكب السيارات، بما فيها سيارة السيد رئيس الوزراء وكبار المسؤولين المرافقين له بالحجارة، الا ان هذا البعض من الطلبة المنفلتين لا يمثلون الكتلة الاكبر من المتظاهرين، سواء الذين حوصروا داخل مبنى كلية التربية او الذين تظاهروا عند المدخل الرئيسي للجامعة قرب مبنى كلية التربية قبل ان يتوجهوا بتظاهرتهم الى ساحة العامل وسط مدينة الكوت.
الطلبة الذين كانوا جوار مبنى كلية التربية والذين بداخله هم من توجهت اليهم نيران القوات الامنية وقنابلهم المسيلة للدموع في مشهد لم تره الجامعة من قبل. فقد بالغت القوات الامنية في كثافة الرصاص الحي الذي اطلقته فوق رؤوس الطلبة وبكمية القنابل المسيلة للدموع التي القيت عليهم، مبتغية نشر الرعب وسط الطلبة والاساتذة وتلقينهم درساً لن ينسوه.
اما الطلبة الذين كانوا عند بوابة جامعة واسط الرئيسية فقد غادروا مبنى الجامعة صوب مركز المدينة بعد ان شاهدوا ما تعرض له زملاؤهم المعتصمون في مبنى كلية التربية وهم في اعلى حالات الاثارة والانفعال. وفي الطريق نحو مركز المدينة التحق بموكب التظاهرة مواطنون متعاطفون مع الطلبة من المارة وعمال المحال التجارية والورش الموجودة على الطريق الذي مرت به التظاهرة.
وقد كان لهذا الاختلاط في تكوين التظاهرة المتجهة صوب مركز المدينة تبعاته واثاره على ما حصل عند وصول التظاهرة الى ساحة العامل في مركز مدينة الكوت وتعرضها هناك للمواجهة مع القوات الامنية التي استعملت في هجومها على المتظاهرين، من اجل فض التظاهرة، الهراوات والمياه الساخنة. وكردة فعل على تصرف القوات الامنية غير المدروس والاستفزازي، الى حد ما، بادر بعض المتظاهرين الى الرد على القوات الامنية برميها بالحجارة.
تؤكد نتائج التحقيق االذي اجرته القوات الامنية مع المعتقلين من بين المتظاهرين ان هؤلاء المتظاهرين هم بين بسطاء لا علاقة لهم بالسياسة وبين طلبة منتمين لتيار سياسي هو من بين القوى المحورية التي تشكلت منها التظاهرة الاحتجاجية، أي من الاخوة الصدريين. وان اساس الفعل التخريبي الذي تجسد في رمي بعض المتظاهرين الحجارة على القوى الامنية، هو ضعف الانضباط وفيض من الانفعالات فرضها الحدث نفسه. ولا يصح بالتالي الصاق تهمة التخريب بالطلبة وحدهم واتهامهم بالضلوع في مؤامرة سياسية حيكت خيوطها في مكاتب ببغداد.
أؤكد مرة اخرى اني لست مع أي اعمال تخريب ترافق الاحتجاجات السلمية، فالتحلي بالمسؤولية والابتعاد عن كل ما من شأنه الاساءة لحركة الاحتجاج الشعبي السلمية التي باتت امل العراقيين الاخير في المرحلة الحالية من اجل التغيير، هو السبيل لايصال كلمة الجماهير المسحوقة واعلاء شأنها وفرض ارادتها، ولكن هنالك من يضخم الاخطاء التي ترافق التظاهرات…. من اجل اجهاضها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة