محمد خضيّر
سأقول كلمـات قليلة بحق صديقي الشاعـر حامد عبدالصمد البصريّ , تنمُّ عن تقدير كبير، لا عدد لكلماته, لهذه الشخصيّة الأدبية المتبتّلة في محراب الشعر, المعتدلة في ميزان الحياة .
وسأذهب مذهبين سلكهما الشاعر بنفسه وسدّد بهما خطواته, بدأ الأوّل منهما في مـقتبل رحلته إلـى أعـالي الشعر, وختـم بالمذهب الثاني تجربته في الهبوط إلى وادي التأمل والمناجاة الهامسة .
أبدأ بما بدأ به حامد البصريّ فأسلكُ معه طريقَ أبي الخصيب الذي أقتاد شعراء من صنفهِ لبّوا نداء القصيدة , وغواية المعازف والألحـان, وشرود الظـلال والأخـيلة , أولئك الراحلين الناقـشـين أسماءَهـم فـي أعمـق أعماق الصمـت , وأكثفِ درجـات الامتثـال والسكينة , أعني شعراء أبي الخصيب : بدر شاكر السياب وسعدي يوسف وعبد الجبار البصري.. حيث وضع حامد البصري قدميه في أثرهم , وأشرع إحساسه لتتبعِ بوحهم وسرحانهم الطليق, وسيرهم المتعالي حتى قمم النخيل… سار في أثرهم فأدركَ غايته من الشـعر وكسب ما كسبوه من حدّة الملاحظة ورهافة الشعور وصدق الحقيقة
أمّا المذهب الثاني, الذي سأتخذه مسلكاً للاقتراب من شخصيّة البصريّ الشاعر, فهو تأليفهُ كتاباً في نهاية الطريق لاسترجاع سير أولئك السائرين السابقين, ليوّحد صوته في أصواتهم ويجمع سيرهم في سيرته, فيدرك غاية الشـعر في توحيد النفس الشاعـرة بطبائع الحياة السائرة, ويجذب الأصوات التائهة إلى وجدانه المنفرد , ثمَّ ليكون هذا الشاعر الذي نراه اليوم بيننا: النفس الموَّحدة من نفوس شاعريّة متفرّقة .
إنّه كما نراه: شاعر في مجموعة شعراء , ونفس مصبوبة فـي مجموعة نفوس أفنت عمرها لإدراك غاية الشعر في موطنه الحقيقي
, هذا الموطن الذي أقترن بلقبه ( البصريّ) دلالة وعرفانا وتمثّلاً لتلك الوحدة المصيرية.
بهذين المذهبين: الفرديّ التجريبيّ , الجمعيّ التمثيليّ , ركّب البصريّ سيرته الشعرية وضمّنها عدّة دواوين بثقة السائر الذي لم يخطئ الطريق ولم يضلّ الأثر .
ولـيس بوسـعنا , نحـن المحتفلين به هذا الـيوم , إلاّ أن نتلقّى أُمثولته الشعرية هذه لنجعلها سيرة تسمو على سيرورة الحياة العابرة
,وحـوادث الزمان المتبّدلة , وإلاّ أنْ نجعلها أنموذجاً ودرساً عـلى اتحاد الشعر بمصادره الطبيعية , وانعكاساً دقيقاً على خُلق الشاعر المثابر ’ حتى لحظته الراهنة .
تحّية للصديق الوديع: حامد عبد الصمد البصريّ , وتمنيّاتي له بإبداع متجدد .