جمال جصاني
كل من يتابع مجرى الاحداث في الآونة الاخيرة، يصطدم بحجم الانحدار والانحطاط في فهم طبيعة هذه التطورات الاخيرة واللبس في ادراك المغزى الفعلي لها ونوع القوى والمصالح التي تقف خلف ذلك. شاهدنا جميعاً كيف انبرى البعض من قوارض البرامج الفضائية وكتاب الاعمدة والمقالات المتخصصة لشتى القياسات والحاجات، لتحليل وتفكيك طلاسم النزاعات والتجاذبات السياسية الاخيرة لحيتان العملية السياسية الجارية وخصومها من شتى المنحدرات. حيث تهاوت الاقنعة المستعارة لتكشف عن الملامح الشوفينية والطائفية ذاتها، التي دفعت بمشحوفنا المشترك الى ما هو عليه اليوم من وضع لا يحسد عليه. هذه الصلافة والجرأة على اعادة انتاج الخطاب الشوفيني وكره الآخر المختلف، مهدت لها حزمة التصرفات والقرارات والممارسات غير المسؤولة والبعيدة عن الحكمة لمن وضعته الاقدار على سنام القدرة والقرار في المشهد السياسي الراهن.
ان ارتفاع منسوب التأثير الشوفيني في هذا الظرف العصيب الذي نعيشه، يمكن ان ينتج عنه تداعيات لا يحيط بنهاياتها افضل الراسخون بعلوم المهالك الأهلية، خاصة في ظل حالة الانكماش الشديد لنفوذ اصحاب الرأي السديد من ما تبقى لنا من حكماء وعقلاء، حيث الهيمنة والسطوة والنفوذ لاجيال جديدة من الديماغوجيين وقراصنة المنعطفات التاريخية. ولا ينفعنا بشيء محاولات الالتفاف حول الواقع المزري للمزاج السائد، حيث الاحتقان الشديد والتمترس خلف الحجج والادعاءات الضيقة والمتداولة اليوم لا وسط عامة الناس وحسب بل تشمل غير القليل من المنتسبين لنادي الانتلجينسيا، حيث الهرولات المندفعة لمشجب الاسلحة والشعارات واللافتات الشعبوية والقومية الضيقة التي اهدتنا كل هذه الجرعات من التشرذم والضياع.
في مثل هذه المناخات والشروط تسنح الفرص لـ (مشعلو الحرائق) كي ينفذوا مخططاتهم بكل يسر ودقة، ليتسنى لهم تدمير ما تبقى من جسور للثقة والمصالح المشتركة بين شعوب وقبائل وملل هذا الوطن القديم، يساعدهم في هذا نوع اولويات «اولي الأمر الجدد» وغربتهم عن كل ما له صلة بالمشروع الوطني لعراق ديمقراطي جديد. واقع مزر اكدته غزوة داعش الأخيرة عندما اعادت الروح لمومياء الخلافة الاسلامية برغم انف بدع سلالات بني آدم من سلع الحريات والحقوق والديمقراطية والمواطنة والدساتير التي اذهلت الافغاني ومحمد عبدة قبل ولادة الخليفة الجديد بعشرات السنين. لم يعد لدينا نحن سكان اكثر البلدان حرائقَ وتشرذماً؛ المزيد من الوقت ومشاريع الضحايا والامكانات لنقدمها لجيل جديد من التطلعات المأزومة المدمنة على قضم حقوق شركاء الوطن والمصير.
لكن من سيتكفل بلجم هذه الاصوات النشاز، المستندة الى ارث مكين من المواقف المشينة؟