قاسم سعودي
كثيرة هي الأصوات التي تتسيد بين قصيدة وضحاها أو موقف ما وفتوحاته المغلقة ، العديد من المنابر والمنتديات وأدبيات الصحف والملتقيات الثقافية ، لا لشيء إلا لأنها تغرد بشكل شعري واحد أو أكثر ، يبدو أن الخلاص من ذلك أو تجاوزه صار مستحيلاً في ظل أزمة تأكل الوعي التي لازمت منذ القدم كراسي الهيمنة القصوى على بعض المؤسسات الأدبية المتعددة في المشهد الثقافي العربي.
ولعل من أهم الأمراض الناطقة من فضاء هذه الوصاية المزعومة هي إنتاج وتكريس أصوات لا تجيد سوى فتنة التجريح على بوابات الإبداع الشعري والإيهام المطلق بقداسة الأشكال الشعرية وتلبسها والدفاع عنها بشكل لا يمكن تصوره وبمنتهى العبثية واللهاث القسري للمنطق الوثني المر ولنوافذه المغلقة ، دون التوقف ولو لنظرة واحدة فقط وبشكل منهجي وعلمي واضح إلى ضمير التعبير الكتابي المكتنز بدفق التراث الإنساني وحلاوة المعاصرة البيضاء ، ومن ثم الانغماس بحوار جدلي رصين ينتصر لحرية التعبير أولاً دون غيرها ، باستثناء بعض الأصوات الحقيقية التي تطرح مقارباتها وأطروحتها الإبداعية بموضوعية تسحق المناقشة والجدل والحوار الدسم .
إن الموت السريري الذي تعانيه القصيدة العربية عموماً ، لهو موت مؤجل قادم من أزمنة عانت فيه الكثير من تكسر رغيف الحياة الثقافي وتيبسه ، حتى صار مجرد وليمة كبرى لأصوات تتناول بنهم واضح هدوء تطلعاتنا ، وعافية نصوصنا ويقين ذاكرتنا الإنسانية ، التي تبدو خائبة وسط هذه الريح التي يبدو بأنها لن تمضي أبداً .
إن المشهد الثقافي العربي يحتاج إلى إنكار ذات حقيقي ، وتناغم شفيف ، وأياد بيضاء تنزع معطف الادعاء والتذبذب والتبعية لنظرية النظرة الواحدة المزكومة بهتافات المصادرة الموجعة وصدق النوايا اليتيمة التي قد لا تكفي أحيانا للموازنة المنشودة في الجسد الثقافي المسكين .
اتركوا الشعر يا أصدقائي ولا تحاصروه بهذا الشكل أو ذاك …
ولأنه ينزف بشدة ولا يستحق أن تُحملوه ما لا يطيق وما لا يحب أو يشتهي ، أطلقوا أجنحته ودعوها تلامس ألواح القلب بدلاً من التشبع بحوصلة الوهم والتسطح والغياب.
ولنتوقف عن تلك النصوص والمقولات والمكاشفات السوداء والمقاربات الجاهزة التي ستقود المنجز الكتابي العربي المعاصر إلى زكام الشعر ، زكام السرد ، زكام التفاعل ، زكام النقد ، زكام الثقافة.